7 أبريل، 2024 9:20 م
Search
Close this search box.

دراسات حديثة ، هل يقع وعي الإنسان خارج الدماغ ؟!

Facebook
Twitter
LinkedIn

من الصعب وضع تعريفٍ وافٍ للوعي البشري (Human Consciousness) ، لكن من الممكن إعتباره الوعاء الذي يحوي (العقل Mind) و (المعرفة Awareness) و (الإدراك Perception) ، من هنا نفهم أن كلمة (وعي) مشتقة من (وعاء) ، إنه (الأنا) للذات البشرية ومنها يُشتق مصطلح الأنانية (Selflessness) ، لأنه الكون اللانهائي والمترامي الأطراف ذلك الذي يتصف به إنسان ما بمفرده ، بكل ما به من أحاسيس وتوجهات وذكريات وإستراتيجيات ، إنه الضمير والشعور والوجدان والعاطفة ، وبالتالي طريقة ردود الأفعال وأساليب المواجهة ومد القنوات مع محيطه من (أوعية) أخرى للبشر ، إنه إدراك الحقائق والمنطق الذي يَبني صُنع القرار ، إنه الفهم والميول والإنتباه والفضول والتعلم وطريقة التعامل والتأمّل وحساب العواقب ، وعليه يقول العلماء ، أن الدماغ ، تلك الكينونة المادية ، لا تكفي لأيواء كل هذه المفردات الكثيرة ، وما يتفرّع عنها من مسمّيات ثانوية لا تُعد ولا تُحصى ، هذا إن نظرنا للدماغ كآلة مادية .
الوعي ، مفردة عجز عن تعريفها أساطين العلم المجرد ، ولغزٌ لا يزال عصيا على الحل ولا تزال هذه المفردة تتحدى التأويل ، الى درجة يعدونها أنها إحدى الخوارق التي تبقى بلا تفسير ، ونشعر بالأطمئنان ، لأن هنالك خطا رفيعا بين العقل والجنون ، هو الإيمان من أن الوعي الذي يستمد حيويته وحرارته وقنواته من الروح ، ففي العلم المجرد ، لا يوجد شيء إسمه الروح ، وفي القرآن الكريم يقول عز من قال (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) وكأن الله سبحانه أراد إخبارنا ، أن علم الروح هو سيد العلوم ومنتهاها ، هو الكأس المقدّسة التي طالما سعى الأنسان الى الظفر بها ، هو الإجابة عن كل الأسئلة التي خامرت عقل الأنسان منذ خلقه ، ولكن لا يمكن إدراكه كلّيا لأن الله وعدنا بذلك ، ورغم ذلك ، فهذا لا يمنعنا من الخوض في غماره ، ربما لن نحصل على أجوبة ، لكن البحث فيه ثراء وجداني وراحة روحية ، وتبقى ماكنة تساؤلاتنا تدور بما يمليه علينا (وعينا) هذا ، يدفعنا فضولنا ، والتفكير بالمستقبل ، ولا نكف عن التساؤل ، كيف ، وماذا بعد ؟ ، وثم ماذا ؟.
عبارة (الأنسان آلة) فيها الكثير من التجديف ، انه أكبر بكثير ، وعميق عمق الوعي الذي لا قرار له ، فالنفس الحُرّة تهيم حائرة من اللانهائيات التي تحيط بها ، هي لا تعرف الحدود ولا تقيم وزنا لظلال الوجودية الثقيلة ، فماذا سيحصل ، إن أتانا الوعي بغتةً ونحن في بطون أمهاتنا ؟ ما الذي جعلنا نصبر على ضيق الرحم ، لولا نعمة غياب وعينا ؟ وكأن الحرية والفضاء من أول متطلبات الوعي ؟ ، في شبابنا ، كان تفكيرنا بالموت سطحيا ، على أنه حتمية مؤجلة لهذا كنا نوئد هذه الفكرة ، ولكننّا ندفنها في اللاوعي الذي يستيقظ بين حين وآخر ، ويزداد تواتر هذه (الأحايين) كلما تقدم بنا العمر ، حتى لاوعينا هو وعي مع وقف التنفيذ .
تطلعات الأنسان الوجدانية العميقة وفضوله تجاه أي فضول تأخذ بعنقه ، خصوصا في الماورائيات ، وهو في معترك الحياة ، فيحس ان ثمة تناقض بين سطوة وجوده وتطلعاته وفضوله وهو لا يرى نهايات لجذوره الممتدة بين الوعي واللاوعي ، والفناء بعد الموت ، وهو يرى أن ذلك غير عقلاني ولامنطقي ، فيحس أنه أكبر من الفناء بكثير ، يشعر في قرارة نفسه أنه خالد حيا كان أم ميتا ، ويعتقد أن ثمة مندوب لمارد جبار ، وقوة عاقلة تفوق عقله بكثير منصهرة في ذاته (الروح) .
الوعي هو الحافز لأبداع الأنسان في بناء الحضارة ، وما بها من تبجيل للجمال ، والحس المرهف من فنون وموسيقى وشعر وأدب ، وذوق رفيع ، وسرعة الملاحظة وقابلية الأبتكار وترويض الطبيعة ، الوعي هو قناة الإله مع البشر ، لهذا كانت الرسالات السماوية ، الوعي هو من يجعل كل أنسان ، نسيجا فريدا لا تجد له شبيها ، الوعي هو الذي يقود الغرائز لا بالعكس ، من هنا يبرز الفرق بين الأنسانية والحَيوَنة ، الوعي هو الشعور الوجداني العميق الى درجة مطلقة ، في ذواتنا فضول مستعر لكل ما هو مجهول ، فما سر سطوة هذا الفضول ، بحيث يدفعنا الى المقامرة بالحياة لأجل المعرفة !..
أثبتت الوقائع ، أن الأنسان ليس مجرد ماكنة ، يصيبها الهرم أو العطب فتموت ، انه كون متكامل ، يكمن بداخل كون ، يرتبط بالأكوان الأخرى وبمحيطه بحواس خارقة أخرى غير الحواس الخمس ، ووجدان لا يعرف الشبع من الفضول الذي يقود للجنون ، يذكرني هذا بمقولة للإمام علي (ع) : (وتحسب نفسك جرما صغيرا ، وفيك إنطوى العالم الأكبرُ) ، هي ليست مجرد شطحة صوفية ، لكن بالفعل ، انا الكون ، والكون أنا ، وهو بداخلي ، ذلك يجعلني أدرك أني (تِرْسْ Gear) صغير من ماكنة الكون …
نقضي أكثر من ثُلث أعمارنا نياما ، ولكن هل يتركنا وعينا في هذا الثلث ؟ ، لا ، أنه يتحول الى شكل آخر من الوعي ، فإما أن تتلبى فيه كافة أمانينا ورغباتنا ، أو نواجه أسوأ مخاوفنا فيه ، على الأقل إفتراضيا ، أنها الأحلام .
ظاهرة الإخلاف (Regeneration) التي تحدث عند بعض الحيوانات ، كاستعادة (أبو بريص) لذيله بعد القطع ، أو ظهور طرف كامل بدل المقطوع بكل ما به من يد وأصابع كما في الحيوان البرمائي (السلمندر) ، علم الأحياء يشرح الظاهرة فقط ، دون الخوض في الأجابة عن كيف ولماذا ! ، من المشروع جدا أن نسأل عن سر تلك الخلايا الهادمة والبناءة ، تلك التي تنحت عظم الإنسان أثناء نموه منذ الطفولة وحتى يصبح يافعا ، والتي تقوم بنقل الخلايا العظمية من مكان لآخر ، فلو كان بناء العظم مجرد ترسيب لمادة العظم ، لأصبح كائنا مشوها ، لكن الفضل يعود لهذه الخلايا ، وكأنها تحمل إستراتيجية إستعادة الوضعية الصحيحة وفق برنامج معقد للغاية ، هل لهذه الخلايا وعيها الخاص بجعل العظم جميلا ومتناسقا ؟ ، بل أكثر من ذلك ، فالمعروف لدى الأطباء ، إن العظم المكسور عندما يتم تقويمه وبه شيء من الأعوجاج ، فسيعدّل نفسه تدريجيا حتى يستعيد حالته المستقيمة السوّية ! ، كيف ؟ لا أحد يجيب ! .
الخلايا الجذعية (Stem Cells) ، هي خلايا من الممكن أن نسميها خلايا خام ، موجودة في المراحل الأولى للنمو الجنيني ، لا أحد يعرف كيف تتطور هذه الخلايا المتشابهة ذات المنبت الواحد ، إلى خلايا ذات درجة عالية من التخصص ، فيتحول قسم منها إلى خلايا عصبية ، والباقي إلى عظمية أو وعائية أو دموية أو جلدية أو هضمية ، حتى يصبح هذا الجنين ، طفلا متكاملا سويّا ، هذه الخلايا ذات (الوعي) التخصصي العالي ، مَن المسؤول عن إدارتها وتوزيع الأعمال والوظائف عليها لتتقمّص أدوارها الجديدة ؟! ، فهل كل خلية من خلايا أجسامنا تمتلك وعيا خاصا بها ؟! .
لو سلّمنا أن الدماغ وما به من خلايا عصبية (Neurons) هو موئل الوعي حسب الإدعاءات الدارجة ، فهنالك الكثير من الأحياء التي لا تمتلك جهازا عصبيا على الإطلاق ، كالأحياء وحيدة الخلية ، لكنها تتغذى وتنمو وتتكاثر ، ولها إستجابة لأي تهديد ، وإلا كيف تعلّمت (البكتيريا Bacteria) مواجهة تهديد المضادات الحيوية (Antibiotics) ، بحيث بدأت تقاوم مفعول هذه المضادات بشكل سبب تحديا جدّيا للطب الحديث ؟ ، سيقولون السبب هو الطفرات الوراثية ، لكني أسأل عن السبب وليس الميكانيكية ، ألا يُعدّ هذا تصرفا واعيا من مبدأ التشبّث بالحياة لمواجهة التهديد ؟ ، والأغرب هو عالم (الفايروسات Viruses) ، فهذه الكائنات التي تشكل مفصلا بين الحياة والجماد ، لأنها تسلك سلوكا بلوريا جامدا عندما تكون ظروفها المحيطة غير مواتية ، وبمجرد توفر الظروف الملائمة ، ستدبّ فيها الحياة ، وستقوم بما عجز الإنسان عنه حتى فترة قصيرة ، ستقوم بإستنساخ الحامض النووي (DNA) للمضيف-الضحية ، وتحتفظ به كبطاقة دخول لهذا المضيف بما يشبه مبدأ حصان طروادة (Trojan) ! ، فبهذا لا تحسبه الخطوط الدفاعية جسما غريبا ! ، وعند الدخول تقوم بإستنساخ نفسها لملايين المرات فتسبب المرض ! ، أي وعي ذكي هذا لمخلوق هو شبه جماد ؟!.
لا يزال الإنسان لا يفهم طريقة إلتماس الحمام لطريقه ولا يتيه ولو كان على بُعد آلاف الكيلومترات ، ووضعت الكثير من النظريات بهذا الخصوص ، ولا يزال الإنسان يرصد الكثير من الموارد وهو يجري الدراسات لمعرفة سر كامن في دماغ الطير الذي لا يزيد حجمه عن حبّة باقلاء ! ، دراسات ليس دافعها بريئا ، فهو يريد كشف ميكانيكية إدراك الحمام لطريقه ، لتطبيقها على جيل من الصوارخ الذكية وأدوات الموت ، لتوجّه نفسها وتُردي أهدافها بدقّة دون وسائط مكلفة كالأقمار الصناعية !.
نحن لا نعرف على وجه التحديد ، كيف تأتي الأشجار العالية أكُلَها وهي تمتص موادها الغذائية في التربة ، وترفعها لعشرات الأمتار كما في أشجار النخيل ، بل قد يصل إلإرتفاع إلى أكثر من مائة متر كما هو حال أشجار الخشب الأحمر (السيكويا Sequoia) التي تحتاج إلى عشرات اللترات من السوائل من التربة يوميا ، فنجد هذه الأشجار باسقة يانعة ومغذّاة جيدا ، أصلها ثابت وفرعها في السماء ، علم الفيزياء يعزو ذلك إلى ظاهرة (الخاصية الشعرية Capillary) ، لكننا نعلم إن ذلك لا ينطبق إلا على أجزاء المتر الواحد ! .
النباتات اللاحمة ، وهي النباتات المفترسة التي تتحسس أي حشرة تحط عليها ، فتنقبض عليها أوراقها بسرعة كبيرة كي لا تفلت منها الحشرة ، ربما فهمنا الميكانيكية ، وهي بإمتلاء خلايا جانب واحد من العضو القانص بالسوائل ، فيميل مطبقا على نظيره الآخر بما يشبه الدفّتين ، لكن علم الأحياء لا يفسّر لنا كيف تتحسس هذه الأعضاء وتَرُدّ الفعل ، خصوصا وأن لا جهاز عصبي لها ! ، المسألة ليست ببساطة عتلة مزوّدة بنابض كما هو الحال في مصيدة الفأر !.
المثير للعجب ، نوع من الفطريات (Fungi) ، وأسمه العلمي (Physarum Polycephalum) ، وهو ذو لون أصفر ، لزج القوام ، حيّر العلماء لأنه يلتمس أقصر الطرق للوصول إلى طعامه من خلال متاهة (Maze) ! ، وعند وضع بُقَع من المواد المغذية على وسط الإنبات ، فإنه سينمو مادّا جسورا مستقيمة بما يشبه الجذور للوصول إلى بقع الطعام ، ويكوّن عُقدا وأقصر الطرق وأكثرها فاعلية حسب حجم بقعة الطعام ، إلى درجة أن اليابانيون أعتمدوا (فلسفته) ، لإنشاء شبكة قطارات في (طوكيو) ! ، لأنها ستربط أحياء طوكيو حسب حجمها وأهميتها ، فهذا الفطر الذكي ، والذكاء سيد الوعي ، أنجز ما عجزت عنه حتى خوارزميات الحاسوب ، وبإمكان القارئ الكريم مشاهدته على اليوتيوب :
(https://www.youtube.com/watch?v=K8HEDqoTPgk) ! .
جميعنا يعرف ، أن حجم دماغ النحلة لا يتجاوز حجم رأس الدبّوس ، لكن لو تأملنا إستراتيجية هذه الحشرة في البحث عن الطعام ، فستكون مثيرة للعجب ، يقوم قفير النحل أولا بإرسال عاملة كشّافة للبحث الزهور ، وعند عودتها ، تؤدّي رقصة إهتزازية ، فيعرف النحل العامل إتجاه وبُعد الهدف بالضبط ، فمن خلال عدد إهتزازات بطنها يعرف النحل البُعد ، ومن خلال زاوية تحرّكها أثناء تأديتها لهذه الرقصة ، يعرف الإتجاه ، وما هي إلا لحظات ، حتى يتحرّك سرب كبير من النحل بإتجاه الهدف لأنه فهم الرسالة ! ، المسألة في غاية التعقيد ، إذ كيف إستطاعت النحلة قياس البُعد والإتجاه بالنسبة إلى قفيرها ، وبالتالي خزنه في ذاكرتها ، لتترجمه بعد ذلك إلى حركات وإيماءات مع صُغر حجمها وبعد المسافة ؟! ، أي وعي هذا التي تمتلكه تلك الحشرة ، بحيث يملي عليها معيشة إجتماعية رصينة وصارمة ؟! ، ولو تأملنا الطبيعة حولنا ، سنجد آلاف الأمثلة المثيرة والمحيّرة التي لا تقل غرابة عن هذا السّرد .
ولو إستقرأنا مقياسا أكبر وهو الإنسان ، فهنالك بعض الحالات المَرَضية النادرة والتي تستحق التوقف عندها طويلا ، وهي الحالات التي تطرّق إليها دكتور علم النفس في جامعة (فرجينيا) الدكتور (بروس غريسون Bruce Greyson) في كتابه (هل ينتج الوعي من الدماغ Is Consciousness produced by the Brain?) ، وفق دراسة قام بها بنفسه ، يسرد لنا هذا الدكتور بعض الحقاق المثيرة للعحب عن بعض المصابين بمرض (إستسقاء الدماغ Hydrocephalus) ، ويعني عجز الدماغ عن بزل السائل الشوكي (Spinal Fluid) خارج قحف الجمجمة مما يؤدي إلى زيادة الضغط على خلايا الدماغ ، فتتدمر ويمتصها هذا السائل ، وهو مرض خطير يؤدي إلى التخلف العقلي ، وفقدان الذاكرة والحواس ، ثم يؤدي إلى الموت في حالة عدم علاجه ، لكنه ذكر أن بعض الناجين من هذا المرض ، لديهم عامل ذكاء (IQ) والذي يتراوح بين 90-160 في الشخص الإعتيادي ، لديهم (IQ) أكثر من مائة ! ، وهو لا يمتلك سوى 120 غم من النسيج الدماغي (متوسط وزن الدماغ عند الرجل 1400 غرام) ! ، فأين يكمن الوعي ؟! ، مع العلم أن وزن دماغ العالم العظيم (آينشتاين) ، وهو من أعظم ما أنجبه الوعي البشري هو 1230 غم ! ، أي أقل بقليل من متوسط دماغ الرجل ! ، وبالمقابل ، نجد أن دماغ الفيل يبلغ 5 كيلوغرامات ! .
يتحدّث هذا الدكتور عن حالات (الإقتراب من الموت Near Death Experience , NDE) والتي تبلغ أكثر من 7 ملايين حالة موثقة طبيا في أمريكا وحدها ، ومئات الحالات التي عايشها بنفسه ، وتكاد تكون كلّها متشابهة بالنسبة للإنسان عندما يكون على شفير الموت ، كيف أن الإنسان يمر بمرحلة أولى هي حالة الخروج من الجسد (Out of Body Experience , OBE) ، بحيث يرى الشخص المحتضر نفسه مسجىً على فراش الموت ، وكيف أن حواسه ستُشحذ بشكل لا مثيل دنيوي لها ، ثم المرور بنفق والإلتقاء بالأقارب الميتين ، ثم العودة إلى الجسد ! ، جميع هؤلاء (العائدون من الموت) ، يتحدّثون عن حواس خارقة ، ورؤية بانورامية بمقدار 360 درجة في آن واحد ! ، وعجزهم التام عن وصف روعة الألوان والراحة أو العذاب ! ، قال تعالى (لقد كُنتَ في غفلةٍ من هذا فكشفْنا عَنكَ غطائكَ فبصَرُكَ اليومَ حديد ، سورة (ق) ، الآية 22) ، لكن علم الطب المجرد ، يفسّر هذه الظاهرة على أنها حالة من الهلوسة البصرية (Visual Hallucination) وهو تصرف ذاتي من الدماغ ، عندما يتعرّض إلى نقص الأوكسجين عند الإحتضار ، وبعد توقف موجات القلب (ECG) وموجات الدماغ (EEG) ، لكن هذا العلم لا يستطيع تفسير بقاء وعي المُحتضر لأنه يستطيع سرد تفاصيل مدهشة عن حوار وتصرفات الأطباء بدقة أثناء تلك المرحلة ، بل تفاصيل مكانية أخرى بعيدة ! ، فالمكان والزمان لم يعودان مهمّان ! ، ثم ما سبب التشابه الكبير بين روايات هؤلاء العائدون من الموت بكل مراحلها ؟ ، أسئلة جديرة بالطرح ، خصوصا وأن الموت هو اليقين الراسخ الوحيد في هذه الدنيا ، والجميع سيشرب من كأسه يوما ما ، فنحن ننظر الى الموت على أنه ناموس طبيعي ، هذا ما يمليه الفكر الجمعي ، لكنه ليس كذلك بالنسبة لوعي الفرد ، ويبقى ذلك المجهول ، والناس أعداء ما جهلوا ! ، قال الإمام علي (ع) : (الناسُ نيامٌ ما حَيَوا ، فإذا ماتوا إنتبهوا) ، وسبق وكتبتُ مقالة على (كتابات) بعنوان (تجارب الإقتراب من الموت).
وصل هذا الدكتور إلى إستنتاج في كتابه ، يشاركه في ذلك الكثير من الفلاسفة وعلماء الإجتماع المعاصرين ، فلم يجدوا إلا تفسيرا واحدا ، أن وعي الإنسان يقع خارج دماغه ، ولكن أين ؟ ، لم يستطع الإجابة ، لكنه كرجل علم ، يشبّه الإنسان مثل هاتف خلوي ، جزء من منظومة معلوماتية لا يمكن تصور ضخامتها ، وإن لعقل الإنسان قنوات خاصة للإتصال بهذه المنظومة العملاقة بما يشبه الإنترنيت ، وإن تَعَرّضَ هذا الهاتف الخلوي للعطل ، فالبث يبقى موجودا ، يذكّرني هذا بموقف لأحد العلماء وهو يتفحّص قطعة محفوظة من دماغ (آينشتاين) ، فقال منبهرا : (من الصعب التصوّر أن هذه المادة الرمادية هي التي أوجدت النظرية النسبية) ، فأجابه زميله : (السّر يكمن بقدرة هذا الدماغ على فتح القنوات مع عالمٍ ثانٍ ) ! .
في أيامنا هذه ، تترجح كفة الوعي كلعنة أكبر من كونه مَلَكة ، تلك السكين المغمدة في الخاصرة وقد مدّت صدأها جذورا ، فإما أن تنتزعها ، فتنزف حتى الموت ، أو أن تتعايش مع آلامها ، فالوعي كالجرح ، يزداد ألمه كلما كان عميقا ، لكنه جرح لن يندمل ، طالما نحن على هذه الأرض ، يقول (مظفر النوّاب) :
هذا طينُكَ يا اللهُ..
يموتُ به العُمْرُ ، ويشتعلُ الكبريتُ جنونا ..
هذا طينُكَ ، تتقاذفهُ الطّرقاتِ بليلِ المنفى والأمطارِ ..
هذا طينُكَ ، قد كَثُرَتْ فيهِ البصماتُ ..
وأفسَقَ في الوعيُ سنينا ..

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب