ان الحاجة الى الدراسات العلمية ولا سيما دراسات الجدوى، قضية بدهية، لأن الواقع معقد ومتشعب ولابد لمن يريد ان يتعامل معه ان يبذل جهوداً كبيرة لمعرفة هذا الواقع، ولأننا تجاهلنا هذه البدهية، فقد اصيبت الغالبية منا بصدمات كبيرة متتالية أثر الاخفاقات والفشل الذي اوقعنا انفسنا فيه، وذلك، لان المعلومات المتوفرة كانت اما مزورة او غير دقيقة او غير مفهومة، ولو توفرت الدراسات العلمية/ دراسات الجدوى، لعرف مجتمعنا، ان الفوضى والتفرق والمعاصي… لا يمكن ان تؤدي الى تقدم، والحاجة الى دراسات الجدوى قضية بدهية لان الاختلاف بين المبادئ معقد ولا بد لمن يريد ان يعرف الحق من الباطل في ذلك، ان يعتمد في معلوماته على دراسات جدوى جادة تقيم هذه المبادئ بأمانة وصدق وعلم، ونحن تجاهلنا ايضاً اهمية هذه الدراسات في هذا المجال، ولكننا وللأسف لم ندرك حتى الآن مرارة الضياع والجهل وحجم الكارثة في قضايا الفكر والمبادئ.
ولا تقتصر اهمية دراسات الجدوى العلمية على مجال الفكر والسياسة بل تشمل قضايا الاقتصاد والادارة والصناعة وغيرها من المجالات، فكم تحدثنا عن التنمية الاقتصادية ونحن نفتقد كثيراً من المعلومات والاحصائيات الضرورية، وكم تمنينا ان يحدث الاصلاح الاداري ونحن نفتقر الى دراسات جادة تحدد اهدافنا وتمكننا من فهم قضايا التخطيط والتنفيذ والصعوبات المتعلقة بها.
ان دراسات الجدوى العلمية باختصار، كتباً وبحوث ومقالات.. تتضمن احصائيات وارقاماً، وتتسم بالصدق والموضوعية والوضوح، وهي ليست تلك الالاف من الكتب التي نجدها تشكل غالبية الموجود في المكتبة العراقية او العربية، فهذه كتب مشوهة بها من العلم شيء ومن الجهل اشياء، بعضها يذكر نصف الحقيقة ويزور النصف الآخر، وبعضها يتحدث ليرسم صوراً مثالية لواقع لن يكون، وبعضها يشوه حقائق الدين والتاريخ، وعندما نفتقد المعلومات الصحيحة نضيع.
فكم قراءنا كتباً، العلم بها لا ينفع والجهل بها لا يضر، وكم تبنينا افكاراً ظننا انها علامات مضيئة في الحياة ولو توفرت دراسات الجدوى لاكتشفنا انها علامات مظلمة.
وما زلنا للأسف غير مدركين لأهمية دراسات الجدوى، فاغلب ما يطرح في مجالسنا ونداوتنا واجتماعاتنا وصحافتنا… هو عبارة عن اراء غير مسنودة بدراسات جدوى، وهذا سبب من اسباب استمرار خلافاتنا، لاننا لا نستطيع تمييز الصواب، من الخطأ في القضايا المطروحة للنقاش، وهذا الوضع ادى الى اتخاذ كثير من السياسات والقرارات الخاطئة، ودفعنا ثمن ذلك غالباً.
ان الحاجة الى دراسات الجدوى غير مرتبطة بوجود مشكلة بل هي حاجة مستمرة، وكلما اضفنا دراسة جادة اوقدنا شمعة تساعد مجتمعنا وامتنا على السير نحو مستقبلنا ومستقبلها بصورة افضل.