23 ديسمبر، 2024 3:26 م

“دراجة” كيري ومأساة العراقيين

“دراجة” كيري ومأساة العراقيين

بعد اقتراب “داعش” من السيطرة على معظم أراضي سوريا والعراق يستفيق المجتمع الدولي ويجتمع لمناقشة هذا الخطر الداهم، حيث يلتقي وزراء 20 دولة في مؤتمر باريس لمناقشة استراتيجية التعامل مع تنظيم “داعش” ، إضافة إلى الحلول السياسية الكفيلة بحل الأزمة التي تعصف بالعراق بحسب ما ذكرت التقارير.

الواضح أن هناك توجه دولي للاعتماد على مايعرف بقوات الحشد الشعبي في مواجهة تنظمي “داعش”، من دون ادنى مبالاة بدخول العراق في دوامة الاحتراب الطائفي، مع علم هذه الدول يقيناً بأن هذا السبيل هو الوصفة المثالية لجذب آلاف وربما عشرات الآلاف من المقاتلين للانخراط في القتال لمصلحة داعش من أرجاء العالم كافة!!.

التقارير الاخبارية تنقل تفاصيل توحي بأن هناك اعتمادية دولية متزايدة على الحشد الشيعي والدعم العسكري الإيراني المباشر في التعامل مع الوضع المتدهور في العراق، حيث أكدت مصادر وصفتها شبكة “بي بي سي” بأنها رفيعة المستوى أن قاذفات صواريخ إيرانية الصنع نقلت إلى الصفوف الأمامية في الأنبار، وأن نحو 3 آلاف مقاتل أنهوا تدريباتهم الأساسية قرب قاعدة الحبانية العسكرية، التي تقع شرق مدينة الرمادي، استعداداً لتحريرها. ولاشك أن مجرد حصر خيارات العالم في الاعتماد على الحشد الشيعي في مواجهة “داعش” هو اعتراف صريح وواضح بفشل استراتيجية الرئيس أوباما في التعاطي مع خطر هذا التنظيم، وهو أيضا إقرار أمريكي بنقل مسؤولية التعامل مع “داعش” إلى إيران وتسلميها مفاتيح الحل في العراق وبالتالي تحديد مستقبل هذا البلد العربي العريق!!.

في التاسع والعشرين من الشهر الجاري يكون قد مر عام على إعلان قيام ما يسمى بـ “الدولة الإسلامية” حين قرأ المتحدث باسم “داعش” الإعلان الشهير لقيام هذه الدولة المزعومة بقوله “قررت الدولة الإسلامية، ممثّلة بأهل الحل والعقد فيها؛ مِن الأعيان والقادة والأمراء ومجلس الشورى (إعلان قيام الخلافة الإسلامية) وتنصيب خليفة للمسلمين، ومبايعة الشيخ إبراهيم بن عواد بن إبراهيم بن علي بن محمد، البدري القرشي الهاشمي الحسيني وقد قبل البيعة؛ فصار بذلك إمامًا وخليفة للمسلمين في كل مكان”.

الآن، تنظيم “داعش”يستحوذ على أكثر من نصف مساحة سوريا و80 بالمائة من موارد النفط والغاز في البلاد، فيما يسيطر على الموصل ثاني مدن العراق وتمدد إلى حدود الأردن والسعودية بالاستيلاء على الأنبار ووصل إلى أعتاب العاصمة بغداد في مرحلة من المراحل خلال هذا العام. وما يلفت الانتباه أنه على الرغم من هذه الحشود الهائلة، التي تتنوع بين قوات جوية لتحالف دولي تقوده الولايات المتحدة ويضم نحو 60 دولة، وحشد شيعي يبلغ قوامه نحو ستون ألف مقاتل، بالإضافة إلى الجيش العراقي، فإن “داعش” لا يزال يتمدد ويحافظ على ماتحت سيطرته من أراض، بل زاد من رقعة هذه الاراضي رغم الغارات الجوية الكثيفة التي تشنها طائرات التحالف الغربي العربي على مواقعه في سوريا والعراق.

ربما يكون الجديد في الملف السوري بعد عام من ظهور “الدولة الإسلامية” أن هناك نحو 5000 مقاتل أفغاني وباكستاني يقاتلون الآن إلى جانب القوات الحكومية السورية التي تواجه التنظيمات المتطرفة ومنها “داعش، مايعني تدويل الصراع بصورة أو بأخرى ودخول العنصر المذهبي بقوة على خط الصراع، حيث تركز عمليات التجنيد في أفغانستان على أقلية الهزارة الشيعية التي طالما عانت الاضطهاد.حيث نقلت التقارير عن أحد قادة الشيعة في كابول إن الدافع الأساسي للانضمام هو البطالة بالإضافة إلى الدوافع الدينية، مايعني بالتبعية انزلاق الصراع في سوريا إلى فخ “الارتزاق”، وتلك مسألة تعني أن هناك عوامل تغذية إضافية ربما تدفع بالصراع إلى التوسع بشكل يفوق خيال من يدفعون في هذا الاتجاه، خصوصا أن هناك تقارير تتحدث عن تجنيد عناصر من بين صفوف المهاجرين الأفغان غير الشرعيين في إيران والذين يصل عددهم إلى نحو المليونين، أي وجود مجال هائل للحشد المذهبي في سوريا لمواجهة “داعش” وبقية

تنظيمات الارهاب، ولنا أن نتوقع حدوث تصرفات معاكسة على الجانب الاخر وحشد آلاف العناصر المقاتلة من المسلمين السنة ثم نتخيل ما قد يحدث في المستقبل القريب بل الأقرب من التصورات.

هذا المشهد العبثي يثير تساؤلات: هل يكون الأفغان كلمة السر في الصراع الشيعي ـ السني الدائر حاليا؟ وهل يكون الأفغان وقود مرحلة جديدة في تنظيمات التطرف مثلما شهدوا بدايات ظهور هذه التنظيمات عقب الغزو السوفيتي لأفغانستان في الربع الأخير من القرن العشرين؟

المشهد برمته يبدو مرتبكا، ولا أحد يمتلك بدائل او مخارج واقعية للحل داخل الإدارة الأمريكية الحالية، في حين يتحدث بعض المسؤولين السابقين عن خيارات جيدة، فالرئيس السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، القائد السابق للقوات الأمريكية في العراق، الجنرال المتقاعد ديفيد بتريوس يقول إن تنظيم “الدولة الاسلامية” لا يمكن دحره باستخدام السبل العسكرية فقط، بل يجب أن يكون للسياسة دور في محاربته، وهذا طرح منطقي، إذ يمكن فهم رؤية بتريوس من مواقفه السابقة التي دعا فيها إلى أن يبدأ التغيير السياسي في القمة؛ بمعنى “أن يمنح السنة العرب المحفزات الضرورية لإقناعهم بدعم العراق الجديد بدلا عن معارضته” واعتقد أن هذا أمر لا تميل إليه الحكومة العراقية، أما البيت الأبيض فربما يتجه إلى اعتماد خيار مواجهة التنظيم من بوابة التوافق الامريكي ـ الإيراني، بمعنى إطلاق يد إيران في التصدي للتنظيم أو في تقسيم العراق كمخرج للأزمة!

لا أحد يفسر مغزى رفض واشنطن تزويد قوات البيشمركة الكردية بالسلاح وترددها في الضغط على حكومة العبادي التي تصر على رفض تزويد مقاتلي العشائر السنية في العراق بالسلاح لمواجهة تنظيم “داعش”، التي يصفها بتريوس نفسه بأنها “عدو قوي” وهو مايتناقض مع وصف سابق صدر من أعلى مستوى في صناعة القرار الأمريكي وهو الرئيس أوباما الذي قال ان التنظيم عبارة عن مجموعات من “الارهابيين الهواة”، وأن خطره لا يرتقي إلى خطر تنظيم “القاعدة”، فهل نحن بصدد إعادة توصيف لمستوى خطر التنظيم، أم أن التوصيف كان قائما من البداية وتعمدت واشنطن اخفاء الحقيقة لحين تمكن التنظيم من إحكام السيطرة على ماترى أنه وضعاً مناسباً لتنفيذ رؤيتها الاستراتيجية بشان إعادة هندسة الاقليم.

بتريوس من المسؤولين الأمريكيين السابقين الذين يدركون خطورة إيران ، وقد اعرب غير مرة عن تشككه من منحها دورا في محاربة تنظيم “داعش” ويصر على أن ايران ما زالت “قوة ثورية” في المنطقة، وأنها استغلت الفوضى لتحقيق بعض التقدم، كماأنها استفادت من الفوضى، بل خلقتها ضمن محاولاتها الهيمنة على المنطقة، ولكن هذه الرؤى والتصورات التي يطرحها بتريوس، كمسؤول سابق، لا تقنع إدارة أوباما، او لا تتفق مع رؤيتها للحل في العراق، وربما يكون من سوء حظ المنطقة أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لن يستطيع المشاركة في مؤتمر باريس بسبب إصابته بكسر جراء وقوعه عن دراجته، وبهذا يكون المؤتمر قد خسر ضلعاً مهما من أضلاع التأثير وصنع القرار في هذه القضية بالغة الأهمية في مصير دول الشرق الأوسط وشعوبها، مايعني أن “دراجة” كيري قد تتسبب في تفاقم مأساة العراق والعراقيين!!