18 ديسمبر، 2024 11:28 م

( دحية) الزمان .. وفقيه العصر والآوان !

( دحية) الزمان .. وفقيه العصر والآوان !

لم يأت الإسلام ليحارب العقل ، وإنما ليخلّص الآراء من الأهواء، التي تنسب زورا إلى العقول المتجردة، فإن منزل النقل – سبحانه وتعالي – هو خالق العقل.

وما كان الإسلام ليأمر بالتعقل؛  ثم يحارب أداته : ( العقل)!

يحكى ان رجلا  يدعى دِحْيَة، كان إذا جلس بين الرجالِ فكأنه العِلم إذ يأخذ شكلا بشرياً .. لا تسأله عن شيءٍ إلا أجابك عرف أم لم يعرِف، فضاق به جُلّاسُه ذرعاً، واتفقوا يوماً أن يباغتوه بسؤالٍ ؛ ليكشفوا عوار جهله فتركوه مرة مسترسلا في كلامه وسأله أحدهم ما اسم الذئبِ الذي أكل يوسف؟

فأجاب بسرعه : اسمه (جِمجائيل )!

فقالوا له : ولكن الذئب لم يأكل  يوسف!

فقال : إذاً هذا هو اسم الذئبِ الذي لم يأكل يوسف!

والرجال على هيئه دحيه لم يخل منهم زمان  قط ، منهم من يركب موجة التغيير،  ويستغل إرادة التجديد الجارفة ، التي تأخذ في عصرنا إرادة عامة وتوجها قوميا ،  فلا أحد يختلف في ضرورة تجديد خطابنا الديني ، تطوير أدواته والارتقاء بآلياته.. فتراه ينسب نفسه إلي فكر التنوير كذبا وزورا ،  ولو أنصف لعلم أن مثله كمثل ( المتكئ / الشبعان) الذي أخبر عنه المصطفي صلي الله عليه وسلم،  فكانت من علامات نبوته ودلالات صدقه ورسالته صلي الله عليه وسلم.

فقد روي أبوداود عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع … ) . ( صححه الألباني، والحديث روي أيضا عن الحاكم في المستدرك وقال: ، صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ).

فما يزال هو وأمثاله في غيهم سادرين، حتي انتشر فكرهم بيننا كالنار في الهشيم، وتمددوا كالطفح الجلدي عبر كل وسائل الإعلام علي اختلاف أطيافها!

هو دحية الزمان،  وعلّامة العصر والأوان!

فإذا كان الحديث في التفسير فابن كثيرٍ بعض مما لديه.

وإذا كانَ الحديث عن الشعر تحسب أن الفراهيدي قد أخذ عنه.

وإذا كان الحديث عن الطب تخال أن جالينوس تلميذه وابنَ سينا صبيه الذي يحمل  قوارير عقاقيره.

وإذا كان الحديث في النحو تحسبه سيبويه قد بعث من قبرِه.

وإذا كان الحديث في الفقه تحسبه أبا حنيفة إذ يمد رجليه.

وإذا كان الحديث في التاريخ فكأنه أملى على الطبرى كتابه.

وإذا كان الحديث في علم الاجتماع فكأن ابن خلدون يحمل دواته.

وإذا كان الحديث في النقد فالنابغة الذبياني وقد بسطوا له مجلسا في عكاظ يقضي بين الشعراء.

وإذا كان الحديث في علم النفس ففرويد أحد مرضاه.

وإذا كان الحديث  في الحروب المستعرة في هذا الكوكب فكأنه ابن الوليد إذ يرسم خطة انسحاب متقنة من مؤتة ويغير تشكيل الجيش في اليرموك.

فإذا ابتليت بـ دِحية فلا تحاول مناقشته في معلومةٍ خاطئة أدلى بها! لأنه سيأتي بعشرِ معلومات خاطئه ليثبت  لك أن معلومته الأولى الخاطئة كانت صحيحة.

وبالنظر الى التطورات الفكريه الحداثيه فى مجتمعنا نجد ان له حظاً وفيرا من ال ( دِحية).. عندما يجعل مدَّعي التنوير عقله حكما على السنه؛ يقبل منها ما يوافق هواه ويرفض منها ما هو ضد توجهه..

ظاهر الكلام أنه يعتمد منهج المحدثين ( !!! ) وهو بذلك مخادع ، لأنك لو اتيت له بحديث أجمع المحدثون على صحته وكان يخالف هواه لرده بكل بساطة؛ ثم هو يتستر بأنه يتمسك بالقرآن ويقدمه على تلك الأحاديث التي تخالفه، وهى – لعمري – دعوى مردوده ، فليس في الحديث الصحيح ما يخالف القرآن الكريم، ولكن يخالف فهمهم المشوه للقرآن ، الذي يريدون تفسيره بطريقة ( مادية / علمانية ) تتوافق مع أفكارهم المقتبسة ، من المولعين بهم من مفكري الغرب وأذنابهم  ، حتى انك لو قدمت لهؤلاء آيات صريحة في القتال في سبيل الله وفي تطبيق الحدود وتحريم الربا لقالوا  هذه فقط صالحة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا تصلح لعصرنا.

وللحديث – كما يقال – بقية وشجون!