اطلعت في صحيفة الشرق الاوسط اللندنية بعددها الصادر بتاريخ 14 ديسمبر/ كانون الاول 2022 على عرض لكتاب عنوانه ( نزهة في أرض المسرح ), الذي نشرته الهيئة المصرية العامة للكتاب, وهو من تأليف الشاعر والناقد المسرحي المصري يسري حسان , ويتناول المؤلف روائع مسرحية عالمية تم عرضها على خشبة المسارح المصرية ( برؤية مصرية بحتة !) , ويتحدّث العرض بشكل وجيز عن كل مسرحية من تلك المسرحيات العالمية الشهيرة , ومنها مسرحية ( الدبّ) للكاتب المسرحي الروسي انطون تشيخوف , والذي جاء اسمه بشكل صحيح وباللفظ الروسي في متن ذلك العرض الوجيز , الا ان اسمه في العنوان كان (تشيكوف) بدلا من (تشيخوف) , ولكن ليس عن ذلك (التباين باللفظين الانكليزي والروسي للكاتب الروسي !!!) نود الكلام هنا ( رغم ان هذا التباين بين ما جاء في متن العرض وعنوان العرض , غالبا ما يتكرر بالصحف والمطبوعات العربية في بلداننا – وهي ظاهرة معيبة جدا في وسائل الاعلام العربية المختلفة في عالمنا العربي ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين ) , وانما نريد ان نتكلم قليلا هنا عن هذا (التحوير!) الغريب وغير الملائم بتاتا من وجهة نظرنا لعنوان مسرحية شهيرة جدا لتشيخوف ومعروفة للمشاهدين العرب في عالمنا العربي ومترجمة الى العربية منذ زمن طويل , اذ تحوّل هذا العنوان على خشبة مسرح الاسكندرية في مصر من ( الدبّ) عند تشيخوف الى ( الجلف) بكسر الجيم , وكما أشرنا في عنوان مقالتنا هذه .
حاولت – وباخلاص – ان اطلع على كتاب ( نزهة في أرض المسرح ) بشكل تفصيلي , قبل التعليق عليه , اذ قلت بيني وبين نفسي , ربما أجد على صفحاته تبريرا منطقيا ومقنعا لهذا التحوير ( الجذري !!!) في عنوان مسرحية معروفة في عالمنا العربي , ولكني لم استطع – مع الاسف – العثور على نسخة من الكتاب المذكور , ولهذا , فانني مضطر ان استند الى ما جاء في ذلك العرض الوجيز في صحيفة الشرق الاوسط حول مسألة تحوير عنوان مسرحية تشيخوف هذه .
يشير العرض المشار اليه , الى ان عنوان ( الجلف ) للمسرحية بدلا من ( الدبّ) كما في الاصل عند الكاتب الروسي يعتبر (… أفضل واوقع واكثر اتساقا مع بيئتنا …) , وقد طرح هذا التبرير امامي رأسا السؤال الآتي – وهل مضمون المسرحية بشكل عام يتناسق فعلا مع واقعنا و بيئتنا وطبيعة حياتنا ؟ اي بتعبير أدق , هل يمكن ان يحدث ( في بيئتنا ) ان يأتي رجل غريب الى بيت ارملة توفي زوجها قبل فترة قصيرة ( كما حدث في تلك المسرحية ) , ويطلب مقابلتها , وتستقبله هذه الارملة في بيتها , وتتناقش معه حول ديون زوجها المرحوم , وتصل تلك النقاشات الحادة جدا الى درجة متأزمة , بحيث تدعو تلك الارملة الحزينة هذا الرجل الغريب الى مبارزة بالمسدسات لحسم هذه الخلافات الهائلة ؟ ثم ينتهي هذا الخصام والتوتر الشديد بينهما بعد (التي واللتيا!!!) الى غرام وعناق وقبل ؟ واظن , ان الاجابة عن هذا السؤال واضحة لكل عربي , ولا تحتاج الى اي تعليق او توضيح , فالمضمون العام لهذه المسرحية لا يتناسق بتاتا وكليّا مع واقعنا لا من قريب ولا من بعيد , ولا يمكن له ان يحدث في مسيرة حياتنا واخلاقيتها وواقعها الواضح المعالم , حتى دون ان نذكر تفاصيل اخرى في مضمون هذه المسرحية الروسية , فهل هذا يعني , اننا يجب ان ( نحوّر!!! ) مضمون المسرحية بحيث يتطابق مع ( البيئة العربية وتقاليدها وعاداتها !!!) كي نعرضها على خشبة مسارحنا ؟ واذا كان مبدأ التعامل مع الادب العالمي يقتضي بضرورة ان يتناسق هذا الادب الواسع جدا ( مع بيئتنا وطبيعة حياتنا وتقاليدنا ) , فان هذا يعني في نهاية المطاف , اننا لن نقدر حتى الاطلاع على الاوليات الاساسية لهذا الادب ولا على روائعه , التي ما زالت تتعايش معنا , ولا زلنا نرتوي من جداولها الرقراقة . ان التعامل الحيوي والموضوعي مع الادب العالمي يتطلب معرفة عميقة ودقيقة وشاملة لخصائصه .
ختاما , ماذا سيقول انطون تشيخوف نفسه اذا عرف , ان الدبّ الروسي قد تحوّل الى جلف , والدبّ هو رمز للسلوك الطبيعي عند الروس ؟ وماذا سيقول تولستوي , الذي كان لا يعترف بمسرح تشيخوف , ولكنه – مع ذلك – حضر عرضا لمسرحية ( الدبّ) وكان يقهقه وهو يتابع احداثها ( ذات الروح والسمات التشيخوفية !) البسيطة والعميقة والرمزية ؟ واخيرا , ماذا سيقول طلبة قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , عندما يعلمون , ان هذا البطل قد تحوّل الى ( جلف ) , اذ انهم كانوا يتقافزون ويمرحون , وهم يؤدون ادوارهم على مسارحهم الطلابية البسيطة وهم يقهقون – بنقاء – تعاطفا مع ابطال مسرحية الدب التشيخوفي ؟