23 ديسمبر، 2024 1:27 م

 دبلوماسيه (المعوقين): حتى أنت يا مرسي!!

 دبلوماسيه (المعوقين): حتى أنت يا مرسي!!

في اللغة الدبلوماسية تصبح مجرد الإشارة كافيه أحيانا واشد دلاله من الكلام الصريح الذي يتجنبه السياسيون الماكرون او الدبلوماسيون عاده والذي قد يقود إلى الحرج وربما الى أزمة سياسيه بين دولتين….. وفي أحيان أخرى قد يخرج  التصرف الدبلوماسي عن كل القيود والمألوف في ظرف تاريخي حرج جدا نستحضر معه مثلا قيام الزعيم الشيوعي  اخروتشوف بضرب منصة الأمم المتحدة بحذائه خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وهي حادثه ذات دلاله لن تنسى لن تتكرر لان ظرفها التاريخي أصبح جزءا من ماضي الصراع الدولي لكن سلفه بوتين صدم حلفاءه الغربيين  مؤخرا وأحرجهم حين  اعتبر تزويد واشنطن وحلفاءها الغربيين للمعارضة السورية بالسلاح بمثابة دعم غير أخلاقي لمن وصفهم (بأكله لحوم البشر)!!!

 في ظل الجمهوريات الوراثية والعسكرتاريا وانظمه الموز والريع  النفطي أما ان تضيع الدبلوماسية في حوار عقيم  وتلجا الى الغرف المغلقة والصمت على مضض أو لا يكون الرد في الأغلب لبقا وواضحا  بعد ان دخل على الخط عنصر جديد هو الطائفية… بل قد يصل الجواب أحيانا في رسائل تحملها الصواريخ وضجيج جنازير الدبابات مسبوقة بإطلاق العنان لأبواق الإعلام لكشف عوره الدوله الخصم التي كانت مستورة قبل ألازمه ويخلي العقل والحكمة مكانهما للطيش والدم الفائر.

 في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي ألقت الاجهزه الأمنية العراقية القبض على شبكه كبيره وخطيرة من المصريين في العراق الذين برعوا في تزوير الهويات العسكرية  والأوراق الرسمية والجوازات العراقية وكذلك العملة الصعبة والعمل مع أكثر من جهاز استخبارات خارجي وعثر بحوزتهم على أختام  رسميه متقنه تضاهي تلك المستخدمة في اغلب دوائر ألدوله الحساسة بما فيها ديوان الرئاسة ووزارة الدفاع  وطبعا كان قرار المحاكم المختصة التي أحيل لها المتورطون سريعا  وقاطعا كالعادة.!!!!….
 إحكام بالإعدام والسجن المؤبد أثارت ضجة في مصر استغلها بعض كتاب ما عرف (بالصحف القومية) المصرية الذين كان اغلبهم غارقا بكرم الرئيس العراقي في تكريس صوره مشوهه عن  ما عرف (بنعوش المصريين) التي كانت تصل كل أسبوع من العراق الى مصر  حيث عاش بين ظهرانينا حوالي أربعه ملايين مصري تجاوزت قيمه تحويلاتهم السنوية خلال تلك ألحقبه أكثر من 3،5 مليار دولار وفقا لدراسة رسميه عراقيه أنجزت عام 1985م.
 وصل إلى بغداد  بعد إعلان إحكام الإعدام بحق المدانين المصريين وفد وزاري مصري رفيع المستوى لا قناع صدام حسين بوقف تنفيذها في وقت بلغ فيه التعاون العسكري بين البلدين خلال الحرب ضد إيران   درجه عاليه جدا في مجال التسليح التقليدي وغيره… وقد رافق الوفد الرسمي المصري في  الطائرة عدد كبير من الإعلاميين المصريين الذين انتظروا لقاء طارق عزيز لتوضيح الموقف  وقد تأخر موعد وصول المسئول العراقي لأسباب غير معروفه آنذاك مما زاد اللغط في القاعة التي غصت بالصحفيين العرب والأجانب والعراقيين مراسلي وكالات الإنباء والصحف العربية.
 
حين دخل طارق عزيز القاعة انتزع من رأسه (السداره) الروسية من الفرو التي كان يغطي بها رأسه حيث كان الوقت شتاءا وجلس على كرسيه معطيا الإذن للصحفيين المصريين بعرض تساؤلاتهم … وقف احدهم وكان مراسلا  (لإخبار اليوم) او (الأهرام ) على ما تسعفني الذاكرة وبعد خطبه حماسيه عن دور مصر وموقفها من العراق في حربه ضد إيران قال بالحرف الواحد للمسئول العراقي : ألا تعتقدون سيادتكم بان تنفيذ إحكام الإعدام هذه بحق المصريين ستسئ للعلاقات المصرية -العراقية؟
 أحنى طارق عزيز ظهره باتجاه المنصة ونظر إلى عيني الصحفي المصري من وراء نظارته السميكة وقال له والكلمات تخرج من بين أسنانه  كأنها الشفرات: مع كل تقديري لمصر الشقيقة ووقفتها معنا فان علاقة بلدين  بهذه الدرجة من العمق يكون  سببا في تصدعها حفنه من المجرمين والمزورين الذين يعبثون بأمننا ونحن في حاله حرب شرسة لا تساوي عندي هذه( القندره)!!!!  .. ثم أردف قائلا أي (الكزمه) باللهجة المصرية!!!!هل فهمت ؟؟؟

 على إيه حال لاتهمنا اللهجة او المفردات او حتى المقارنه بمقدار ما تهمنا الاستجابة او الرفض للضغط او الدعوة للإفصاح عن رغبه دوله ما في ظل ظروف صعبه يصبح معها للدبلوماسي والسياسي الذي يتعامل مع ملفات السياسة الخارجية قدره على صياغة محاوله استباق او رد سريع يحفظ كرامه شعب ومصالحه   او يحول أحيانا دون وقوع كارثة او تقديم العون في ظروف معروفه بحيثياتها او عينها  حين يشعر شعب بأكمله ان  كرامته جرى المس بها من قبل الآخرين ايا كانوا.
 
وما قاله الرئيس المصري  محمد مرسي قبل أيام في اكبر ملاعب القاهرة بحق إتباع أهل البيت بنعتهم بأقسى الأوصاف وهم غالبيه الشعب العراقي، أسوه بدول أخرى في المنطقة واحتضانه لمهرجان لتأجيج الفتنه الطائفية بدلا عن راب الصدع وإخراج ألازمه السورية من إطارها الطائفي غير الحقيقي الذي يريده أعداء العرب والمسلمين ، ما  يضع الدبلوماسية العراقية كعادتها إمام حرج كبير  اعتدنا فيه دائما على التغاضي وعدم الرد على الصفعات والرهان على الزمن لابل تقديم الأعذار والتبريرات للآخرين لتنسى الذاكرة العراقية المثقلة بالهموم الهزائم المتتالية على صعيد المنازلة مع الإرهاب او الكبوات في ميدان الدبلوماسية والعلاقات في المحيط العربي و الإقليمي والدولي وأخرها القبول بكل ما إرادته الكويت من العراق والحصول عليه على طبق من ذهب على 42 مليار دولار أمريكي  سيضاف لها 12 مليار أخرى عدا تعويضات الخطوط الجوية العراقية والذي عدته الدبلوماسية العراقية( فتح الفتوح)!!! دون ان يتمكن العراق من تبرئه نفسه تماما من وزر قرار حرب طائشة أقدم عليها (صديق الكويت) صدام حسين فجر الثاني من اب عام 1990 حين غزت قواته ألدوله ألجاره التي سبق لها ان  فتحت خزائنها لتمويل حربه ضد( الفرس الصفويين) حيث عثر الحرس الجمهوري  على ألاف الصور للقائد الضرورة وبطل (القادسية الثانية) على جدران بيوت الكويتيين التي اقتحموها!!!
 
ان السؤال الذي غالبا ما يجرح ضمائر ونفوس العراقيين يتعلق بحقيقة امتلاك  الدبلوماسية العراقية اليوم لأسنان وحنجرة قويه مصممه للدفاع عن مصالح العراق وكرامته بعقلانيه وبعد نظر وفق رؤية استراتيجيه تراعي واقع العراق وتحدياته وجراحه؟؟؟
.. فقبل شهرين ونيف وبالتحديد في شهر مارس / آذار من هذا العام وقع العراق مع مصر اتفاقيه اقتصاديه لم تكن في صالح العراق بالمقاييس البعيدة المدى سياسيه كانت او اقتصاديه ولا تخدم حتى طبيعة توجهات العراق العربية والإقليمية  بحسابات من هم الأعداء ومنهم الأصدقاء دون التفكير بان مصر خرجت تماما عن دورها القومي الريادي وأمست جزءا من محور سياسي معروف منفذ لأجنده الإخوان المسلمين العالمية التي رعتها واشنطن وجعلت منها محورا مع كل من انقره والرياض الذين يعدون من خصوم المشروع السياسي في العراق وتوجهات القوى الأكثر تأثيرا على صنع القرار في بغداد في ظل تجاذب طائفي مسعور في المنطقة…

 ولعل أحدا في بغداد لم يقدم قبل اتخاذ هذه الخطوة المتسرعة كشفا سريعا عن علاقة القاهرة ببغداد على مدى نصف قرن  منذ ان وقف عبد الناصر ضد ثوره الزعيم قاسم وتورط فيها بالانقلابات مرورا بمعارضه صدام لنهج السادات في مشروع السلام مع إسرائيل ومكافئته له بفتح أبواب العراق على مصراعيها إمام ملايين المصريين  وصولا الى مصرع السفير المصري في بغداد  قبل ثمانية أعوام حين كان على موعد مع جهات عراقيه مسلحه!!!!
 
كيف إذن ووفق أي مبررات ومصلحة عليا وقع العراق على اتفاق نفطي يصدر بموجبه لمصر 4 ملايين برميل نفط شهريا مع مد خط نفطي من العراق إلى العقبة وصولا الى مصر لتكرير النفط العراقي الخام وأعاده تصديره للعراق مجددا!!! كأننا لا نمتلك الأرض او الأموال او الكوادر لإنشاء مصافي نفطية في العراق؟؟؟أضافه الى  تسويه مستحقات عمال مصريين غادروا العراق عام 1991 (عندما كان الدينار يعادل 3،3 دولار)  وتبلغ حوالي 500 مليون دولار  وفتح مكتب لاستقدام ألعماله المصرية في العراق ولدينا ملايين الشباب العاطلين ناهيك عن تعهد العراق السخي بوضع 4 مليارات يورو في البنك المركزي المصري لدعم العملة المصرية!!!

 أليس من المستغرب ان يرد رئيس الوزراء العراقي يوم أمس على خطاب مرسي ويطالبه بقطع العلاقات مع إسرائيل بدلا عن سوريا؟؟ الم يكن السيد المالكي يعلم طبيعة توجهات الرئيس المصري والى إيه جهة سياسيه ينتمي حين استقبل رئيس وزرائه بالأحضان ووهبه نفط العراق أسوه بالأردن وغيرها من الدول باعتبار ان ثروة العراق ملك لمن يترأس الحكومة العراقية ولا يراجع فيها الشعب حين يتصرف بها!!!
 
في الدول الديمقراطية ،لا تلك التي يزهو فيها المسئول وينتشي بقوه الاثنية والطائفة والتي يرى فيها أصحاب السلطة ومنفذي السياسة بان الحق معهم دوما وإنهم لا يمكن ان يخضعوا للمسائلة والمحاسبة من احد سواء تعلق الأمر بالثروة ودماء الناس ومصالح الشعب.،. في الدول المتحضرة الديمقراطية تخضع قرارات السياسة الخارجية لدراسة وتحليل ونقاش عميق قبل الإقدام عليها  بالتشاور والحوار بين مختلف الجهات والدوائر ووضع السيناريوهات والبدائل من قبل أناس أكفاء ذوي خبره ودراية  مستعينين بمراكز أبحاث على عكس ما يحدث في العراق الذي هو أشبه بريشه في مهب الريح غير قادر على التعامل بمنطقيه وحكمة مع أي من الملفات الحساسة في السياسة الخارجية وحتى الداخلية التي تبدو فيها ألدوله العراقية أحيانا وكأنها تغني وترقص على إيقاع ولحن لا علاقة له بالانشوده….
  أنها دون تجن على احد دبلوماسيه بلا أسنان او عضلات  .. هي أشبه بسيارة إسعاف لمعالجه الجرحى  يتكلم سائقها ومسعفوها لغات مختلفة!!! او ربما تعمل وفق أليه سيارة للإطفاء وإخماد الحرائق وسط أجواء ومتغيرات إقليميه ملتهبة تعج  بالمفاجئات  والانفجارات والتصريحات النارية التي تمس أحيانا ملايين العراقيين ومصالحهم ومشاعرهم لا وجود فيها لمنطق المعاملة بالمثل دون ان يكلف طواويس سلطة  هذه ألحقبه أنفسهم للرد على العدوان والإساءة لأنها قد لا تعنيهم ما دامت تمس آخرين من غير قوميتهم او طائفتهم متناسين أنهم يمثلون شعبا وعراقا واحدا …على الأقل لحد ألان !!!