دبلوماسية القمح العراقي….التاريخ يُعيد نفسه

دبلوماسية القمح العراقي….التاريخ يُعيد نفسه

يُخبرنا التاريخ حقيقة مُرّة تمدّنا بكل مشاهد الكوميديا السوداء، إن النظام السابق الذي أسقطه الأمريكان لم يكن بمضمونه ومعناه، وإنما بشكله وشخوصه.

بُنية النظام السياسي لازالت تحتفظ بمكوناتها الأساسية التي تستند إلى نظرية وهب خيرات العراق للجميع من خارج الحدود بدون إستثناء حتى ولو كان للطير في السماء ما دام إبن البلد لايستفيد من خيرات بلده ويتنعّم بها.

يُسجل التاريخ كيف كان النظام السابق سخياً للغاية بشراء عقول الصحفيين والكُتّاب والفنانين وحتى سياسيين عرب، وتشهد كوبونات النفط على تلك الأيام حين كان الشعب العراقي يتضور من جوع الحصار الإقتصادي فيما ينثر نظامه الأوراق الخضراء على وفوده الزائرة والدول التي تتبنى مواقف العراق.

وصل الحال بالنظام السابق أنه خصص مبلغ مائة مليون يورو للأمريكيين الذين يعيشون تحت وطأة الفقر، كان تبرير الحكومة آنذاك بتخصيص المبلغ لثلاثين مليون أمريكي يعيشون تحت خط الفقر ويتناولون النفايات على حد تعبيرها، في حين عاش العراقيون أصعب أيامهم في زمن الحصار حتى وصل بهم الحال إلى بيع مقتنيات منازلهم من أجل ديمومة حياتهم اليومية.

كان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنّان لدى زيارته لبغداد يسكن قصور صدام ويسبح في مسابح القصر ويُشيد بأداء النظام السابق وإلتزامه تجاه القرارات الدولية، لكن ما إن يغادر العاصمة حتى تتغير لهجته داخل أروقة الأمم المتحدة، كنا نعتقد كعراقيين إن تأثير المال يفقد سطوته عند عنّان لدى مغادرته الأراضي العراقية.

كل ذلك التاريخ لم يتغير في النظام السياسي بعد عام 2003، بل وإزداد الكرم الحاتمي إلى إقتطاع أجزاء من العراق ووهبها إلى دول الجوار.

وكأن التاريخ يُعيد نفسه اليوم في وهب خيرات العراق من باطنه وفوق أرضه لدول قريبة وبعيدة من أجل كلمة رضى أو عيون راضية مرضية على بلد إسمه العراق.

بعد أن قامت الحكومة العراقية بمنح الشعب السوري 220 ألف طن من القمح في فرصة أُعتبرت تقرباً لحكومة أحمد الشرع، تكررت محاولة العراق في منح 50 ألف طن من القمح هدية لتونس ويُقال إن المعارضة التونسية هاجمت هذه الهبة مُعتبرة أنها رشوة من أجل إقناع الرئيس قيس سعيد لحضور مؤتمر القمة العربية في بغداد المقررة في السابع عشر من الشهر الجاري، خاصة وإن الرئيس التونسي نادراً ما يُشارك في قمم دولية أو يقوم بأنشطة خارج البلاد.

وبين هذا السيناريو وذاك كان العراق قد تبرع  بـ 250 ألف طن من القمح إلى اليمن وكذلك إلى لبنان.

بلد تتوزع خيراته على أرض المعمورة، فيما يعيش شعبه في قاع صفصف من البؤس والفقر تتلقف حياته صوراً ومشاهد تتسابق عليها الفضائيات لعوائل تبحث عن ما يُشبعها أو يسترها وسط أكوام النفايات.

بلد يقطن خريجوه على أرصفة الشوارع تواجههم المياه من القوات الأمنية لمنعهم من المطالبة بحقوقهم في التعيين والعيش بكرامة في هذا البلد المنهوب.

ليت كل هذه الهبات والهدايا نفعت العراق يوماً، فلازالت سياسته الخارجية في فوضى وإرتباك ولايعرف ساسته ماذا يريدون.

لم يتغير من الحال شيء سوى إن دبلوماسية النفط والدولار تحولت إلى دبلوماسية الحنطة.

يقول كارل ماركس “التاريخ يُعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة”.

لا نضيف على مقولة ماركس بوصف أكثر من مهزلة ما يحدث في العراق الذي يضرب أبنائه كفاً بكف عن حال زمانهم الذي وصلوا إليه حين يُهددون بعقوبات أمريكية قد تُفرض عليهم وضرورة الحيطة من سنوات عِجاف قد تُفاجئهم أو قضية رواتب الموظفين المهددة بالإنقطاع ويعني ذلك الأمر أن البلد مقبل على الإفلاس، ورغم ذلك لازال العراق يهب خيراته تحت أرضه وفوقها إلى من تختاره ورقة اليانصيب بإستثناء أبناء البلد الذين تعودوا على الفقر والبؤس والحرمان.

ليس خطيئة أن يساعد العراق أشقائه في أوقات الأزمات، ولا من الخطأ أن يقف العرب إلى جانب بعضهم شرط أن توفر الحكومة لشعبها كل مستلزمات العيش الكريم يمكن بعدها مساعدة الأشقاء كنوع من أنواع التضامن العربي تماماً كالمثل القائل “ما يحتاجه البيت يُحرم على الجامع” وذلك هو أساس المأزق في العراق.

أحدث المقالات

أحدث المقالات