لاتزال الحملة الدولية ضد تنظيم الدولة الاسلامية”داعش”، مستمرا و مع الاخذ بنظر الاعتبار تکبد التنظيم خسائر کبيرة و ملاحظة إلحاق الهزيمة به في مناطق مختلفة، لکنه مع ذلك لايزال يقف على قدميه و يبادر بين الفينة و الاخرى بهجمات العديد منها مؤذية سواء ضد الحشد الشعبي و الجيش العراق او ضد القوات الکردية، وهذا يعني بأن الحديث عن حسم قضية داعش و إنهائها، مازال في غير اوانه.
ظهور داعش في سوريا و صيرورته رقما صعبا على الساحة السوريـة و من ثم إنتقاله للعراق و وصوله الى حد تهديد العاصمة العراقية بغداد بعد سيطرتها على مساحات شاسعة على أثر سقوط الموصل في العهد غير الميمون لنوري المالکي، أمر يجب أن يتم البحث و الاستقصاء فيه بروية و التمعن في الاطراف و الجهات التي إنتفعت و إستفادت من ظهور هذا التنظيم المتطرف، لکي يتم تحديد اساس قوة و سبب بروز هذا التنظيم و هذا الدور الذي اوکل به على حين غرة.
کما تم التأکيد من قبل محللين و مراقبين سياسيين مختلفين، فإن بروز داعش کقوة مؤثرة و فعالة على الساحة السورية کان مقترنا بتلك الفترة التي اوشك فيها النظام السوري السوري على السقوط وکان المجتمع الدولي يتجه لدعم و تإييد الثورة السورية بل وحتى ان طهران و على لسان أکثر من مسؤول رفيع المستوى قد بدأت بإطلاق تصريحات ألمحت فيها الى تخليها عن نظام الاسد و عدم إستعدادها للقتال دفاعا عنه، وفي تلك الفترة أيضا بدأ الحديث يتزايد عن بدء العد التنازلي لإنتقال زلزال التغيير لإيران، حيث تم إعتبار سقوط دمشق بداية لإختناق حزب الله و وأده و بالتالي تعبيد الطريق و جعلها سالکة لطهران، وهو ماأطار صواب القيادة الايرانية و دعاها للتحرك بأسرع مايمکن لتلافي ذلك.
الشئ بالشئ يذکر و ان إسترجاع الاحداث و الوقائع التأريخية بمثابة مفتاح و دليل و منار لفهم الاوضاع الحالية و حتى المستقبلية و تفسيرها، وتذکر اواخر عام 2005 و بداية 2006، حيث بدأ الامريکيين بالعمل لتقليص و تحديد النفوذ الايراني في العراق، وحينها تم إطلاق تحذير من طهران من أن لديها الکثير من الخيارات لقلب الطاولة على رؤوس الامريکان و خلط الاوراق، وسرعان ماتفاجأ العراقيون و العالم بحادثة تفجير مرقدي الامامين العسکريين في شباط 2006، والتي أشعلت نار الحرب الطائفية في العراق و بالتالي وضعت الامريکيين في وضع حرج و صعب جدا، وقد کانت عملية إستخبارية منظمة 100%، حيث إعترف قائد القوات الامريکية وقتئذ الجنرال جورج کيسي في تصريحات لاحقة له بأن طهران هي التي دبرت الحادثة، وان بروز داعش کقوة مؤثرة على الساحة السورية کانت أيضا لعبة بهذا الاتجاه لتحقيق هدفين استراتيجيين، تجليا في درء
خطر السقوط عن دمشق من جهة وبالتالي و کنتيجة منطقية لذلك أبعاد شبح التهديدات عن طهران من جهة أخرى.
دخول داعش للعراق أيضا کان يصب في مصلحة طهران و التي کانت تعيش فترة تراجع في نفوذها على أثر رفض بقاء المالکي لولاية ثالثة و إجباره على التنحي عن منصبه و في نفس الوقت الهزائم التي تم إلحاقها بحزب الله اللبناني في سوريا و حالة الضعف التي کانت تعاني منها قوات النظام السوري، فإن کل هذه الحالات السلبية تم معالجتها و تعديلها لصالح دمشق و طهران، وإلقاء نظرة على مدى توسع التواجد العسکري الايراني في العراق بعد دخول داعش لهذا البلد، يدفعنا لتفهم اللعبة و أبعادها، علما بأن غض الطرف الامريکي و الغربي عن هذه اللعبة التي قامت بها طهران، انما جاءت لمصالح و إعتبارات خاصة بها حيث يکفي أن نشير أن الکثير من”خردة السلاح المستهلك”، قد تم بيعها لدول المنطقة بحجة داعش والانکى من ذلك أن إيران باعت ماقيمته 10 مليارات دولار من سلاح”خردة” للعراق بحجة تقويته لمواجهة داعش، واننا نتساءل: ترى من الذي يتضرر حاليا لو إختفى تنظيم داعش و إنتهى؟ ثم لماذا يتراجع التنظيم عن إلحاق الهزائم به بإتجاه الاراضي السورية؟
ماقد صرح به مسؤولون فرنسيون من أن حرب إنهاء داعش يجب أن يقترن بحرب إسقاط النظام في دمشق، هو رأي صائب و بإمکانه تصحيح مسار الامور من الاعوجاج الذي يصب في صالح طهران و إعادة الامور الى المربع الاول الذي ظهر فيه داعش، وقطعا فإن اللعبة ستتغير کثيرا.