23 ديسمبر، 2024 4:02 م

داعش و البعث .. تكتيك خريفي لم يرى الربيع 

داعش و البعث .. تكتيك خريفي لم يرى الربيع 

” ثلاثة لا تثق بهم ، سياسي تحول الى رجل دين ، ورجل دين تحول الى سياسي ،
 أما ثالثهم لا زال يفتي  بالسياسة بأسم الدين “
تمهيد :
التحالفات و الأرتباطات تعيش في الظلمة و لا ترى النور ، الأ أذا أتفقت أو توافقت على نقاط أساسية فكريا ، فكيف أذا أختلفت في المبادئ والنهج والرؤية الدينية ، هكذا الحال مع البعث / حزب سياسي يحسب على اليسارية والعلمانية ، ويترك مساحة من الحرية الفكرية للفرد ويؤمن بالتقدم و التحضر المجتمعي ، أما داعش / تنظيم جهادي أسلامي سني سلفي تكفيري ، يكفر حتى المسلمين ، بل يقيم الحد عليهم في حالة مخالفتهم لرؤيته الأسلامية المتزمة المتطرفة ، تنظيم ينظر من زاوية ضيقة الى الفرد و الأسرة و المجتمع والدولة  ، لأجله أرى  البعث وداعش خلاف و أختلاف في الأساس الفكري وفي المنظور وفي النهج ..
المقدمة :
لو أردنا تقييم هذه العلاقة ( هناك نوع من التبودق بين البعث و بين رجال الطريقة النقشبندية ) ، علينا أن نستعرض أولا كل تنظيم على حدة كمفهوم أولي / تعريف :
* جيش رجال الطريقة النقشبندية ، وهو فصيل صوفي سني ، تشكل كمجموعة مقاومة في العراق بعد عام 2006 ، من عدد من المسؤولين البعثيين السابقين وجمع من الجنرالات المتقاعدين ، ويقوده النائب السابق لرئيس مجلس قيادة الثورة في عهد صدام حسين ، عزت إبراهيم الدوري ، الذي كان واحدًا من أهم المطلوبين خلال الاحتلال الأمريكي للعراق ، ينشط  التنظيم في شمال العراق وله تواجد في كردستان أيضا ، ويقدر عدد التنظيم بين 1000 الى 5000 فرد  ( نقل بتصرف من موقع أرم ) .
* حزب البعث العربي الاشتراكي ، حزب قومي عربي  يعتبر التنظيم الأب للعديد من الأحزاب في الدول العربية والتي تنتهج القومية العربية ، ومن شعاراته الوحدة و الحرية و الأشتراكية ، و أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ، من مؤوسسيه ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار ..
* الدولة الإسلامية في العراق والشام /  داعش ، تنظيم سلفي جهادي ، عنيف النهج وحشي الفعل ، يهدف فكره الى إعادة ” الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة ” ، خليفتهم / أبو بكر البغدادي ، يمتد التنظيم بين العراق وسوريا ، وظهرت له خلايا نائمة ومؤيدين في دول أخرى .
الموضوع :
1. تظل لعبة التحالفات والتكتلات تكتيكيا أو ستراتيجيا تحتاج الى قادة ذو أفق مستقبلي ورؤءا فكرية عميقة ، أبعد منظورا من الحدث و الحقبة التي ستقام على أسسه التحالف أو الاتفاق ، لأجله وقع رجال البعث ، رئيسا وقيادة في منزلق سيحاسبهم التأريخ عليه ، سببه قصور في الرؤية و هزل في التصور العام لما سيؤل اليه أتفاق مع هكذا تنظيم تكفيري وحشي النهج ، لا يتفق مع فكر البعث نهجا وممارسة ، فمن مبادئ فكر البعث / مثلا ، كما صوره ميشيل عفلق ، ببعض مقولاته ، عندما كان سائدا وصف بأن ” العروبة فوق الجميع ” فقال ” أن الحق فوق العروبة وفوق الجميع ” أما الحق لدى داعش فهو ما تؤمن به داعش فقط ومن منظورها الضيق ، وهو ليس الحق بمفهومه العام و المطلق ، وسائل يسأل أي حق لدى داعش التي تقتل على الهوية الطائفية وتهجر غير المسلمين من الموصل مثلا ، فبالرغم من أستنكار العمل من قبل ” الطريقة النقشبندية ” لاحقا ، حيث جاء بتأريخ 24.تموز.2014 في موقعCNN  ” في تصريح باسم “الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية” الذي يقوده عزت الدوري ونشرته مواقع على صلة بحزب البعث العراقي المنحل حول “جريمة التهجير القسري للعراقيين” إن جيش الطريقة النقشبندية يعتبر أن “استهداف أي مكون من مكونات شعبنا وتهجيره القسري لتفريغ العراق من مكوناته الأساسية وتغيير الخارطة السياسية والديمغرافية للعراق وللمنطقة وراءه أجندات خارجية ينفذها أعداء العراق على أيدي مليشيات الحكومة الطائفية العميلة ”  . وبنفس الصدد كان للممثل الرسمي لحزب البعث ، خضير المرشدي ، موقف نقلته مواقع محسوبة على الحزب أشار فيه إلى ” شجبه ما جرى في محافظة نينوى ضد المسيحيين العراقيين من قبل مجموعات مسلحة ” ووفقا للبيان الذي حمّل فيه إيران وأمريكا وحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي مسؤولية “خلق بيئة مناسبة لنمو الإرهاب” فقد تعهد المرشدي بوقوف البعث بوجه “قوى الشر والطائفية والارهاب” وحماية العراقيين وممارساتهم الدينية “دون تفرقة أو تهاون ” ، علما أن قبلها بأيام أشاد عزت أبراهيم الدوري / نفسه ، برجال تنظيم القاعدة و داعش ، جاء ذلك في تسجيل صوتي منسوب للأخير قال فيه “حيا الله (…) بعض مجاميع انصار السنة ، وفي طليعة هؤلاء جميعًا ابطال وفرسان القاعدة والدولة الاسلامية ، فلهم منا تحية خاصة ، ملؤها الاعتزاز والتقدير والمحبة ، تحية طيبة لقياداتهم التي اصدرت العفو العام عن كل من زلت قدمه وخان نفسه والله ووطنه ، ثم تاب الى الله”.  ( نقل بتصرف من موقع أيلاف في 12 تموز 2014 ) .
2. حقق داعش مكاسب ، بهذا التحالف / المشبوه ، وهو الأستفادة ، خططا تدريبا مناورة .. من الجنرالات العراقية المحسوبة ، على حزب البعث ، أو بالأحرى على النظام السابق .. ، بينما حزب البعث لم يحقق سوى شبهة تعامله مع تنظيم سلفي أرهابي تكفيري . علما أن البعث في الساحة العربية السياسية منذ نيسان 1947 ، بينما داعش وخليفته البغدادي لم يكن مولودا بعد ، لأجله أن تقارب العمق التأريخي والنشأءة  ضروريان  لأي تحالف بين أي تنظيمين ، من أجل أيجاد صيغة من التوافق بينهما .
3. وحد هذين التنظيمين / البعث و داعش ، العداء المشترك للحكومة العراقية / بقيادة نوري المالكي سابقا و حيدر العبادي حاليا – ولكن سياسيا لا يكفي هذا لأستمرار ونجاح أي تحالف ، لأختلاف الغاية و الهدف لكليهما ، حيث داعش يهدف لأقامة الخلافة الأسلامية وتطبيق الشريعة بينما البعث يهدف الى أسترداد الحكم بعد أن حكم العراق من تموز 1968 لغاية نيسان 2003 ، فالبعث يبحث عن السلطة والحكم الذي فقدهما في نيسان 2003 ، بينما داعش يهدف الى تطبيق أسلام وهابي متطرف ، أذن  هناك بون شاسع في الفكر و التطبيق والهدف !! ولا يكفي العداء المشترك لطرف ثالث أقامة أي تحالف .
4 . حلفاء الأمس أعداء اليوم ، بما ان جيش الطريقة النقشبندية هم من الطرق الأسلامية الصوفية وهذا يعتبر حسب فكر ومنهج أبن تيمية / الذي تنهجه داعش ، السلفي كفرا ، لذا حصل تصادم بين حليفي الأمس ، حيث كتب  د. أسامة مهدي بهذا الصدد  بموقع أيلاف في 18 يوليو 2014 ( أعلن جيش النقشبندية بقيادة الدوري عن شن أولى هجماته ضد تنظيم الدولة الإسلامية ردًا على اعتداءاته على مراقد الأنبياء والأولياء في محافظة نينوى الخاضعة لسيطرته منذ نحو شهرين . وقال في بيان ” إن صولات جيش رجال الطريقة النقشبندية قد ابتدأت منذ يوم السبت بالتزامن مع أجواء عيد الفطر السعيد ، فلن يبقى لأعداء الأنبياء والصالحين مكان على أرضنا ، وساعة الحسم قد اقتربت ” ويذكر أن تنظيم الدولة الاسلامية فجر الجمعة مرقدي النبيين شيت وجرجيس ومرقد النبي يونس وأماكن مقدسة أخرى منذ سيطرتهم على هذه المحافظة . كما قام مسلحو التنظيم المتطرف الخميس بنسف مزار للطريقة الصوفية المسلمة في قضاء داقوق التابع لمدينة كركوك / 250 كم شمالي بغداد ، ومرقد الشيخ صالح وهو مزار صوفي ايضًا ) .
5. داعش كتنظيم ، مغلق دينيا ومذهبيا وحتى عقائديا ، على الدين الأسلامي ، يتبع هدى السلف الصالح و ينهج نهج شيخ الأسلام أبن تيمية ، فرجاله من أتباع ما سبق حصرا ، أما البعث فكان له رجالات ومن الصف الأول من الديانة المسيحية ، كطارق عزبز / نائب رئيس الوزراء وغانم عزيز / نائب رئيس المجلس الوطني الأسبق وغيرهم ، فالكادر في التنظيمين متناقضين في الاتجاه و التكوين الديني و المذهبي .
6. أن تنظيم داعش عدة وعددا وتمويلا أكبر من البعث و رجال الطريقة النقشبندية معا ، بينما الفكرو التخطيط العسكري تكون الأفضلية به للبعث وللطريقة النقشبندية ، وذلك لطبيعة التكوين العسكري له ونتيجة لوجود طبقة من الجنرالات في صفوفه ، ومن الممكن أنسلاخ عدد منهم في صف داعش لأسباب مادية ! لهذا بالمنظور المستقبلي ستكون  الغلبة والتفوق والأستمرارية لتنظيم داعش ، في حال لو أستمر الأشتباك بينهما ..
7. أن أنخراط بعض ضباط وقادة المؤوسسة العسكرية العراقية في تنظيم داعش ، شكل نقطة سوداء في تأريخها البطولي الذي يمتد لأكثر من تسعة عقود ( تأسس الجيش العراقي في 6 يناير 1921 ) ، وأرى أن هذه الثلة لم تكن بوعيها العقلاني الكامل لأنها أغفلت الدور البطولي لهذة المؤوسسة البطلة التي تنتمي أليها ، والتي خاضت حروبا عدة دفاعا عن العراق ، منها ( دور الجيش العراقي  في حرب أيار/مايو عام 1941 ضد انكلترا ، كما كان للجيش العراقي دور ملحوظ في حرب 1948 في فلسطين ، حرب أكتوبر 1973 ضد أسرائيل ، وحروب عدة أخرى منها ، حرب الخليج الأولى والثانية والثالثة ) وشارك الجيش بعدد من الثورات / الأنقلابات منها (أشترك الجيش العراقي في أول انقلاب عسكري بقيادة الفريق بكر صدقي قائد الفرقة الثانية ، ليكون أول انقلاب عسكري في المنطقة العربية في عام 1936 ، ثورة 14 تموز 1958 وتعرف أيضا بحركة أو انقلاب 14 تموز 1958 ، كما شارك في ثورة 8 شباط 1963 ) ، هذا العمق التأريخي الحافل بالأنجازات للجيش العراقي ، من المؤكد تأثر بعد هذا الانخراط المشبوه مع داعش ، و أرى تعليل هذا الأنخراط قد جاء نتيجة لأقصاءه عن دوره البطولي في الأحداث  ، كما كان لقرار حله رد فعل كبير أعتقد أن الانخراط الاخير مع داعش هو أحد هذه الردود .
كلمة :
البعث وداعش ، تقاربوا ، تحالفوا ، أختلفوا ، أفترقوا ثم تحاربوا ، هكذا يكون حال ما بني على أساس رملي ، الذي سينهار مع هبوب أول عاصفة تهب عليه ، وذلك لوجود أختلاف في الأيدولوجية بين التنظيمين ، فبينما داعش تحصر الفرد والمجتمع فكريا في بودقة الخلافة الأسلامية مع تطبيق متزمت للشريعة الأسلامية ، في حين نرى أن البعث يؤكد على دور الفرد و الديمقراطية والحرية في المجتمع و بالحياة السياسية ، حيث دعا ميشيل عفلق في أدبيات البعث الى ( الحرية من الاستعمار وإلى حرية الفرد وإلى الديمقراطية ، وفي هذا السياق يقول ، الحرية على كل اتساعها وأبعادها : التحرر من الاستعمار ، ومن الأجنبي ونفوذه واستغلاله بكل أشكاله ، والتحرر في الداخل الذي يشمل النواحي السياسية والاجتماعية والفكرية .. ) أما مقولة عفلق  ” كان محمدا كل العرب  فليكن كل العرب محمدا ” لو رددت الأن وسمعها الخليفة أبو بكر البغدادي منه  لأقام الحد عليه ونحر رأسه / لأنها الشرك و الكفر بعينه ، لكل ذلك وغيره ، أرى أن تحالف البعث و داعش وليد لم يولد !!