-1-
أكبر ما يميّز الجبابرة والفراعنة والبرابرة من غيرهم ،هو شدّة وَلَعِهِم بسفك الدماء وازهاق الارواح، دون أنْ يكون هناك أيُّ مبرر لذلك …
من هنا أمكن القول :
انّ ازدراء الانسان، والتهاون في شأنه وكرامته وحقوقه وحياته ،هو القاسم المشترك بين الطغاة على اختلافهم ..
انهم خريجو مدرسة واحدة …
انها مدرسة التنكر للقيم الانسانية، فضلاً عن سائر القيم والمقدسات الأخرى .
انّ الخطوط الحمراء عندهم ما هي إلاّ اشارة خضراء، ينطلقون منها لتنفيذ جرائمهم المسعورة …
-2-
وغنيٌّ عن البيان ، موقع الانسان في القران الكريم :
اسمع ما يقوله الرحمن :
( مَنْ قَتلَ نَفَساً بغير نَفْسٍ أو فسادٍ في الارض فكأنّما قتل الناس جميعا)
المائدة /32
وقال جل اسمُهُ :
( ومَنْ يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها ) النساء /93
وجاء في الحديث الشريف عن الرسول (ص) أنه قال :
” قَتْلُ المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا )
الجامع الصغير للسيوطي /455
ومن هنا فانّ التمرس بقتل الناس، ذبحاً وحرقاً وتعذيبا، كما يفعله الأوغاد من داعش، هو الدليل الواضح على انّ منطلقاتهم (شيطانية) وليست (رحمانية) على الاطلاق .
واكبرُ ألوانِ الاساءة الى الاسلام، اصطناع المجازر الوحشية باسم الانتساب اليه، وهو براء من كلَّ طاغٍ معتدٍ أثيم .
-3-
ويعتبر ” الحجّاج بن يوسف ” ، المعروف بجبروته وطغيانه ، مثالاً بارزاً للمتوحشين السفاكين .
جاء في التاريخ :
ان عمر بن عبد العزيز سأل عنبسة بن سعيد قائلاً :
” اخبرني ببعض مارايت من عجائب الحجاج
قال :
كنا جلوساً عنده ليلةً ، فأُتي برجلٍ فقال – اي الحجّاج – ما أخرجك هذه الساعة وقد قلتُ :
لا أجدُ فيها أحداً الاّ فعلتُ به
قال :
اما والله لا أكذب الأمير أُغْمِيَ على أُميّ منذ ثلاث ، فكنتُ عندها ، فلما أفاقَتْ الساعة قالت :
يا بنُيّ
أعزمُ عليك الاّ رجعتَ الى اهلك فانهم مغمومون لتخلفك عنهم فخرجتُ فأخذني الطائف
فقال :
ننهاكمُ وتعصون
اضرب عنقه “
انها ليست جناية تستحق القتل بكل المعايير .
انّ الرجل عاد الى اهله بعد انشغاله بأُمه ثلاثًاً …
وربما لم يكن على علمٍ ” بمنع التجول ” الذي فرضه الحجّاج، فانزال عقوبة الموت به ما هي الا القسوة الفظيعة المسعورة .
واستمر (عَنبسة) يحدّثُ ابن عبد العزيز فقال :
” ثم أُتي برجل آخر ، فقال :
ما أَخَرَجَكَ هذه الساعة ؟
قال :
والله لا أكذبك
لزمني غريم ، فلما كانت الساعة أغلق الباب وتركني على بابِهِ ،
فجاءني طائفُك فأخذني ،
فقال :
اضربوا عنقه “
والقتيل الثاني أيضا لم يكن يتعمد عصيان أوامر الحجّاج
وانما ساقه الظرف المحرج الى ذلك ..!!
انه لا يستحق العقوبة الصارمة المسعورة ، عقوبة ضرب العنق بالسيف..!!
انها الهمجية والوحشية والقسوة المتناهية ليس إلاّ .
وبقي أنْ نفهم ما جرى على رجلٍ ثالثٍ جيء به الى الحجّاج في تلك الليلة .
يقول (عنبسة بن سعيد) :
” ثم أُتي بأخر فقال :
ما أَخَرَجَكَ هذه الساعة ؟
قال :
كنتُ مع شَرَبَةٍ أشربُ ، فلما سكرتُ خرجتُ فأخذوني ، فذهب عني السكر فزعا
فقال – اي الحجاج –
يا عنبسة ما أراه إلاّ صادقا
خلوا سبيله “
وهكذا تَضطرب المعادلات ، وتُنتهك الحرمات، ويُقضى على الناس بالباطل
مَنْ يُقّر بالسُكر ، يُصدّق ، ويُطلق سراحُه ،
وَمَنْ يُقسِم بأغلظ الايمان على صحة ما يقول ، وهو صادق، تُضرب عنقه..!!
وبعد أنْ سرد (عنبسة) القصة (لعمر بن عبد العزيز) بادره (عمر)
بالسؤال :
” فما قلتَ له شيئا ؟
فقال :
لا “
إنّ عمر بحسه الانساني، كان يتوقع من (عنبسة) أنْ يوّظف حضوره لصالح العدالة ، ولكنه لم يكن كذلك .
شَهِدَ قَتْلَ الرجلينِ ، ولم ينبس ببنت شفة !!
إمّا خشيةً على نفسه من الحجاج، وإمّا حفاظا على مصالحه … فأصدر أمره بمنع دخول (عنبسة) عليه إلاّ ان يكون في حاجة …
وبهذا يكون عمر بن عبد العزيز قد عاقبه على موقفه المائع الذميم
-4-
وعصابات (داعش) اليوم تمارس من الجرائم ما لم تذكره كتب التاريخ لا عن الحجّاج ولا عن أضرابه من الطغاة …
وتتفنن في طرق الابادة والقتل، فالى جانب الذبح والحرق بالنار، هناك قطع المياه ليموت الأحرار والحرائر عطشا … ناهيك عن الاطفال الأبرياء المحكوم عليهم بالفناء دون جرم ولا جريرة .
-5-
ان (داعش) هي آخر ما أفرزته صيغ الطغيان والتوحش والتحجر والعداء السافر للانسان والأديان والحضارات والعلوم والآثار …
ويصح القول :
انها عدوة البشر والحجر ، وانها لا تُبقي ولا تذر .