23 ديسمبر، 2024 5:16 ص

” داعش ” ورثة الحجاج

” داعش ” ورثة الحجاج

-1-
أكبر ما يميّز الجبابرة والفراعنة والبرابرة من غيرهم ،هو شدّة وَلَعِهِم بسفك الدماء وازهاق الارواح، دون أنْ يكون هناك أيُّ مبرر لذلك …

من هنا أمكن القول :

انّ ازدراء الانسان، والتهاون في شأنه وكرامته وحقوقه وحياته ،هو القاسم المشترك بين الطغاة على اختلافهم ..

انهم خريجو مدرسة واحدة …

انها مدرسة التنكر للقيم الانسانية، فضلاً عن سائر القيم والمقدسات الأخرى .

انّ الخطوط الحمراء عندهم ما هي إلاّ اشارة خضراء، ينطلقون منها لتنفيذ جرائمهم المسعورة …

-2-

وغنيٌّ عن البيان ، موقع الانسان في القران الكريم :

اسمع ما يقوله الرحمن :

( مَنْ قَتلَ نَفَساً بغير نَفْسٍ أو فسادٍ في الارض فكأنّما قتل الناس جميعا)

المائدة /32

وقال جل اسمُهُ :

( ومَنْ يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها ) النساء /93

وجاء في الحديث الشريف عن الرسول (ص) أنه قال :

” قَتْلُ المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا )

الجامع الصغير للسيوطي /455

ومن هنا فانّ التمرس بقتل الناس، ذبحاً وحرقاً وتعذيبا، كما يفعله الأوغاد من داعش، هو الدليل الواضح على انّ منطلقاتهم (شيطانية) وليست (رحمانية) على الاطلاق .

واكبرُ ألوانِ الاساءة الى الاسلام، اصطناع المجازر الوحشية باسم الانتساب اليه، وهو براء من كلَّ طاغٍ معتدٍ أثيم .

-3-

ويعتبر ” الحجّاج بن يوسف ” ، المعروف بجبروته وطغيانه ، مثالاً بارزاً للمتوحشين السفاكين .

جاء في التاريخ :

ان عمر بن عبد العزيز سأل عنبسة بن سعيد قائلاً :

” اخبرني ببعض مارايت من عجائب الحجاج

قال :

كنا جلوساً عنده ليلةً ، فأُتي برجلٍ فقال – اي الحجّاج – ما أخرجك هذه الساعة وقد قلتُ :

لا أجدُ فيها أحداً الاّ فعلتُ به

قال :

اما والله لا أكذب الأمير أُغْمِيَ على أُميّ منذ ثلاث ، فكنتُ عندها ، فلما أفاقَتْ الساعة قالت :

يا بنُيّ

أعزمُ عليك الاّ رجعتَ الى اهلك فانهم مغمومون لتخلفك عنهم فخرجتُ فأخذني الطائف

فقال :

ننهاكمُ وتعصون

اضرب عنقه “

انها ليست جناية تستحق القتل بكل المعايير .

انّ الرجل عاد الى اهله بعد انشغاله بأُمه ثلاثًاً …

وربما لم يكن على علمٍ ” بمنع التجول ” الذي فرضه الحجّاج، فانزال عقوبة الموت به ما هي الا القسوة الفظيعة المسعورة .

واستمر (عَنبسة) يحدّثُ ابن عبد العزيز فقال :

” ثم أُتي برجل آخر ، فقال :

ما أَخَرَجَكَ هذه الساعة ؟

قال :

والله لا أكذبك

لزمني غريم ، فلما كانت الساعة أغلق الباب وتركني على بابِهِ ،

فجاءني طائفُك فأخذني ،

فقال :

اضربوا عنقه “

والقتيل الثاني أيضا لم يكن يتعمد عصيان أوامر الحجّاج

وانما ساقه الظرف المحرج الى ذلك ..!!

انه لا يستحق العقوبة الصارمة المسعورة ، عقوبة ضرب العنق بالسيف..!!

انها الهمجية والوحشية والقسوة المتناهية ليس إلاّ .

وبقي أنْ نفهم ما جرى على رجلٍ ثالثٍ جيء به الى الحجّاج في تلك الليلة .

يقول (عنبسة بن سعيد) :

” ثم أُتي بأخر فقال :

ما أَخَرَجَكَ هذه الساعة ؟

قال :

كنتُ مع شَرَبَةٍ أشربُ ، فلما سكرتُ خرجتُ فأخذوني ، فذهب عني السكر فزعا

فقال – اي الحجاج –

يا عنبسة ما أراه إلاّ صادقا

خلوا سبيله “

وهكذا تَضطرب المعادلات ، وتُنتهك الحرمات، ويُقضى على الناس بالباطل

مَنْ يُقّر بالسُكر ، يُصدّق ، ويُطلق سراحُه ،

وَمَنْ يُقسِم بأغلظ الايمان على صحة ما يقول ، وهو صادق، تُضرب عنقه..!!

وبعد أنْ سرد (عنبسة) القصة (لعمر بن عبد العزيز) بادره (عمر)

بالسؤال :

” فما قلتَ له شيئا ؟

فقال :

لا “

إنّ عمر بحسه الانساني، كان يتوقع من (عنبسة) أنْ يوّظف حضوره لصالح العدالة ، ولكنه لم يكن كذلك .

شَهِدَ قَتْلَ الرجلينِ ، ولم ينبس ببنت شفة !!

إمّا خشيةً على نفسه من الحجاج، وإمّا حفاظا على مصالحه … فأصدر أمره بمنع دخول (عنبسة) عليه إلاّ ان يكون في حاجة …

وبهذا يكون عمر بن عبد العزيز قد عاقبه على موقفه المائع الذميم

-4-

وعصابات (داعش) اليوم تمارس من الجرائم ما لم تذكره كتب التاريخ لا عن الحجّاج ولا عن أضرابه من الطغاة …

وتتفنن في طرق الابادة والقتل، فالى جانب الذبح والحرق بالنار، هناك قطع المياه ليموت الأحرار والحرائر عطشا … ناهيك عن الاطفال الأبرياء المحكوم عليهم بالفناء دون جرم ولا جريرة .

-5-

ان (داعش) هي آخر ما أفرزته صيغ الطغيان والتوحش والتحجر والعداء السافر للانسان والأديان والحضارات والعلوم والآثار …

ويصح القول :

انها عدوة البشر والحجر ، وانها لا تُبقي ولا تذر .

[email protected]