23 ديسمبر، 2024 3:52 ص

داعش وخلافة “ابوطبر”

داعش وخلافة “ابوطبر”

من لم يعش حقبة “أبو طبر”، ذلك السفاح القاتل الجزار المخيف الذي ظهر في بداية السبعينات، فانه حتما قد سمع به من ابيه وامه او من كبار السن الذين عاصروا تلك المرحلة التي تحول فيها “القاتل” الى بعبع مخيف استنفر الناس من أجله في حراسات ليلية ويقظة مستمرة اذهبت عنهم النوم، خوفاً من القادم المجهول الذي اظهرته الاشاعات كأنه “قدر” لا يمكن تداركه. لقد تحوّلَ “أبو طبر” بفعل الإشاعة والسلوك الجمعي، إلى “أسطورة” و”بعبع” ولفقت له أو نسبت اليه، افعال وجرائم وتصرفات مبالغ فيها بفعل التهويل الناتج عن حالة الرعب التي سادت البلد في تلك الفترة، حتى تسمية الطبر كانت مخالفة للواقع الذي أثبت أن أبو طبر يستخدم (هيم أو قضيب حديدي) في ارتكاب جرائمه وليس (طبراً)!! لكن تسمية :أبو طبر” أختزنت في الذاكرة الشعبية مقرونة بتأويلات الرعب  ولابد من التطرق الى الجوانب السياسية في الموضوع، فقد وقعت أحداث ابو طبر بُعَيْد إنكشاف المحاولة الأنقلابية لناظم كزار وجماعته في 30 حزيران 1972، الذي كان قد خطط بإتقان لقتل البكر وصدام وبقية الوزراء  في مطار بغداد الدولي لدى تواجدهم لاستقبال البكر العائد من بلغاريا،  وكان ناظم كزار  قد اعتقل وزيري الدفاع والداخلية، وبعد انكشاف المحاولة قام بقتل وزير الدفاع حماد شهاب ولكن  وزير الداخلية سعدون غيدان فلت  من القتل، وتم القبض على كزار وهو في طريق الهرب باتجاه ايران، واعدم، وكان البعض يتصور أن هذه الأحداث الجنائية التي هزت بغداد وعموم محافظات العراق  ذات أبعاد سياسية لابد ان  يكون بقايا ناظم كزار، او ربما غيره من المعارضين (وهم كثيرون)هم الذين يرتكبوها، او هم الذين يقفون خلف هذه الحوادث المروعة.  وكان هذا التصور يطغى  حتى على تفكير  نظام الحكم آنذاك، ولكن الذي يضعف التفسير السياسي هو ان ضحايا الحوادث اناس عاديون لا علاقة لهم بالسلطة من قريب او من بعيد، لكن التفسير يقوى حين ينظر الى الآثار الأمنية والنفسية التي تنتاب الناس من رعب وخوف وإضطراب، وما خلقته من بلبلة في الوضع الأمني أدت الى إقالة مدير الشرطة العام، ومدير شرطة محافظة بغداد، ومدير مكافحة الأجرام،  وتحميلهم مسؤولية التقصير في كشف الحوادث التي وقعت والتراخي في موضوع القبض على الفاعلين، كما أصدرت السلطة قرارا بإيقاف برنامج الشرطة التلفزيوني الشهير
وتم إغلاق مطار بغداد الدولي في وجه حركة الملاحة الجوية، وقاد الحملة طه الجزراوي وتم تقسيم بغداد الى قطاعات ساهم في الحملة مسؤولون حزبيون إضافة الى الأجهزة الأمنية والشرطة، وتم تفتيش جميع الدور في بغداد للبحث عن اشخاص بمثل مواصفات ابو طبر التي اعطاها الخبراء الروس والفرنسيون، ولكن بدون أي نتيجة (ومما يجدر ذكره في هذا المجال أن الفاعل وهو حاتم كاظم هضم كان  قد شارك مع الرفاق الحزبيين في منطقة البياع والعامل وأم الطبول في حملة التفتيش بإعتباره كان من الرفاق في المنطقة!!)… علما ان اجهزة الامن العامة استغلت هذه الحملة الكبيرة للبحث عن المطلوبين من السياسيين والمعارضين وتم القبض على كثيرين من خلال حملات المداهمة والتفتيش.  وأستمرت القناعات الحكومية بأن للحوادث أبعادا سياسية، وحتى حين تم القبض على حاتم كاظم هضم، من قبل الشرطة، لم تقتنع السلطة بتحقيقات الشرطة وخشيت ان تقوم الشرطة بـ (لفلفة) الموضوع!!، فأمرت بإحالة التحقيق الى جهاز المخابرات، ومع ذلك لم يتم التوصل الى الأبعاد أو الدوافع السياسية للحوادث، ولابد من الاقرار بان الاجهزة الامنية والتحقيقية، في تلك المرحلة وبسبب حالة الارباك والفوضى والنقد الشعبي الواسع وحالة الرعب التي اصابت الناس، كانت تستعجل في القبض على اشخاص تحت طائلة الشبهة والشك، بمن فيهم مسجلين سابقا، او متهمين بحوادث عادية، لانها كانت تقع تحت ضغط من السلطة ومن الناس للاستعجال في كشف المجرم.. وكثير من الابرياء بمن فيهم اشخاص ذوي صلة بالضحايا نالوا اجراءات قاسية تصل للاعتقال والتعذيب بسبب التوسع في دائرة الشك من قبل الاجهزة. الى ان جاءت حرب تشرين (10 رمضان) فانشغل الناس في اخبار الحرب ونسوا قضية ابو طبر الذي هو ايضا انطوى وترك ارتكاب الجرائم من تشرين الاول 1973 الى ايلول 1974 حيث تم القبض عليه . الى هنا انتهت قصة ابو طبر والذي يتابع الاحداث في زماننا هذا يجد ان  “داعش” هي عبارة عن ابو طبر جديد جيء به ليكون ذريعة وسببا لنوايا خفية تريد دوائر الاستكبار العالمي تنفيذها في المنطقة على وجه العموم وفي العراق على وجه الخصوص وقد تم تسخير كل امكانيات الدولة الظالمة المستكبرة والدول الذليلة التي تسير بركبها لتنفيذ هذا المخطط الخبيث وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.