قد يستغرب القارئ الكريم من العنوان, وقد يظن ان ثمة لا وجود لمتلازمة بين داعش الراديكالية ذات الفكر المتطرف, وبين حراك تشرين ذي الفكر الليبرالي المتنور.
ثم قد يستغرب القارئ من اختلاف ادوات الحركتين, وعدم وجود مشترك جامع مانع بينهما.
لكن وانا اعول عل صبر القارئ وتفهمه وشغفه للمعرفة, سأكتب ما يثبت حقيقة التلازم الذي لا ينفك بين هاتين الحركتين.
الحقيقة هو ان الوجه الجديد للعراق وجها غير مقبول دوليا ولا عراقيا, فوجود الشيعة في سدة الحكم جعل المتضررين من هذا الوجود واصحاب المطامع يحاربون التجربة العراقية الجديدة, فخارجيا تقف امريكا في طليعة دول العالم المناهضة للوجود الشيعي وقوته, وتقف السعودية في طليعة الدول العربية المناهضة للوجود الشيعي وسعته, اما داخليا فيقف السنة العراقيون بأغلبيتهم- او لنقل بأغلبية المتحكمين بالقرار السني في طليعة الرفض للوجود الشيعي في سدة الحكم.
عملت هذه الدوائر المختلطة امريكا والسعودية وسنة العراق عل محاربة التجربة العراقية الجديدة, وتم اطلاق اول مشروع معادي للتجربة الجديدة وهو تنظيم القاعدة, ثم تلاه جماعة التوحيد والجهاد بقيادة ابو مصعب الزرقاوي, ثم اعلن سنة العراق عنمشروعهم الاكبر وهو تبنيهم حراكا في مناطقهم, اسموه ساحات العز والكرامة, والذي افضى لإنتاج اعت تنظيم ارهابي وهو المعروف حاليا ب داعش.
كان قيادات الصف الاول من البعث –السنة- يقفون في قيادة التنظيم, واصبحت المزاوجة بين البعث الدموي والفكر الارهابي المتطرف خلطة سنية بامتياز لإنتاج اليات بشرية مهمتها القتل والبطش والفتك.
مع احتلال اراضي العراق من قبل داعش, صدرت فتوى من النجف, ومن مرجعها السيستاني, لتنتج لنا الحشد الشعبي كقوة رادعة التي صدت هذا التنظيم, المحمي امريكيا, والممول سعوديا واماراتيا وتركيا وقطريا, والممهد له سنيا, فكان الوقع كالصاعقة على الدوائر الرافضة للوجود الشيعي في العراق.
بعد فشل المشاريع الارهابية, وبعد نجاح الحشد, ظهرت خطة جديدة لشيطنة الحشد واسقاط المرجعية وتضعيف العمامة, فبدأت حملة يقودها ناشطون ومدونون للإساءة لهذه الرمزيات الثلاثة (الحشد –المرجعية – العمامة-) فاخذ البشير شو وحسين تقريبا وغيث التميمي ومعن حبيب وعلي وجيه ورسلي المالكي وليث شبر ممن تربوا في دوائر المخابرات الدولية بعمل جيوش الكترونية مهمتها حرف افكار الشباب, وبالفعل ابتدأ العمل منذ 2016 الى ان انتج جيوش من الشباب بلا عقل ولا هوية ولا عقيدة, جيوش لا هم لها الا الاساءة للعمامة والحشد والمرجعية, ومع تولي عادل عبد المهدي ورفضه للمشروع الامريكي خلصت قرارات الدوائر المعادية للعراق الى طرح مشروع مدني ظاهره انيق وباطنه حريق ليحرقوا به العراق.
مهدوا لتثوير المجتمع من خلال ضخ اعلامي كبير, مع العمل مع بعض المسؤولين العراقيين في بعض الرئاسات ومع جهات اخر كردية وشيعية منحرفة كالصرخي واليماني ليأخذ كلٌ منهم دوره, وبالفعل كانت الدعوة لتظاهرات عراقية عامة في الشهر العاشر 2019, تحت يافطة عريضة وجميلة هي محاربة الفساد لكن تحت ظلها كانت تقف فكرة اسقاط الشيعة.
توزعت الادوار بين اللاعبين, فمنهم من كانت مهمته قمع التظاهرات بشكل علني ودموي كما فعله الفوج الرئاسي لغرض تهييج الراي العالمي ومحاولة اعادة العراق للبند السابع ليكون لمجلس الامن حق التدخل العسكري لحماية المتظاهرين, كما ان بلاسخارت وبصفتها ممثلة للأمم المتحدة مارست دورا كبيرا في هذا المشروع التدميري, وايضا لعبت قنوات ومنصات ومواقع تواصل اجتماعي دورا كبيرا في هذه الفتنة.
وكالعادة تكون المرجعية هي صمام امان امام كل تحدي, فانبرت المرجعية لحماية المتظاهرين السلميين الذين خرجوا بنوايا سليمة, وكذلك القت بثقلها ومن خلال العتبات لإيقاف الاستهداف من الطرف الاخر, لتميت الفتنة في مهمدها, وقبل ان تعيد العراق الى “عصر الديكتاتورية المقيتة” او “زوال الحكم وانتقاله لآخرين”
ملاحظة اخيرة قد يستكشل بها عليَّ بعض القراء, وهي دخول العبادي والحكيم والصدر بثقلهم في هذه التظاهرات, والجواب سنختصره بعبارة واحدة هؤلاء يبحثون عن مغانمهم, ودخلوا الموجه ليأخذوا منها ما يقدرون على اخذه ونجحوا بالفعل بذلك.
الحقيقة ان تشرين كانت انقلابا ذو وجه مدني بباطن دموي, وهي جوكر اخر بيد الدوائر المعادية للتجربة الشيعية في العراق, وما يثبت ذلك هو ان كل من تم رفع صورهم في ساحة التحرير ليكونوا رئيسا للوزراء, اصبحوا بعد هدوء الفتنة في منصب الرئاسة وبدراجات مختلفة “الكاظمي-مهند نعيم- رائد جوحي- عبد الوهاب الساعدي- كاظم السهلاني” باستثناء فائق الشيخ علي.