23 ديسمبر، 2024 3:22 ص

داعش .. نحن عندما نتمسك بالنص الديني

داعش .. نحن عندما نتمسك بالنص الديني

في ذروة الاحتفال بالنصر بعد التخلص من داعش الجغرافية , لازلتُ واجماً مغموماً إلا بعد محق داعش التأريخ , فالتأريخ و التراث الديني عموماً ,مكتظ بنزعة الخراب و الدمار و إزاحة الانسان عن أرضه و فكره . لم يدرك مجتمعنا الاسلامي أنه داعشي الفكر و ان لم ينتمي, فالدعاء لإقامة دولة اسلامية هو تمهيد حقيقي و إنتماء واضح لنفس المنهج الذي تتبعه داعش . ( إنا نرغب إليك بدولة تعز بها الاسلام و أهله) ماهي معالم تلك الدولة التي يدعون لها البسطاء من الناس ؟ لو إفترضنا إنها دولة ترتكز على نهج مدرسة الحديث أي دولة أهل السنة , فداعش خرجت من تلك المدرسة و طبقت أغلب الاحاديث و الاراء الدينية المنصوص عليها. واذا قالوا دولة على المنهج الشيعي , فالفقه الشيعي جاء بخط غير بعيد عن الخط السني وكان متماهياً مع منهجه بحكم ان السنة أقدم في مدرسة التأصيل و التدوين و أصول الفقه. صرح رئيس الوقف الشيعي, حول الرأي الفقهي للمسيحيين او غير المسلمين , وأعطى خياراته المعهودة الاسلام او الجزية او الحرب . قبله كانت هناك محاضرة لأحد مشايخ الشيرازية في كربلاء عبد الكريم الحائري وهو يتحدث عن الدولة العالمية للمهدي , فيقول اذا هناك أقوام عارضوا الإمام , ثم أُسروا فيصبحون بحكم العبيد و الإماء , فإذا اشترى أحدكم عشرة إماء (نساء) ووضعهن في بيته في هذه الحالة يمكنه ان يهب للضيوف من هذه الفتيات فيقضي معهن الضيف وطراً او شطراً من الليل وبذلك يتخلص من الزواج الدائم بممارسة الجنس في بيت الدعارة الذي يملكه صاحبه . أنكى ما بالامر عندما ينهي الحائري كلامه يقول ( ما راد إلها عقل ) يعني بسيطة و لا تحتاج الى تفكير .

أي دعوة أو رغبة ذاتية بقيام دولة إسلامية , يعني هتك لحرمة الانسان العربي و المسلم . البطش الذي فعله منتهجي الاسلام بحجة الدولة الاسلامية , أنهك المسلم و قوض بناءه النظري لحلم الدولة المدنية العادلة .

العوائق الاساسية التي أنهكت المجتمع العربي و الاسلامي هو تخليه عن عقله و ابتعاده عن الحقائق العلمية و الدراسات و الابحاث المتطورة , التي ترتكز على التجربة و الادلة الاقرب للواقع. لازال المسلم متشبث بالوهم حتى سطع نجم داعش , فتحول الوهم الى حقيقة , و الحقيقة تحولت الى عسف و حتف , عندها عاد العقل الى رشده لكن بعد خراب البصرة كما يقولون و الاصح بعد خراب الموصل . أجزم ان لداعش الفضل في استرجاع بعض العقول الواهمة الى صوابها , بعدما رأت كل هذا الموت الذي جلبه التراث الديني عبر أشخاص لا يعتبرون الانسان و الحياة الا مهزلة يجب ان تنتهي .

تنبه رهط من المسلمين الواعين الى كارثية الدعوة لإعادة التراث الديني ,او للمطالبة بدولة اسلامية او لإقحام الحديث النبوي في تفاصيل الحياة اليومية , و استشعر أغلبية المسلمين بخطر زج الدين في متاهات الرغبة الذاتية او الاقصائية للاشخاص .

مهمة المسلمين الواعين ، تكاد تشبه مهمة فلاسفة و مفكرين أوربا في بداية عصر النهضة ، يجب ان نخرج من عبثية التهويمات المفروضة علينا كحلول الى هندسة حلول حقيقية و معاصرة ، وهذا لا يمكن حصوله الا بعد الانعتاق من تراثنا الديني المشتت و الثقيل.

فأول الخروقات التي أصابت النص ، هي من خلال ما يُطلق عليه السنة النبوية ، فهناك قسم كبير من الأحاديث التي يتمسك بها المسلمون تحت عنوان المناقب ، ولقد أبدع اليراع الاسلامي بتقديم إنموذج خيالي مع طاقات فردية خارقة للأشخاص الذين ينتمون له أكانوا الصحابة عند السنة و الأئمة عند الشيعة.

مهمة الواعين الحقيقيين هي إقصاء النص الديني و التاريخ و الفقه القديم و إبعادها عن ثقافة البسطاء من الناس.

صورة من الواقع : في صفحتي بالفيسبوك كنت قد كتبت منشوراً قلت فيه :

بعد تحرير الموصل من لفيف داعش, تناقل الإعلام العراقي و بعض الكتاب, مفردة غير دقيقة وهي : دولة الخرافة ! دولة داعش ليست خرافية بل هي أكثر الوجوه مقاربة لتأريخنا , الخرافة أميل الى الاسطورة بينما داعش طبقت نصوص واقعية موجودة في عمق التراث الديني , التحرير الحقيقي يستدعي إزاحة مفخخات النص الديني من شوارع المدن و إقصاء فلسفة الموت من أذهان الناس .

فانهالت عليّ التعليقات و الردود المؤيدة و التي ترى ان مشكلة مجتمعنا تكمن بالنص الديني , اخترت بعضاً من هذه التعليقات :

الباحث الاجتماعي عمار العظيم :

صديقي المفكر مصطفى العمري
وهذا مانجده في نصوصنا الدينية الفقهية والتي شغلت عقول الفقهاء
على مدى قرون كاملة ،، كان بعض علماء الغرب مشغولا بنتاج فكري إنساني يخدم البشرية ومهتم بقيم المحبة والسعادة والسلام وحب الآخر .. بينما فقيهنا كان منشغلا بتأليف المجلدات والكتب التي ترى أن الآخر كافرا ولايجوز تزويجه من مسلمة ولا يدفن في مقابر المسلمين
ولا يتساوى في الحقوق مع أقرانه المسلمين .. وكذلك لايحق له بناء دار عبادة في بلاد المسلمين مثلا كنيسة وغيرها من دور العبادة
وكلها مشروطة بنصوص الفقيه
والكثير من النصوص التي أكدت على إلغاء وسحق الآخر
شتان بين إسلامنا و كفرهم.

الاستاذة إيلاف اللامي : الدواعش تربوا في مساجد المسلمين وغذوا افكارهم من الموروث الاسلامي ومن كتب وتفاسيرمازالت مقدسة لدى البعض ناهيك عن الشخصيات التاريخية التي تتبع برضي الله عنه هي اشرس من إرهابي وقتنا الحاضر.. محاربة الفكر اهم من محاربة الارهابي بقضائناعلى هذه الأفكار المتطرفة سنقضي على الإرهاب وسنعيش بامان.

الاستاذ عبدالله عبدالله ( الخالدي) هنالك نصوص دينية اخطر من القنبلة النووية
لان الذي يطبقها يتقرب لله مبتهجا.

الاعلامية الجزائرية كريمة عساس: جدا صحيح، فداعش هي التطبيق الحرفي للموروث الإسلامي، لم تفعل داعش امرا غير مقنن وغير مؤرخ في كتب التراث.

د. ضياء خليل: التشخيص الصحيح يقود الى علاج ناجع ، اما محاولة تخفيف المرض بالمسكنات والمهدئات فلن يؤدي الا الى تفاقم المرض . وهذا ماحصل بالفعل طيلة الفترة الماضية لابل الاسوء من ذلك هو محاولات البعض اجراء عمليات تصالحية تجميلية فاشلة أدت الى تشوهات في هذا الكيان المريض وحولته الى مسخ غير واضح المعالم خارج الزمان والمكان .
كنت دقيقا وصريحا وشجاعا وفقك الله وسدد خطاك .

د. ابتسام منشي : احسنت التنوير والنشر ..دولة داعش هي دولة حقيقية جاءت من عمق التاريخ الإسلامي وبنصوصه وافكاره …اتفق معك بل أتمنى أن يتم ازاحة الفكر الداعشي وسيطرته على العقول المأخوذة به…
في النهاية يجب ان ألفت انتباه المسلمين المتقدمين بالوعي ، الى ان الخلاص الحقيقي من الفكر المتطرف هو بالنأي عن النصوص التراثية و الاّراء الرّثة الداعية الى إقصاء مشروع الإنسان.