23 ديسمبر، 2024 4:46 م

“داعش” على حافات الاقليم !

“داعش” على حافات الاقليم !

قبل حوالي شهر، وتحديدا في الثاني من شهر تموز-يوليو الماضي، قال مدير مكتب رئيس اقليم كردستان، فؤاد حسين في ندوة سياسية نظمها معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى “ان داعش لاتهاجم الاكراد اليوم ولكنها ستهاجمهم غدا”.
وفي وقت مقارب صرح مستشار الامن الوطني للاقليم مسرور البارزاني قائلا “أن داعش تملك اليوم الكثير من المعدات العسكرية الحديثة، وأعتقد أن البيشمركة ستحتاج إلى معدات أفضل بكثير من أجل محاربتهم”.

تحولات

سيطرة تنظيم داعش على ناحية زمار ذي الاغلبية الكردية، ومعها قضاء سنجار، ومساحات اخرى من قضاء ربيعة، وهي كلها مناطق تقع على مرمى حجر من اراضي اقليم كردستان، يمثل تحولا خطيرا ومقلقا بالنسبة للاكراد في وقائع الصراع الدائر بين “داعش” من جهة، وقوات الجيش والمتطوعين من جهة اخرى، الذي تصاعد واتسع الى حد كبير مع سيطرة داعش على مركز محافظة نينوى ومناطق اخرى فيها وفي محافظتي صلاح الدين وكركوك خلال الشهرين الماضيين.

ربما لم يتوقع فؤاد حسين ان ما تنبيء به سيتحقق بعد شهر، وربما لم يدر بخلد المسؤول الامني الاول في الاقليم، وهو نجل الرئيس، ان يلتفت تنظيم داعش المتجه جنوبا وغربا، الى الاقليم وما يتبع له من مناطق وان كانت خارج حدوده مثل سنجار وربيعة وزمّار وشيخان.

وفي حديث مع باحث واكاديمي كردي، حول ابعاد ودلالات التطورات الميدانية الاخيرة، يؤكد “ان مشاعر القلق تسود الساحة الكردية بمختلف مستوياتها، وان قوات البيشمركة قد لاتتمكن من مجابهه تشكيلات تنظيم داعش، التي استحوذت على الاسلحة والمعدات الثقيلة لثلاث فرق عسكرية من الجيش العراقي بعد ان كانت قد تركت مواقعها في اول ايام المواجهة مع داعش في العاشر من شهر حزيران-يونيو الماضي”.

ويشير الباحث والاكاديمي الكردي الى “ان الاكراد يحتاجون الدعم الاميركي السريع لايقاف تقدم الجماعات الارهابية والمحافظة على امن الاقليم”.

ومدير مكتب رئيس الاقليم كان قد قال في معهد واشنطن “ان الهدف الأول للأكراد يتمثل بالدفاع عن حدودهم، فالولايات المتحدة وتركيا ليستا مستعدتان لإرسال جيوشهما، كما أن الأكراد ليسوا قادرين على التوغل في المناطق العربية ومحاربة الإرهاب”.

 

حقائق 

  ولكي تكون الصورة متكاملة في كل جوانبها، من المفيد الاشارة الى عدة حقائق افرزتها احداث الاسابيع الثمانية الماضية، ومن بينها:

-ان الاكراد استفادوا من سيطرة تنظيم داعش على عدة مناطق في نينوى وصلاح الدين وكركوك، وانسحاب الجيش العراقي، ليضعوا ايديهم على مساحات مهمة واستراتيجية من المناطق المتنازع عليها، لاسيما محافظة كركوك، والتي اعلن رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني في اكثر من مناسبة، انها وغيرها من المناطق المتنازع عليها عادت للاكراد، ولم يعد هناك حاجة للحديث عن هذا الموضوع.

-في بعض المناطق، مثل جلولاء وخانقين واحياء من كركوك، التي تخضع لسلطة ونفوذ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، دخل الاكراد في مواجهات مع جماعات داعش، وكان هناك تنسيق مع قطعات من الجيش العراقي، لاسيما طيران الجيش، وكذلك مع تشكيلات من المتطوعين، بيد ان المناطق الخاضعة لنفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني لم تشهد مثل تلك المواجهات والتحركات، حتى قيام داعش بالهجوم على زمّار وسنجار وربيعة.

-الخطاب المتشنج والحاد بين اربيل وبغداد، وتبادل الاتهامات، والذهاب في لغة التسقيط بعيدا، ضيع اية فرصة للتواصل والتعاون والتنسيق بين الطرفين، كما هو مطلوب اليوم، ومثلما دعت الى ذلك جهات خارجية وداخلية في مقدمتها منظمة الامم المتحدة عبر مبعوثها في العراق نيكولاي ميلادينوف.

-دفع الحديث  الكردي على اعلى المستويات عن الدولة الكردية المنتظرة، بالتزامن مع تمدد “داعش” الى مساحات واسعة في شمال وغرب البلاد، اطرافا عديدة الى قراءة ذلك الامر من زاوية حقائق الامر الواقع، التي فرضتها المتغيرات والتحولات الجديدة، دون النظر الى –او التوقف عند- حقائق اشمل واوسع على صعيد التأريخ والجغرافيا.

     كل ذلك، يمكن ان يكون قد شجع تنظيم داعش على التحرك والضرب بعدة اتجاهات، من بينها اقليم كردستان، لتمتص وتستوعب، وبالتالي تقلل من اثر الضربات القوية التي تتلقاها في عدة مناطق من قبل طيران الجيش تحديدا.

 

مؤشرات

وبعد الاقتراب الداعشي من حافات الاقليم، فأن القراءة الاولية، تشير الى ان الاكراد قد لايتمكنون لوحدهم من التصدي لداعش وايقافها عند نقاط ومساحات معينة، ولعل المناشدات والاستغاثات الكردية لواشنطن واطراف اخرى تعكس في جانب كبير منها القلق الكردي الحقيقي، وهو مايعبر عنه رد اربيل الرسمي على واشنطن على لسان مسؤول العلاقات الخارجية في حكومة الاقليم فلاح مصطفى بكر، بالقول”لانريد ان تشكرونا بل زودوا البيشمركة بالاسلحة”.

ولاشك ان اي طرف يدعم الاكراد اليوم، سواء واشنطن او انقرة او غيرهما، لابد ان يفرض شروط ويطرح مطاليب مقابل هذا الدعم.

والجانب الاخر من تلك القراءة، يتمثل في ان الحديث عن امن محكم ومتماسك للاقليم بمعزل عن مايجري في عموم المشهد العراقي من وقائع واحداث، لم يعد منسجما مع الواقع، وان التنسيق والتواصل والتعاون بين بغداد واربيل، بصرف النظر عن وجود الود او بغيابه، امر لامناص منه.      

والجانب الثالث، يرتبط بدخول قوى كردية غير عراقية على الخط، منطلقة من مبدأ وجوب دفاعها عن الاكراد، ومن بين تلك القوى حزب العمال الكردستاني التركي المعارض، الذي يمتلك تشكيلات مسلحة بأسم قوة حماية شعب كردستان(YPG)، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري، وهذه القوى، وخصوصا الاخير لايمتلك علاقات طيبة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، لذلك فأن دخولهم على الخط، من شأنه ان يحدث ارباكا في الوضع السياسي الكردي، ومن الممكن ان يتسبب بتحجيم مساحات نفوذ حزب البارزاني، خصوصا اذا نجحت تلك القوى في تحقيق انتصارات على جماعات داعش، وبالتالي فأن ذلك قد يفتح الباب واسعا لمرحلة جديدة من الصراعات والتجاذبات الكردية-الكردية، وهي ما اكثرها على امتداد العقود الثلاثة الاخيرة وما قبلها.

ربّ ضارة نافعة!

واذا كان الاكراد يواجهون موقفا لايحسدون عليه، فأن ذلك يقتضي، ومن اجل تعزيز المواقف والتوجهات الوطنية وتوحيد الصفوف ضد تنظيم داعش، فتح قنوات حوار وتنسيق وتواصل امني واستخباراتي وعسكري بين بغداد واربيل، والاستفادة من اي دعم واسناد خارجي، مع تعزيز ذلك التنسيق والتواصل الامني والاستخباراتي والعسكري بتهدئة سياسية، يمكن ان تكون جزءا من ارضياتها ومناخاتها قد تهيأت بأنتخاب رئيس جديد للبرلمان العراقي، وكذا رئيس جديد للجمهورية، لتبقى الخطوة الاخرى الاساسية هي اختيار رئيس للوزراء يكون مقبولا على نطاق وطني واسع، وقادرا مع شركائه على اتخاذ خطوات الى الامام تساهم في ايقاف مسيرة التداعي، وتصحيح المسارات الخاطئة، واصلاح مايمكن اصلاحه وترميمه.     

ومثلما يقال “رب ضارة نافعة”، لذا فأن سيطرة داعش على سنجار وزمّار وربيعة، واقترابها من حافات الاقليم، يحتم استشعارا حقيقيا بالخطر من قبل الجميع، وتحركا هو الاخر حقيقيا لمواجهة ذلك الخطر واحتوائه. 

*[email protected]