إنتشرتْ مؤخراً أخبار فتوحات أبو بكر البغدادي زعيم “داعش” و سيطرتها على مُدن سورية و عراقية كآلرقة و آلموصل و الأنبار و ذاع صيتها في الأوساط العربية و حتى العالمية بدعم إعلامي عالميّ و إقليمي منظم و فريد, و المتابع لما يجري هذه الأيام يرى أن هذه الوقائع ما هي إلاّ حلقة من المسلسل الممتد الذي صنعه الأستكبار العالمي و دوائر المخابرات العالمية بعد نجاح الثورة الأسلامية في إيران عام1979م و التي قلبت المعادلات في كل العالم!
الهدف من كلّ هذا المسلسل هو معاكسة و إشغال تلك الثورة ألعملاقة مع هذه المنظمات الأرهابية الجاهلية لإجهاضها و عدم إعطائها أية فرصة للتنفيس لتحقيق برامجها العالمية التي رسمها الأمام الخميني بحسب الوعد الألهي الذي جاء في القرآن الكريم(1)!
و كان آخر الأهداف تتركز على جرّ إيران لحلبة الصراع في داخل العراق للأجهاز عليه من قبل الدول الأستكبارية و الأقليمية لبدء معركة جديدة معها الله أعلم بنهايتها, لكن الولي الفقيه و النائب العام لصاحب الأمر الامام الحجة(عج) السيد الخامنئي كشف المستور من خلال خطابه الألهي الأخير بآلقول :
[إن هؤلاء الأرهابيين مجموعات جاهلية لا تفقه من الأسلام و الأنسانية شيئاً يريدون إرعاب الناس و قتلهم و سرقة ممتلكاتهم و إنتهاك حرماتهم, و هم يحاولون أظهار المعركة و كأنها بين السنة و الشيعة, و الحقيقة إن المعركة هي بين الأرهابيين و بين آلمخالفين للأرهاب, و إن الشعب العراقي لوحده بشيعته و سنته و جميع مذاهبه لقادر على دحر هؤلاء الطارئين]!
و بهذا التحليل الألهي الذي كان فصل الخطاب في هذه المعركة, سحب الأمام القائد الخامنئي البساط من تحت أقدام المتواطئين و العملاء و الأستكبار العالمي و كلّ من معه من حكومات النفاق العربية و التركية و العالمية و ردّ كيدهم إلى نحورهم, لكون هؤلاء بعد خروجهم من العراق و هزيمتهم سيعودون إلى بلدانهم المحكومة بآلعملاء من أمثال الملك الأردني و السعودي و حكام الخليج و أمثالهم!
إنّ الستراتيجية المرسومة للأرهاب هي أن تكون ندّاً لخط المقاومة في المنطقة لأشغال و تحجيم آثار الثورة الأسلامية التي إمتدت و تمتد بصعوبة وسط هذه الأجواء و المعاكسات التي باتت لا تكلف الأستكبار العالمي كثيراً بسبب وجود مقاتليين(إرهابيين) بإجور زهيدة تكاد تكون لا شيئ بآلمقارنة مع كلفة تجنيد الجواسيس ألرسميين لأداء بعض المهام ألأستخبارية المشابهة!
يأتي هذه الحرب القذرة بقيادة آلجماعات التكفيرية الأرهابية .. بعد طيّ صفحات الحروب المنظمة التي شغلت بلدان العالم الأسلامي عقوداً من الزمن كحروب الخليج, حيث نرى أن الدوائر الأستكبارية غيّرت من سياستها و تكتيكها بعد ما عجزت الحكومات وملّت الشعوب من وطأة تلك الحروب المنظمة المدمرة الطويلة نسبياً و التي خلّفت الجّوع و البؤس و الفساد الأخلاقي و الأقتصادي و الأداري في داخل معظم بلدان المنطقة خصوصا العراق البلد المعني أكثر من غيرها من بلدان العربان و الخليج الأخرى المرشحة للتغيير بإتجاه خط الثورة الاسلامية المعاصرة!
التغيير الذي طرأ على السياسة الغربية تجاه منطقة الخليج “الكراند إيريه” هي تدشين خلايا الجهاد التكفيرية المتمثلة بالحركات السلفية لتقوم بدور جديد في منطقة الخليج و بلاد الشام لتحل بدل دور القاعدة التي سائتْ صيتها دولياً و عالمياً بسبب المجازر و الحروب و التبعيات التي تركتها!
فهؤلاء ألأرهابيين الجهلاء الذين قاتلوا سنوات طويلة في أفغانستان ضد الروس دفاعا عن المشروع الصهيو – أمريكي و بعد إستقرار الوضع في جبهة أفغانستان و رحيل الروس منها بقوا بلا عمل و مشاغل و باتوا يشكلون خطراً على بلدانهم بعد ما رجعوا إليها .. و أساساً لم يكونوا يتقنوا مهنة أو أعمال شريفة يرتزقون منها قوتهم و الكثير منهم لا يعرفون حتّى القراءة و الكتابة, فبدأ الأستكبار العالمي برسم خيوط مخطط جديد لهم لتعبئتهم بإتقان من الجهة الغربية لأيران بعد إنتهاء الجبهة الشرقية .. من خلال فتح جبهة في سوريا ثم العراق و ذلك للقضاء على النظام السّوري ثمّ حزب الله الذي يعتمد على سوريا كقاعدة للأمدادات و العون و بآلتالي قصّ هذا الجناج ليأتي دور الجناح الثاني و هو العراق و بآلتالي تكون إيران محاصرة تماماً من قبل نظام راديكالي إرهابي عنيف تسمى (داعش) لا يفقه شيئاً من الحياة!
فسلسة الأحداث التي توالت في منطقتنا (الخليج و بلاد الشام) بعد أحداث أفغانستان التي جاءت قبلها كردّ فعل على مسرحية(ضرب برجيّ التجارة) في إمريكا من قبل منظمة القاعدة برئاسة بن لادن و الظواهري التي أسمّيها بـآلثمرة (الأسلامية الكاذبة) لمدرسة الخلفاء!
و الملاحظ أنّ الأعلام الغربي خصوصا قنواتها العربية في (السي إن إن) و (البي بي سي) أو تلك العاملة على غرار نهجها كآلعربية و الجزيرة و البغدادية نرى أنها ركزت وتركز بإسلوب خبيث و مسموم هذه الأيام على “داعش” كثيراً و بدأت تحاول إظهارها كدولة لها علم و جواز سفر كبقية دول المنظقة, و إنها تريد تطبيق “الأسلام” على طريقتها لتضرب بها الهدف الستراتيجي المرسوم و آلمتمثل بالدولة الأسلامية المعاصرة في إيران و التي تمثل الأسلام الحقيقي الذي لا ترتاح لها الغرب و الدوائر الأستكبارية و من معها من حكام المنطقة الجهلاء الجبناء الخاضعين للسياسة الأستكبارية!
و لذلك نرى أنها تركز بإسلوب ماكر و مخادع على إبراز عناصر “داعش” الذين لا يتقنون سوى لغة الذبح و القتل و العنف بكونهم يؤسسون لدولة و نظام من أجل إقامة “الدولة الأسلامية على نهج الله و آلرسول” من خلال طبع علمهم الذي فيه شعار” لا إله إلا الله محمد رسول الله”!
فأبو بكر البغدادي هو الخليفة الذي سيقيم دولة الأسلام في مقابل الدولة الأسلامية المعاصرة بحسب تنظيرات المخابرات الدولية و على رأسها الصهاينة و الامريكان لتكون نداً مع باقي الدولة العربية و آلتركية لتأجيج الصراع و الأقتتال الداخلي في تلك البلدان و بين المسلمين و بآلتالي إشغالها عن حركة التطور و البناء و العلم و تحقيق السعادة و الرخاء في المجتمع!
بمعنى إبقائها خاضعة أسيرة و تابعة للأستكبار العالمي الذي سينتهي مصالحهم لمجرّد نجاح و تألق الدولة الأسلامية بقيادة ولاية الفقيه التي تطبق أحكام السماء و تريد للبشرية التحرر من سيطرة الطغاة المجرمين و كما بيّن ذلك بوضوح نهج الأمام الخميني الراحل(رض) حيث قسّم العالم إلى معسكرين معسكر المستضعفين بقيادة الدولة الأسلامية و خط المقاومة و معسكر المستكبرين بقيادة النظام الديمقراطي الغربي و خط الأرهاب المتمثل بداعش!
خلاصة الكلام إن “داعش” حلقة من مسلسل سوف لن يطول .. إمتدّ من أيام تنظيم القاعدة التي ولدت من فراغ و بلا مقدمات و لا تأريخ و لا مرجعية حقيقية و صار إسم بن لادن في وقتها أشهرمن علم على نار حتى تم قتله بحسب إدعاء الجيش الأمريكي .. حتى المرجعيات السنية الصّحيحة رفضت تلك المنظمة و قيادتها كما ترفض اليوم “داعش” و قيادتها و أعمالها, حيث ان النظام السعودي نفسه رفض هذا التنظيم على لسان الملك عبد الله مؤخراً, ولك أن تتصور مدى خطورته على العالم الأسلامي قبل أيّ عالم آخر بسبب دمويتهم و قسوتهم و فسادهم و تخلفهم الفكري و الأنساني و الحضاري !
لذلك و تأسيسا على منطق التأريخ و سلسلة الأحداث فأن “داعش” مرحلة ممتدة لمرحلة العنف التي سادت مع بدء الألفية الثالثة, و سوف لن يتعدى زمانه سوى عقدين من الزمن على أكثر الأحتمالات و سيحل بدله ربما تنظيم آخر و قائد آخر و عنوان جديد و قيادة جديدة بديلة عن “داعش” التي أصبحت ممقوتة هي الأخرى كما حدث لتنظيم “القاعدة” من قبل, كل هذا كان و سيكون بتخطيط متقن من قبل منظري الوكالات العالمية التي تصنع في مختبراتها و أكاديمياتها في كلّ مرة طبخات جديدة لإشغال العالم الأسلامي بعضه ببعض ليتنعموا هم من الجهة الأخرى بخيراتنا و نفطنا الرخيص الذي سعره لا يضاهي اليوم سعر قناني مياة الشرب من الأنهار الجارية في طول الأرض و عرضها!