22 نوفمبر، 2024 7:01 م
Search
Close this search box.

داعش تتلاشى .. والاجندات تتعالى

داعش تتلاشى .. والاجندات تتعالى

التفجيرات التي حصدت عشرات الفرنسيين ونشرت الهلع في عاصمة الثقافة باريس، لا يمكن قرائتها في نطاق استعراض قوة داعش، بقدر ما تقرأ في مسار خيبتها واندحارها الواقعي في سوريا والعراق، لانها لم تأت في اتون تقدم وتمدد داعش في الاراضي السورية والعراقية ولا سيما بالعام الماضي 2014، بل أنها جاءت بعد تقويض وحصر داعش بمناطق محددة في العراق وقلعها من مناطق التواجد الحيوي لدولتها المفترضة في غرب وشمال العراق، وأعني بذلك اكمال تحرير محافظة صلاح الدين وحافات الموصل وقضاء سنجار بالاضافة الى غلق جنوب بغداد وشرق الرمادي وغربها وشمالها لتتقوقع بمنطقتين في الانبار الشاسعة المساحة بقياس مساحة العراق، وهاتين المنطقتين هما الرمادي والفلوجة وربما تنتهي في نهاية العام وتكون الموصل مقبره اخيرة لداعش في العراق .

ان المسافات والمساحات الواسعة في الرمادي وصحراء سامراء التي شكّلت مادة دعائية لداعش بلغة الارقام اصبحت شوارع وممرات لسيارت الجيش العراقي والحشد الشعبي وفصائل المقاومة وساحات تدريب ((لجماعات)) ربما تقاتل بعد القضاء على داعش، بالنسبة الى سوريا فان موازين المواجهة واضحة والجماعات محاصرة في الارض والسماء وليس من طريق للمجاميع الاجرامية الا الفناء أو الفرار وهو ما يحصل الآن بعد أن استهلكت داعش أهم وابرز نقاط قوتها المادية والمعنوية، فهي تخسر يومياً مراكز قيادتها مع قادتها، وتحطمت ستراتيجية المقاتل الانغماسي والاخر الانتحاري الذي يمثل سر نجاحها المباشر في المعركة وادبرت الكفاءات التي تعمل معها في اختصاصات علمية هندسية وطبية وادارية مالية وفر الكثير منهم كل الى بلده، خاصة الى اوروبا كما تبين الوول ستريت جورنال، والاخر المهم هو تهافت بريق الخطاب الاعلامي الداعشي في مستويات الايدلوجيا التي يقدمها وترفضها مصادرها ذاتها أو من نسختيها (السلفية والمذاهب السنية بشكل عام) وايضاً على مستوى الدعاية السلبية ( نشر الرعب ) الذي اصبح امراً طبيعياً

بل، وحافزاً للمقاتلين لقتال جميع هؤلاء وعدم اتاحة الفرصة لهم أن يأسروا مقاتلاً ويتعذب بأيديهم، وهو ما ينعكس في عدم الاستجابة الكبيرة لدعوات الهجرة الى القتال في سوريا والعراق، قد لاحظ المتابعون أن دول أوروبا والغرب يعرفون القيادات الارهابية عندما كانت في سوريا ولا يحركون ساكناً الا عندما عادوا الى بلدانهم، ولذلك فأن من يفلت من العقاب في الاراضي العراقية والسورية من مقاتلي (داعش) أولئك الذين يشكلون جماعات الحرب بالوكالة ( Proxy war )، وبضمان وحماية الدول الراعية وهذه ستكون اكثر وضوحاً في العراق وتختلط قليلاً في سوريا وذلك بسبب تعدد الرؤوس ( الداعشية ) في سوريا وتغطيتها بعناوين معارضة مسلحة وأخرى ارهابية .

انّ داعش وهي تقاتل وتمارس جرائمها البربرية لم يكل لسانها يوماً عن الوعد بالنصر ابداً وبيقينية القضاء على حكومات العالم سواء الدول العظمى أو المتقدمة أو الدول النامية، ولا تقبل بمعذورية هذه الدول كلها منفردة أو مجتمعة ولم تعلن عن تفاوض سياسي علني لها مع اي دولة، وان كان لها تفاوض فهو ينتهي في الغرف المغلقة أو تكون احياناً على جبهات التماس المباشر مع الجيوش التي تقاتلها، الا انّ جميع الاطراف الاخرى دولاً وحكومات واحزاب وغيرها، تطلق عنان الكلام السياسي والدعوة للحل السياسي متوازياً مع اطلاق النار في الجبهات ودون الالتفات الى حجم هذه النار واثرها في المواجهة مع داعش، فضلاً عن اصوات الداعمين لداعش ودمروا الدولة السورية والدولة العراقية، بدواعي المصالح القومية لهذه الدول وستراتيجياتها لحماية انظمة الحكم فيها ( امريكا ، تركيا ، السعودية )، واخرى كانت ادوات في بطون هذه الاستراتيجيات (قطر، الامارات) .

إنّ اقليم كردستان العراق كان سباقاً في التحرك نحو اهدافه التي حددها في توسعة اراضي الاقليم وبناء الامن القومي الكردي خارج المناطق المحددة للأقليم دستورياً ( دهوك، اربيل، سليمانية )، متكأً على مفردة (المناطق المتنازع عليها ) والمادة 140 التي انتهى مفعولها الدستوري وهذه المناطق يقطنها سكان اكراد بحجم محدود مع قوميات وأقليات اخرى تشكل كثافة سكانية فيها.

مثل اقضية ومدن سنجار وسهل نينوى وتلعفر وطوزخورماتو والسعدية وغيرها، الا أن هذا الملف ( الكردي ) يبقى في حدود الاجندات الدولية

سياسياً، بالرغم من التأسيس الكردي على الارض، وأن التعقيد، فيه انه لا يندرج باكمله كوحدة واحدة في اجندة دولة واحدة، بل يبقى ملفاً يجري تداوله في مكاتب دول الصراع الرئيسي في سوريا والعراق (امريكا، روسيا، ايران، تركيا، السعودية ) .

هذه الدول ستكون لها الكلمة الفصل في مستقبل الأقليم بدءاً من رئاسة وحكومة الأقليم القادمة الى مشاريع الانفصال، ولا سيما دول (ايران، تركيا، امريكا) ثم تتوالى ملفات العراق الأخرى والتي ستحدد مستقبل الدولة العراقية والمنطقة ويبرز في مقدمها شكل وجغرافية الأقليم السني، الذي تدفع به (امريكا وتركيا)، وتساعد به بشكل كبير دولة قطر لاهداف اقتصادية قد ينهيها الاشتراك الروسي في سوريا، بينما تشترك المملكة العربية السعودية للعبث في هذا الملف واستخدامه للنفوذ داخل القرار العراقي، وهذا الخيار ما زالت تعارضه الجمهورية الاسلامية الايرانية، من الواضح أن الحكومة العراقية واحزاب العملية السياسية والدولة العراقية برمتها مغيبة وغائبة عن كل هذا وعاجزة عن التأثير في إيقاف أو قبول اي من هذه المشاريع، والى الآن لم تتمكن من حسم خياراتها بالتوافق أو الاتساق مع اي من هذه المشاريع وكذلك لم تنتج مشروعاً عملياً خاصاً. واذا كان القرار الجغرافي في العراق واضحاً بأسسه القومية والمذهبية فأن الدولة السورية ستكون اكثر تشظياً وانقساماً لأنها الآن تمثل ساحة الحرب العالمية الثالثة وهي بأكملها تمثل منطقة أمن استراتيجي لكل دول الجوار والأقليم بالاضافة الى الولايات المتحدة وروسيا والكيان الصهيوني وبالتالي فأن التقطيع سيكون ظامناً لهذه المصالح وترتيبها بعد داعش وليس مهماً ان تكون سوريا ديمقراطية أو قومية أو دكتاتورية، أو أن تكون حكومة الاسد أو غيره، وان الواقع الاولي يشير الى أنها يمكن ان تذهب الى خمس مناطق نفوذ تحكمها ستراتيجيات الولايات المتحدة وإسرائيل لحماية أمن الكيان، والاردن ودول الخليج لحماية نفسها من الحدود مع سوريا، لا سيما المنطقة الجنوبية التي ستنحصر فيها جماعات داعش، وروسيا التي تحرص على تأمين الساحل وما حوله، وتركيا التي تقمع الكرد في الشمال السوري (طرطوس، اللاذقية، حمص ..) وتعتبر ادلب وحلب مناطق نفوذها، والجمهورية الاسلامية الايرانية المتمسكة بقلب الدولة السورية وبقائها دولة ممانعة متكاتفة مع فصائل المقاومة بالمنطقة فضلاً عن أمن العتبات المقدسة في دمشق وريفها.

أحدث المقالات