لم يكن ظهور هذا التنظيم واضحا في ظل بروز القاعدة كند عنيد للغرب ، وبدا مسلسل عناده في الكثير من الأحداث الدموية من ضرب السفارتين الأمريكتَين في نايروبي وغيرها ، لهذا كان هذا التنظيم تنظيم بدا منظم جدا ، وعالي التنسيق في اغلب دول العالم ، لهذا اطلق عليه اسم القاعدة ، لان كان قاعدة لجميع التنظيمات الإرهابية التي تنتمي اليه في دول العالم جميعها .
بعد مقتل اسامة بن لادن في عملية خاصة قامت بها الاستخبارات الامريكية ، وعدم قدرة الظواهري على تماسك التنظيم وبعد مقتل الزرقاوي قام تنظيم الدولة الإسلامية في العراق بإعادة تسمية التنظيم الجديد خصوصا مع وجود قيادات القاعدة (لا سيما أبا يحيي الليبي وعزام الأميركي وعطية الله)، لكنها ارتأت قبول بيعة التنظيم، ذلك أن القاعدة أرادت إفساح المجال لأهل الدار (العراقيين) لتصدّر المعركة، لعلّ في ذلك تخصيبا لبيئة حاضنة قد لا يحظى بها القاعديون متعددو الجنسيات، والذين قد يتناقض تواجدهم مع الخصوصيات البيتية للعراقيين (ربما لتصحيح مسيرة تنظيم الزرقاوي الذي اعتمد على آلاف القاعديين غير العراقيين، قبل أن تقتلهم الصحوات العراقية )
احتاج تنظيمُ أبي بكر البغدادي إلى رعاية القاعدة فتوسّل بيعتها ومظلتها. وحين قرر البغدادي التمدد ليشمل تنظيمه العراق والشام، رفض أبو محمد الجولاني أمير تنظيم النصرة هذا التمدد، ورفض مبايعة البغدادي أميرا عليه. احتكم العراقيون والسوريون لقائد القاعدة أيمن الظواهري، لعلّ في حكمه بلسما لإرهاصات فتنة بدت تطل برأسها بين التنظيمين.
حاول أيمن الظواهري إصلاح ذات البيْن من خلال إصداره موقفا حياديا لام به البغدادي على قراره التمدد نحو الشام دون استشارة قيادة القاعدة، كما لام به الجولاني على إعلانه أن تنظيمه يمثل القاعدة في الشام دون استشارة قيادتها أيضا. غير أن مياه الظواهري الحيادية سرعان ما جفت، واتخذ موقفا واضحا حاسما لصالح الجولاني والنصرة.
وبغض النظر عن هذا الجدل العقائدي الفقهي بين القاعدة و”داعش”، فإن لبّ الأزمة وجوهر الشقاق يتأسسان على منافسة في شكل قيادة العمل الجهادي في العالم ومضمونها. وإذا ما اعتبرت القاعدة أن بيعتها غير واجبة وغياب بيعتها ليس كفرا، ترى دولة البغدادي أن بيعة الجميع إجبارية وهي أساس إيماني يجري تكفير من يخالفه. ولا شك أن المراقب يلاحظ نجاح “داعش” في التمدد والتمكن وإغراء الجماعات هنا وهناك لتقديم البيعة للبغدادي، ما سحب البساط نسبيا من تحت أرجل القاعدة التي احتكرت هذا الدور والسيطرة على المنطقة بين العراق وبلاد الشام .
لكن في خلاف التيارين خلاف مدرستين ومنطقين ومنهجين. أظهرت القطيعة تباينات في الفكر الجهادي لم تكن ظاهرة بقيادة بن لادن، بل إن تلك التباينات، لا سيما بين الجماعات المتفرقة التي وفدت إلى أفغانستان، اختفت في انصهار كامل داخل تنظيم بن لادن. لكن حرجا في إدارة ذلك الخلاف خصّبته الحملة الدولية ضد “داعش”.
الامر الملفت للنظر في هذا التنظيم ، هو دخول البعث ورموزه الاجرامية ومن ابرزهم عزت الدوري ، وأبناء وطبان الحسن ، وعلي حسن المجيد ، وغيرهم من عصابات اجرامية كانت سببا مباشرا في تقطيع أوصال الشعب العراقي ، وهذا الامر بدا تجديدًا وتغييرا في نفس الوقت ، من ادخال رموز البعث وقاعديي العراق البعثيين الجدد .
صحيح أن القاعدة تتبرأ من تنظيم البغدادي، لكنها في نفس الوقت تعتبر الحملة الدولية “صليبية”، وأن الجهاد ضدها هو الجهاد بعينه . وإن تحوّل خلاف “داعش” والقاعدة إلى احتراب علني وتكفير متبادل، فذلك لم يغيّر من شكل المعركة التي يخوضها التحالف ضد الإرهاب، بحيث أن الضربات الجوية التي شُنت مؤخرا لم تفرق بين “داعش” في العراق، أو “داعش” والنصرة في سوريا.
التنظيم الداعشي في العراق بدا واضحا جدا في تحركه ،وطريقة تعامله مع الضربات القوية للقوى الأمنية العراقية ، والمشكلة لا تكمن في ضعف او قوة الجيش العراقي ،بل تكمن في السيطرة القوية للأرض من قبل هذا التنظيم ، وهذا ما يثبت نظرية ان البعث والمتعاونين معه هم السند الحقيقي للتنظيم ، وان القتال الذي يدور اليوم في مدن الانبار ليش قتال الارهابيون العرب او الأجانب بقدر ماهو قتال البعثيين وفدائيي ورجال الأمن القومي والمخابرات والاستخبارات الصدامية ، وهذا مخطط اعتمد من قبل التنظيم في استخدام حلفاء لهم في داخل العراق ، مستغلين بذلك تغيير المعادلة في العراق بعد أحداث ٢٠٠٣، كل هذه جعلت الأمور تسير بسهولة على الارض وهذا ما تحقق فعلا في الموصل عندما سقطت المدينة خلال ساعتين او ثلاث ، لان الواقع على الارض يعطيك رسالة واضحة ان المدينة ليست تحت سلطة الدولة بل هي تحت سلطة قاعدة البعث والتكفيرين الجدد .
لهذا على الحكومة العراقية والقوى الأمنية بتشكيلاتها المسلحة ان تعي تماما ان الحرب ليس حرب داعش بل هي حرب مع البعث ، فان اردتم قتال داعش فبدأوا بقاعدتهم ، وحواضنهم في العراق ،لان امتداد هذا الفكر التكفيربعثي ، جاء ليحقق أهدافه تحت غطاء من ابتكره واسهم كثيرا في إنعاشه من دول المنطقة او أمريكا خصوصاً ، والتي تحاول اليوم تمويه الرأي العام تحت يافطة التحالف الدولي ، وهي تعلم جيدا ان هذا التنظيم خرج عن الخطة المرسومة له في تغيير وجه المنطقة العربية وخارطتها المستقبلية تحت عنوان “الشرق الأوسط الجديد” .