لابدّ من التسجيلِ اوّلاً , أنّ لا علاقةَ ولا ميول ولا ارتباطاتٍ لكاتبِ المقال بأنظمة الحكم التي تقاتلها ” داعش ” وبأيٍ من احزابها وتنظيماتها لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ , إنّما المهنيّة التجريدية – الصحفية في تقييم الأحداث والسياسات والمواقف هي التي تُملي ذلك .. , وبالعودةِ الى داعش ” دولة العراق والشام الأسلامية ” فأنه وبمجرّد الشروع الأوّلي لتفكيكٍ سريع للعنوان او الأسم الذي اختارته داعش لها , فنلحظ على الفور أنَّ اجزاءَ و ومفرداتِ و حروفِ هذا العنوان تكادُ تتدحرج وتسقط تلقائياً من نواحٍ وزوايا تتعلّق بالموضوعيه والبصيرة والتوازنِ ايضاً … إنَّ ” داعش ” ومن خلالِ إسمها او عنوانها والذي هو شعارٌ يُعبَرُ عن هويتها واهدافها , فأنّها وبوضوح قد اختارت وقررَّتْ فرضَ وحدةٍ ” ليست اندماجية .! ” وانما وحدة قسريّة – بقوّة السلاح – بين دولتَي العراق وسوريا , ومتجاوزةً بذلك حتى رأي الشعبين او البلدين , ومتجاوزةً ايضاً أنّ المجتمع السوري علمانيٌّ بطبيعته , وتعملُ ” داعش ” فعلياً على إذكاء فتنةٍ طائفيةٍ – عرقيّة في اوساطه , ثمّ فرض احكامها السلفية – الطالبانية الإستبدادية عليه , وذات الأمر بالنسبةِ للشعب العراقي الذي يئنُّ من التفجيراتِ والأغتيالات بنحوٍ يومي وصار يلقي بتبعاتِ ذلك وغير ذلك على الأحزاب الدينية المهيمنة على العملية السياسية فيه , فكيف لهذين البلدين ان يُسَلّما مقاليدهما بأيدي ” داعش ” , وما المنطق ليختارَ شعبٌ الإنتقالَ من السيّئِ الى الأسوأ ..! , وعدا ذلك فأنّ هذا التنظيم وبأفتقاده البصيرة ” عسكريا وسياسيا ” صار يقاتل فصائلاً اخرى في المعارضة السورية التي تشترك معه في مقاتلة الجيش السوري الرسمي , ولمْ يفكّر حتى بالتحالف المرحلي مع تلكنّ الفصائل المعارضة , بغيةَ توحيد الجهد العسكري ضدّ النظام في سوريا .!! إنها المسخرة العسكرية وبالقلمِ العريض . ومنَ الغريبِ ايضاً انَّ هذا ” العمى السياسي ” قد قادَ وتسبّبَ ل ” داعش ” – وربما من دون ان تدرك وتستشعر – بأنها قد منحَتْ المبرّراتِ والمسوّغاتِ الواقعية لدخول مقاتلين وميليشيات تابعه لأحزابٍ دينية من دولٍ اخرى , وذلك تحت شعار : ” حماية المقدسات الدينية ” كمرقد السيدة زينب ” رض ” , ولو كانت داعش تمتلك الحد الأدنى من بُعد النظر السياسي لإدّعتْ – ولو كذِباً – انها تحترم هذه المقدسات ولا تتعرّض لها وانها حتى على استعدادٍ لحمايتها .! لكنها الغرائز حين تتحكّم بالبعض , فيصعب ايقاف عجلتها المنطلقة … وفضلاً عن كلّ ذلك فلا بدّ من الإشارةِ الى ما هو متعارف عليه ” وليس بجديد ” بأنّ من اولويات المفاهيم والمبادئ العسكرية : هي محاولة تحديد وحصر وتقصير طول جبهة القتال مع الخصم ما أمكن بغية عدم تشتيت الجهد العسكري , ولأجلِ تركيز الكثافة الناريّه , وكذلك لتسهيل الدفاع في حالة الهجوم المقابل من العدو , لكنّ داعش بدتْ وتبدو وكأنّها تفتح جبهةً على نفسها .!! فهي من جهةٍ تقاتل الجيش السوري الرسمي للدولة , ومن جهةٍ اخرى تريد مقاتلة العراق بغية ضمّه الى – دولة العراق والشام الأسلامية – , وهي ايضا تقاتل عددا من تنظيمات الجيش الحر والمعارضة السورية , اي انها اختارت القتال على ثلاث جبهات .!! ولا تدرك انها بذلك تخدم نظام الحكم في سوريا وتخفّف الضغط العسكري عليه عبر تشتيت جهدها العسكري والقتالي , عدا انها لا تسيطر على ايّ محافظةٍ سوريّةٍ بأكملها , وهي ايضا بعيدة كلّ البُعد عن العاصمة دمشق ” مركز النظام ” …. ولفهمٍ اوسعٍ لفلسفةِ داعش واسلوبها في الحُكم , فأنها قد اصدرت مؤخرا عددا من التشريعات والقوانين ” في المناطق التي تسيطر عليها ” , ومن بينِ هذه القوانين : – منع قيام الرجال بالبيع في محلات الأبسة النسائية .! ومنع التدخين على الجميع , منع فتح محلات الحلاقة , ومنع جلوس النساء على المقاعد , وما الى ذلك من السفسطات البالية – والغريب انها متعجّلة في أمرها بهذه التشريعات من قبل ان تصل الى سدّة الحكم التي تتصورها او تُقنع نفسها به . وإذ معروفٌ انّ مملكة ” داعش ” المفترضه تتنفّسُ ” وجوديّاً ” وتعيشُ ” لوجستيّاً ” على تركيا وحدودها الطويلة مع سوريا , وانّ قوْتها وقوّتها المحدودة تتأتّى من دولتي قطر والسعودية بالدرجة الأولى , فماذا لو فرضت الظروف الدولية على تلكنَّ الدولتين وقف هذا الدعم والإمداد الى داعش , او حتى لو تكاملت القناعه لدى الرياض وقطر بأن لا فائدةَ ترجى من هدر هذه الأموال دونما امكانية بلوغ هدف .! لا سيما انّ الرأي العام ووسائل الإعلام تشهد بدايات تحوّلٍ في المواقف الدولية والاقليمية تجاه هكذا تنظيماتٍ مثل داعش وجبهة النصرة ومشتقاتهما … انّه وبالنظرة التجريدية المحايدة , فمن الصعب فهم العقول التي تتصدّر وتدير قيادة داعش , أمّا العقول التي في رؤوسِ مقاتلي هذا التنظيم , فمن الصعب ايضا توصيفها بأيٍّ من وسائل التعبير…