18 ديسمبر، 2024 9:18 م

داعش” (إرادة دولية) وليست تنظيماً ايديولوجياً

داعش” (إرادة دولية) وليست تنظيماً ايديولوجياً

النصر الذي أعلنته الحكومة على “داعش” ليس نصراً نهائياً، ولو اكتفت بإعلان النصر في مدينة الموصل وحدها لكان أحجى وأنفع وأكثر واقعية، لكنها تعجَّلت في إعلان النصر النهائي، ربّما لأنها تدرك أن “داعش” ليست سوى (إرادة دولية) وأن هذه الإرادة اتّخذت قرارها بالابتعاد من العراق إلى مناطق أخرى أكثر أهميةً، كشمال إفريقيا التي ينتظرها أيضاً دمار هائل وصراع ربّما يطول أمده.
لقد ارتبط العراق – ولأجل طويل – بالمنظّمات والمؤسّسات الدولية، خاصة الاقتصادية منها، كـ(البنك الدولي) وحجم القروض الكارثية وحدها يكفي لبقاء العراق تحت هيمنتها إلى ما لا يقل عن ثلاثين عاماً قادمة، وإذا ما قُيّض للعراق سداد هذه الديون والتخلّص من ربقة المنظّمات الدولية، فسيكون تحت هيمنة جديدة ترفع شعار تصحيح أخطاء العقود السابقة! وفي هذا مايغني عن الحاجة الى داعش واشباهها بعدما تكبل العراق باغلال التبعية وتحقق الهدف المطلوب !
يذكر التاريخ أن رومانيا في عهد “نيكولاي تشاوشيسكو” تخلّصت من هيمنة (البنك الدولي) وسدّد كل ذمّتها المالية، وفي آخر دفعة تسدّدها اندلعت الثورة على “تشاوشيسكو” ودخلت رومانيا في نفق مظلم انتهى بها إلى ديون جديدة ودورة أخرى من الفساد، ولعلّه ليس مصادفةً أن يكون أعلى مؤشّر للفساد فيها في عهد رئيس من خلفية دينية، حيث كان قِسّاً قبل تولّيه الرئاسة! تماماً مثلما سُلّمت إدارة العراق بعد 2003 لأحزاب من خلفيات إسلامية! فلماذا تمّ كل ذلك؟
أفغانستان هي المنطلق، فقد نجحت أمريكا في إنهاء الوجود السوفيتي فيها، لا بمواجهةٍ عسكريةٍ بين جيشين نظامين، إنما من خلال دعمها لمن أطلقت عليهم تسمية (مقاتلو الحرية)! الذين افتتحت لهم مكاتب في أغلب الدول العربية آنذاك وكانت صناديق التبرّعات تزدحم بالمال العربي المتّجه إلى افغانستان كما يزدحم الأفغان العرب في المطارات لمساندة إخوة الدين والإيمان في حربهم ضدَّ الاحتلال الملحد!
وفي أفغانستان نجحت أمريكا أيضاً في تجريم الشيعة كما نجحت في تجريم الاثنيات بنظر نظائرها من الاثنيات الأخرى، على الرغم من أن الشيعة قاتلوا الاحتلال السوفيتي دفاعاً عن وطنهم ودينهم وقدّموا التضحيات الجسام التي كان على رأسها علماء كبار كالشهيد السيد “محمد سرور الواعظ الحسيني” خريج حوزة النجف الاشرف العلمية، فيما واصل آية الله “محمد آصف محسني” مسيرة المقاومة والرفض، غير أن الإرادة الدولية اقتضت أن تبقى أفغانستان في دوامة الإقتتال والصراع على الأرض لينفرد العالم (الحر)! بما تحت الارض !
هل هي استراتيجية تدوير العنف؟ أم (تدويخ الشعوب)!؟
في البلدان التي تعجُّ بالاضطرابات التاريخية تسهل إثارة الأحقاد وتوجيه ماسورة البندقية نحو عدو مفترض! ويكفي فقط بضع صفحات من التاريخ تُنبش بإتقان لإثارة حرب كبرى، يكفي إشعال فتيلها أيضاً لإلهاء الشعب بمسائل جانبية تديم الفتنة الكبرى وتدعم بقائها وتتعقّد الأزمة عندما يتحوّل قادة الخراب إلى وسائل للنجاة تُصّيرهم فيما بعد رموزاً مقدّسة لا يمكن المساس بها!!
في العراق، بعد 2003 نُفّذَت كل الخطط ببراعة ورُسِمت الاستراتيجيات بدقّةٍ متناهية، واليوم وبعد 15 عاماً من الاحتلال/ التحرير! كادت الهوية العراقية تتلاشى أمام هويات جديدة ذات أبعاد مقدسة دينياً وعرقياً! فقد أصبحت الديموغرافية العراقية (شيعية- سنية- كردية) وأقليات على هامش هذه المكوّنات (الفسيفسائية)! وغابت هوية العراق أيضاً في هذه المعمعة، فقد وُصف دستورياً بأنه بلد متعدّد القوميات، والشعب العربي فيه جزء من الأمة العربية!
جزء من الامة العربية!
هذه محاكاة للخطاب القومي البائد ليس إلّا، وهي لا تعني إلا تمييع هوية العراق وتضييعها، وإلا فالفرد العربي في أيّة دولة غربية أو شرقية هو جزء من الأمة العربية، لكن أين هي هذه الأمة؟!
وعوداً على بدء، فـ”داعش” ليست سوى تنظيم ينشط بإرادة دولية ويضمحل بها أيضاً واستراتيجيته لا تقوم على الإمساك بالأرض، إنما على عمليات نوعية تقلق الأمن وتهدّد الاستقرار وتوقّع أكبر عدد من الخسائر البشرية، فلماذا إذن عادت للظهور مجدّداً بعد إعلان هزيمتها النهائية في العراق؟
عادت تعيش لتنعش التخندّق الطائفي والإثني في العراق بعد ظهور توجّهات سياسية من شأنها إقصاء قادة الخراب والموت، خاصة تلك التوجّهات التي تمثّلت في قوائم عابرة للطائفية وأخرى للعرقية، وهي توجّهات خطيرة جداً على مشروع إنهاء العراق وإلغائه! ولابد من “تدويخ” الشعب ليستنجد بقاتليه!
أما الحلّ، فإنه يكمن في تعزيز إرادة الإصلاح والمشاركة الفعّالة في الانتخابات البرلمانية القادمة بقوّة ودعم التوجّهات العابرة للطائفية والعرقية، خاصة تحالف (سائرون)، ويعجبني جداً توجّه الشاب العراقي “شسوار عبد الواحد” العابر للقومية، وإلا فلا خلاص من هذا الخراب، وستعود نفس الوجوه الممتصة للدماء والمبدّدة للثروات
الشيخ