إن سرعة الاحداث و التطورات التي تمر بها العراق يزداد يوماً بعد يوم حتى بات التحليلات و التنبؤ بما سيجري خارج القدرات الانسانية لأن مستحيل اليوم يتحقق في الغد حتى أصبح المستحيل و غير الممكن كلمات عديمة المعنى … فيبدو العراق بلد تحقيق المستحيلات بسبب الولادة غير الطبيعية منذ تأسيسها وان بقاءها وحدة واحدة كانت نتيجة حكمها بالحديد و النار من قبل من كان في السلطة رغم الثورات و الانتفاضات في القرن الماضي و كانت هناك مشاريع للتقسيم و لكن المصالح الدولية و طريقة الحكم فيها حالت دون ذلك و لكن هذه المشاريع كانت تراقب الفرصة السانحة رغم تعدد و اختلاف في الوسائل و المسميات حتى عام (2003) و بسقوط بغداد خرج دعاة مشروع التقسيم على الملاء ينادون بأنها الحل النهائي للمأسي و المعاناة في مقابل أصوات خجولة لدعاة الوطنية المزيفة بالرغم من فقدان العراق لهويتها فالشيعي يفتخر بإنتماءه الى مذهبه و الكوردي الى قوميته و السني في حيرة من أمره بين معارضته و مشاركته السياسية في فترات مختلفة … حتى بات للقاصى و الدانى بان التقسيم الى أقاليم (فدرالية او كونفدرالية) او دويلات اصبحت قراراً حتمياً لامفر منه و لكن الية التقسيم في هذه المرحلة اختلفت عن سابقتها فإن الجماعات الارهابية تواجدت في العراق منذ فترة ليست بالقصيرة تحت اغطية متنوعة ولكن داعش التي مزجت الفكر الديني المتطرف بالفكر القومي الشوفينى لتخرج كجماعة ارهابية اسست دولتها على القتل و الذبح و التدمير و الاغتصاب فالأنسان في ظله خلق عديم الحقوق في الحياة تفعل به ماتشاء للترهيب و التخويف و لكن الذي لايختلف عليه اثنان ان (داعش) جماعة مسيرة لتحقيق أهداف معينة في المناطق التي تسيطر عليها و في العراق عامة و ان من ممارساتها تشمئز منه الضمير الانساني فإنها الاداة لرسم الحدود تمهيداً للتقسيم فعندما سيطرت على محافظة نينوى و استغلت مواردها اخرجت من كان فيها من المسيحيين و الايزديين و كل شيعي من العرب و الكورد و التركمان وبدأت تهاجم أقليم كوردستان في النصف الثاني من العام الماضي و لكن بجهود أبطال البيشمركة و دعم كل مواطني الاقليم و مساعدة طيران التحالف الدولي و على رأسها أمريكا تمكن من صد هجومها و دحرها و كسر شوكتها و هيبتها و قدم الشعب الكوردستاني تضحيات جسام و لكن هجوم داعش على الأقليم فتح الباب على مصراعيها لإعادة (95%) من المناطق الكوردستانية خارج الأقليم و التي كانت معروفة بالمناطق المتنازع عليها المؤشر اليها في المادة (140) من الدستور العراقي لعام 2005 و بذلك يكون قد رسم الحدود بين الأقليم و المناطق السنية
المتاخمة و تم تطبيق هذه المادة المتنازعة عليها ولكن بطريقة أخرى غير المنصوص عليها في الدستور ولم تبقى الا اليسير من هذه المناطق .
ولكن مهمتها لم تنتهي عند هذه الحد لأن المناطق الفاصلة بين الأقليم السني و الشيعي تحتاج الى رسم الحدود لوجود مناطق تتنازع عليها و رغم تعالى الأصوات لأبناء مدينة الرمادي بضرورة المساعدة وتقديم الاسلحة لأكثر من سنة إلا أن الحكومة الاتحادية ولتبريرات متعددة غض البصر من مطاليبهم و داعش تنتظر الفرصة حتى استغلت الاوضاع و انهيار المؤسسات العسكرية و الامنية في الانبار واستطاعت السيطرة عليها و فعلت فعلتها كما فعلت في مدينة الموصل و أختلفت الروايات و التحليلات و أصبحت هذا الانهيار حديث الساعة و خلفت وراءها المأسي من نزوج الناس الابرياء الى مناطق أخرى في ظل ظروف معيشية صعبة تندل منه الجبين ناهيك عن قتل أعداد كبيرة بأساليب متنوعة و تشير المعلومات بإتجاهها صوب الحبانية و أعلنت ان سيطرتها على مدينة الرمادي مفتاح لدخول بغداد حتى أصبحت الدخول الى بغداد امر يهم دولة إيران التي تدير الحكومة فيها … لأنه وفق التحليلات السياسية واراء المقربين من اروقة صناعة القرار الامريكي تشير بأن بغداد سيكون عاصمة للأقليم (دولة) السنية و كركوك عاصمة أقليم (الدولة) الكوردية و النجف عاصمة للشيعة فإن زيارة وزير الدفاع الايراني لبغداد في (18/5/2015) دليل على مخاوف إيران من سقوطها بيد داعش .
ويشكل مختصر على الرغم من المأسي والمعاناة التي تخلفت وراءها هذه الجماعة الارهابية بكل مافي الكلمة من معنى إلا أنها قد رسمت الحدود بين الأقاليم المكونة لدولة العراق تمهيداً للتقسيم لأن أي مشروع من أجل إنجاحه وجعله أكثر واقعية لابد من تهيئة الأجواء و الأرضية المناسبة له فإن تقسيم العراق بات مطلباً في هذا الوقت بعدما كان جريمة لاتغتفر في أوقات سابقة ولكن بسكينة داعش .