23 ديسمبر، 2024 12:19 م

((داعش)) ؛ مرحلة أخيرة من مراحل العدوان الديني المذهبي في التاريخ

((داعش)) ؛ مرحلة أخيرة من مراحل العدوان الديني المذهبي في التاريخ

لو اطلعنا بجولة سريعة على تاريخ العدوان والحروب الدينية في العالم ، لتأكد لنا بأن العدوان الديني ليس وليد العالم المعاصر ، ولم تكن النظريات السياسية سبباً وحيداً للتحريض عليه ، بحجم ما أحدثته الأديان الأرضية أو السماوية نفسها،من أسباب فعّـلت العدوان بين بني البشر. ولعل هذا التداعي نابع مما يأتي :

كانت الحرب بسبب الدين هي النموذج السائد في حروب العصور الوسطى والقديمة ، وكان الدين في تلك الفترة هو السبب والمحرك الرئيسي للحرب ، وكانت الحروب تعد نزاعات يتجلى فيها تفوق آلهة بعض الشعوب على البعض الآخر، وكانت تعتبر حروباً خاصة بالآلهة نفسها وبيان لتفوقها. تتسم الحروب المقدسة في اليهودية بأنها تعتبر حروب للسيطرة على كل الكائنات الحية من نساء ورجال وأطفال حتى الحيوانات لم تسلم منهم وإحراق الممتلكات المادية ما عدا المعادن النفيسة مثل الذهب والفضة والنحاس والحديد، وكان يدعم هذه التكليفات تهديدات بعقوبات سماوية لمن يخالفها، بقدر ما كان كتاب العهد القديم ” التوراة ” ممتلئ بتفاصيل عن الحرب، إلا أن العهد الجديد خلا تماماً من أي شيء خاص بالحرب ، إلا انه مع تحول المسيحيون إلى أغلبية في نهاية القرن الرابع للميلاد واعتناق الإمبراطور الروماني للديانة المسيحية ، بدأت الحرب تأخذ شكلاً دينياً ، وتعتبر دعوة القديس امبروز ان البربر المتمردين على الإمبراطور المسيحي جراسيان هم أعداء الله في الأرض، فكانت أول شكل للحرب الدينية في المسيحية، وقامت بعد ذلك الحروب الصليبية لاستعادة فلسطين من أيدي المسلمين. وبعد ذلك ظهرت الحروب الدينية الطاحنة بين المسيحيين في أوروبا .. بعضهم البعض ، حيث برزت الحروب بين البروتستانت والكاثوليك ، بعد انفصال الكنيستين عن بعض. وتعتبر معاهدة وستفاليا أول معاهدة أبرمت بغير تعاليم دينية ، حيث ترك الأوربيون الدين ؛ كسبب للصراع. ثم حروب فرنسا الدينية (1562 ــ 1598) بين الكاثوليك الفرنسيين والبروتستانت ، وتضمّنت كلاً من الحروب المدنية والعمليات العسكرية المسلحة. تضمّنت الحرب أيضاً الصراع بين بيت البوربون وقوة بيت جوس متحدا مع الاتحاد الكاثوليكي. بالإضافة إلى أنه من الممكن أن يكلف عليها حرباً بين الملك فيليب الثاني ملك إسبانيا والملكة إليزبث الأولى ملكة إنكلترا . أما في الإسلام ؛ فيعتبر الجهاد هو نموذج للحرب الدينية ، ويعتبر فرض على كل مسلم بالغ عاقل قادر، وإن ثوابه دائماً هو الجنة, والجهاد هدفه هو الدفاع عن المسلمين ، وليس فرض الإسلام على أي شعب . وقد قام المسلمون بفتح العديد من المناطق، واستمرت الحروب الإسلامية بعد ذلك حتى وصلت الدولة الإسلامية إلى أقصى توسعاتها في نهاية الدولة الأموية ، حين وصلت إلى الهند والصين شرقاً،حتى الأندلس غرباً وجنوب فرنسا. وتوقف التوسع الإسلامي في أوروبا حين هزمت الجيوش الإسلامية في معركة بواتييه، ولكن الحرب تحولت من هجومية في الفترات الأولى للدولة الإسلامية إلى دفاعية بعد ذلك ، حين قام الصليبيون بشن حروبهم ضد المسلمين للاستيلاء على القدس ، وقيام حروب الاسترداد في إسبانيا .. الأندلس التي انتهت بطرد المسلمين من إسبانيا نهائيا في عام 1492 بسقوط غرناطة.وإنَّ من أهم مبادئ الإسلام ؛ لا إكراه في الدين . لقد تم محاربة من يحاولون مقاتلة المسلمين فقط ، كما أنَّ من أهم مبادئ الجهاد في الإسلام هو الدفاع عن المقدسات الدينية ، دون انتهاك لكرامة الإنسان على الأرض .

مع عام 6481 بدأ تأثير الحروب الدينية بالانتهاء ، إلا أنَّ الدين ظل لفترة من الزمن يستخدم كحافز للجنود ، ولكن؛ مع القرن السابع عشر لم تشن حرب بسبب الدين في أوروبا ، رغم ما

حصل في البلقان من شن حرب ظالمة ضد فكرة قيام دولة إسلامية في البوسنة والهرسك ، فراح ضحية العدوان الصربي على المسلمين الآلاف من المسلمين الأبرياء ،فانتُهكت أعراض، وصُدِّرَ أطفالٌ يتامى إلى إسرائيل لأجل تهويدهم ، ولا أظن ذلك حصل بدافع ديني ، ولعله بدوافع سياسية ، خوفاً من خلق كيان إسلامي في قلب أوربا ، ربّما سيكون نواة لإمبراطورية إسلامية جديدة، تسقط هيبة أوربا في العالم ، مثلما أسقطت الدولة العربية الإسلامية إمبراطوريات الروم والفرس والقياصرة وغيرهم في غابر الأزمان .

ومع إنَّ الدولة المدنية قد أعلنت في الدول الإسلامية ، إلا أنه لا تزال فكرة الجهاد تسيطر على الكثير من الحروب في المناطق الإسلامية ، مثل الحرب في لبنان ضد الاجتياح الإسرائيلي والجهاد ضد السوفيت في أفغانستان والروس في الشيشان، وهذا بطبيعته يُعَدُّ خطراً مُهدد .

والحالة هذه؛ فقد أشَّرت التداعيات الآنفة بأنَّ مرحلة العدوان الديني آلت إلى الانقراض في العالم المتمدن ، بسبب إفرازها للمظلوميات الإنسانية على الأرض . فلم تعد هنالك حروب دينية بحجم ما كانت عليه في القرون المنصرمة ، ولعل النزعة القومية لازالت تسود التجمعات البشرية على الأرض .. هنا وهنالك ، إلا أنها ليست ذات بال ، ولعل النزعة الديموغرافية لازالت تؤثر على سلوك بعض المجتمعات المتخلفة، إلا أن هذا وذاك لا يعدمان تطلع الشعوب والمجتمعات إلى إقامة الدولة المدنية الديمقراطية التي يعيش فيها الناس جميعاً بحالة يحكمهم فيها الدستور والقانون والعدالة الاجتماعية .

عندما ننظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو السويد أو أستراليا أو بريطانيا أو ألمانيا مثلاً ؛ ونراها تحتضن المسلم والمسيحي واليهودي .. تغدق عليه مما تجبيه من ضرائب تأخذها من مواطنيها وتقدمها إلى اللاجئين السياسيين والإنسانيين من كل بقاع العالم ، يتجلى لنا الحضور الجديد للعقل المتطوّر .. الخارج على نظرية العدوان بسبب الاختلافات الدينية والمذهبية والعرقية . وعندما نرى رئيس أكبر دولة في العالم اليوم .. الرئيس الأمريكي باراك أوباما .. (الأسود) يحكم أمريكا .. زعيمة العالم ، بعدما كانت أمريكا تعاني من أزمة التفرقة بين البيض والسود، هي اليوم تحكم برئيس أسود أو وزيرة خارجية سوداء أو أعضاء مجلس شيوخ سود، يتجلى لنا كيف أن الإنسان الغربي تطوّر إنسانياً وتنوّر عقله إلى ما نراه ومررنا عليه من ملاحظات مألوفة .

نرى هذا ؛ ونرى حالنا نحن العرب والمسلمين اليوم ، كيف تحوّلت المحبة والإنسانية التي جاء بها نبينا محمد (ص) إلى تربية عدائية ضد الآخر المختلف .. المختلف في الدين .. المختلف في المذهب .. المختلف في الرؤية ، لدرجة التكفير بسم الله الرحمن الرحيم دون تفويض من الله .

ما تبثه القنوات الفضائية الإسلامية ؛ ولا أستطيع أن أسميها بالقنوات المسلمة ، تلك التي تنفث السموم في عقول الناس ، وتغريهم بجنة هي النار والجحيم التي سيصلونها سعيرا .

ما نعاني منه اليوم من هؤلاء (الدواعش) .. هؤلاء قومٌ لا هم من اليهود ولا هم من النصارى ولا هم من المسلمين ، يقتلون المسيحيين ويستحيون نساءهم وينهبون أموالهم .. يقتلون المسلمين ويستحيون نساءهم وينهبون أموالهم . ولو كان في العراق أو سوريا يهود متنفذين ، لفعلوا بهم ما فعلوه بغيرهم من أهل الأديان .. الدنيوية والسماوية ،هم صناعة إبليس !!!

من هنا يتبيّن لنا بأن مرحلة العدوان الديني بين بني البشر وصلت إلى نهايتها على الأرض ، لأنها تحوّلت من مراحل الصراعات الدينية بين أديان البشر الدنيوية ـ السماوية إلى أديان البشر السماوية ـ السماوية إلى مرحلة اللادين الذي يحارب كل الأديان .. الدنيوية والسماوية .

وعندما تتحول الصراعات الدينية والمذهبية إلى ما تحولت إليه اليوم ، سوف ترفض الإنسانية المعذبة كافة النظريات والأديان والمعتقدات الدنيوية والسماوية ، فتتحقق الحاجة المطلقة إلى

من ينقذ العالم من كابوس اللادين بدين سماوي قويم ، يحقق عدالة السماء على الأرض ، ولن يأتيَ دينٌ جديدٌ بعدما حسمت إرادة الله تعالى ختام الأديان بالإسلام المُصَدِّق للتوراة والإنجيل.

العالم الإنساني اليوم بحاجة إلى منقذ يحل أزمة الحضارة الإنسانية ؛ وليس ثمة حلٌّ لأزمة الحضارة اليوم إلا بغيب السماء ، بعدما عجزت القيادات البشرية من أن تحقق العدالة القاهرة على الأرض ، فلو كان باستطاعة الأمم المتحدة والولايات المتحدة والدول العظمى أن تحل المشكل الحضاري الإنساني للشعوب والأمم في العالم ، ولو كانت تمتلك الإمكانيات اللازمة لحل الأزمات الحضارية على الأرض ، لحلوها بالأمس قبل اليوم ، لكنهم جميعاً عاجزون . ليس أمام البشرية غير التدخل الغيبي لحل أزماتنا الحضارية في العالم ، ولا يمكن أن يشجّع الله تعالى على إيمان الإنسان على الأرض بالتخلي عن أطروحة السماء واللجوء إلى الإلحاد المطلق، حيث ترى البشرية فشل المشروع الديني وتعطل نظريات السماء والعقائد الدينية السماوية ، بل؛ لعلها أمست مشكلة حضارية ، ومدعاة للقتل والتهجير والسبي والإرهاب المجتمعي في العالم . فلو كانت الأمم المتحدة ومجلس الأمن والولايات المتحدة قادرة على حل مشاكل العالم . أقول لوكان المجتمع الدولي قادراً على حل الأزمات لحلها.

هذه المشكلة البسيطة التي استغرقت أكثر من ستين عاماً .. قضية فلسطين لم تحل . وواهم من يظن أنَّ اليهودَ مرتاحون في هكذا وطن قلق ، إنهم تعرّضوا إلى مؤامرة سياسية في أوربا ، أرادت السياسات الأوربية أن تبعدهم عن أوربا ، فصيّروا لهم مكاناً آخراً غير أوربا ، إنهم يعانون من القلق والتهديد منذ عام 1948 حتى اليوم ، ولعلهم يحسّون بداخلهم؛ قد تورّطوا بمشروع تيوردور هرتزل الذي نقلهم من جنة أوربا إلى جحيم فلسطين . كما أن الفلسطينيين يعانون هم أيضاً بسبب احتلال وطنهم من قبل الصهاينة اليهود . هذه المشكلة التي تعتبر بسيطة حضارياً .. سياسياً .. جغرافياً .. إنسانياً ؛ الولايات المتحدة والأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والجامعات والمراكز البحثية وأحبار وبابوات ومراجع الأديان غير قادرين على حلها .. ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا . فكيف يستطيعون أن ينقذوا العالم من ضائقته الحضارية ، وكل الخطب والنظريات أثبتت عجزها عن حل مشاكل العالم .. مشاكل العالم تحل إما عن إنهيار يفضي إلى قبول الوقائع ، أو بالمصالح المشتركة. وبكل تأكيد إنَّ هكذا حلول ؛ لن تستمر طويلاً ، إذا ما أيقظت فتنة نائمة يوماً ما ، لأنها تعليق للأزمات وليست حلول حاسمة لقضية .

من هنا يكون من اللطف والعدل الإلهي أن تعيد الذات الإلهية نفحاتها التي فارقت الدنيا منذ رحيل المصطفى (ص) حتى اليوم ، وكيف انقسمت الأمّة المسلمة على نفسها وتناحرت بعده ، مثلما انقسمت الأناجيل وتعددت بعد رحيل اليسوع المقدس (ع) إلى السماء ، وكيف حُرِّفت التوراة بعد رحيل نبي الله موسى (ع) . ولن يكون هذا إلا من خلال إعادة ثقة الإنسان بالأديان ، كي يبقى الرّبُّ في القلوب ، ويبقى العالم يدق أجراس الكنائس في الآحاد ، ويرفع الأذان في الصبح والظهر والمساء ، دون كفر وإلحاد ، فينتشرُ الحُبُّ في النفوس وترتسم الإبتسامة على وجه العالم .

المرحلة التي يمر بها التاريخ الحضاري البشري اليوم ، يؤشِّر قرب حصول الفرج ((المنتظر))، لأنه لا يُعقل بأنْ يُنهيَ ((داعشُ))العالمَ ، أو يُسْقِط َ أطروحة السماء على الأرض ، ولايُعْقلُ أنْ يُهْمِلَ اللهُ عبادَهُ المؤمنين الصالحين ، ما أَمْهَلَ الظالمين !

والله من وراء القصد ؛؛؛