23 ديسمبر، 2024 3:08 م

داعشيات ما قبل الداعشية

داعشيات ما قبل الداعشية

تنتعش الداعشية مع محاولات تأطير المجتمع دينيا والرهان المستمر على المرجعيات الدينية والطائفية والقمع الطائفي والجهل والامية والولاءات الرجعية وتدني الوعي الوطني وتهميش دور المثقفين والمبدعين في تثبيت التوجهات والخيارات الوطنية الكبرى!وبالتالي انتشار سرطان انصاف المثقفين واشباههم والادب الشوفيني الطائفي الانتهازي الوصولي!واساليب التزويق البياني والزخرفة اللفظية!وتبني سياسة تأييد الراهن واشاعة ثقافة الخنوع والخوف واليأس وغسل الأدمغة والتجهيل والسفسطة والنفعية،والغاء العقل النقدي والتنوع في الرأي!

الداعشية وحركات الاسلام السياسي تجهد لاحياء عهود ما قبل الدولة الحديثة والعقد الاجتماعي(هوبس)،عهود ما قبل السياسة،وتمتلك آيديولوجياتها الشمولية التي تنقضّ على الدول الضعيفة المرتبكة في اتون العولمة المعاصرة!ولتستعين بالحاكمية الآلهية ودولة الخلافة والهويات الجزيئية والوشائج الاصطفائية والميليشيات!ولتستغل وظيفة الدين المجتمعية في سعيها ان يسهم الفهم الديني المتطرف وخاصة الفهم السلفي الجهادي والطائفي في تبرير اعمالها الارهابية البربرية والشاذة!والداعشية او التدعش،ظاهرة اجرامية خطيرة تروج لثقافة السيف والذبح والصلب والجلد والرجم والسبي وفرض الاتاوات ونسف القبور والاضرحة والنصب التذكارية!لا تختلف قيد انملة عن ثقافة الخداع الدائم والشقاوة الابدية والرايات السوداء والملابس السوداء!ثقافة البكاء على الاموات والاطلال واللطم على الصدور وضرب الرأس بالقامات واسالة الدماء منها ولبس الاكفان البيضاء والتباهي بها وضرب السلاسل وتعذيب الذات!

لولا تصاعد مظاهر التفرد بالسلطات والقمع والارهاب الحكوميين وانتهاكات حقوق الانسان والفساد وهدر ونهب المال العام واشاعة اسلحة الكذب والخداع الشامل والاستيلاء على المفوضيات المستقلة والنقابات والمؤسساتية المدنية في بلادنا ومحاولات غسل ذاكرة الشعب الوطنية،ولولا انتهاز الطائفية السياسية والولاءات المتنفذة الانتقائية الدستورية والأهواء

الشخصية لفرض سطوتها عبر الرهان المستمر على القمع والعسف والجهل والامية!ولولا هذه العقلية المريضة التي تسترسل في الموقف الذي يعتبر نفسه دائما على حق ويرفض الاستفادة من الآخر ليخلق المشاكل اكثر مما يحل بالحلول الترقيعية والمبادرات الصبيانية واعادة انتاج التبريرية النفعية التي لا تزال تعتز بالعلم العراقي الذي اوجده صدام حسين وكتابة الله اكبر،العلم الذي تحت لوائه غزا الدكتاتور الكويت وشن انفالياته الكيمياوية ضد الشعب الكردي واقام استعراضاته العسكرية التهريجية،وخرج تلاميذ المدارس يرفعونه صباحا ويتغنون ب(بابا صدام)!ولولا الفوضى السياسية العارمة والتمادي في الاستهتار والازمات السياسية المتتالية وتردي الخدمات العامة ونمو التضخم الاقتصادي وانتشار البطالة وتواصل مسلسل القادسيات الايمانية!ولولا سلطانية الحكام الذين ينصبون انفسهم متحدثين اخلاقيين الى وعن الشعوب،كأنهم خبراء ومتخصصين في سلوك وتصرفات هذه الشعوب المغلوبة على امرها،ليحددوا لها ما يصح وما لا يصح،ما يناسب وما لا يناسب!ولولا الفتاوي البليدة والدعوات المغرضة لبعض المراجع الى عدم الوقوع في فخ الرياضة والانترنيت وحبائل الفن والموسيقى والباليه والمسرح والسينما والنحت والرسم التشكيلي لأنها من وحي الشيطان والزندقة!ولولا فوضى التحريم التي لازالت تمنع الآلات الوترية وآلات الايقاع ليتحول بعض المطربين من الغناء الى الندب والرثاء واللطم على الصدور في المواكب والشعائر الدينية!ولولا تآكل المشهد الثقافي بالرضوض السايكولوجية والاجتماعية التي ولدت عند المثقف والفنان الصدمة الكبيرة والخوف من المجهول ومن التوتر النفسي والامني والاجتمااقتصادي!ولولا انتهاك حرمة الجامعات والوسط الاكاديمي وتدني المستوى العلمي والعزلة العلمية التقنية وانتشار مظاهر التعصب والعدمية وممارسات الرعاع وانصاف المتعلمين ومحاولات الفصل بين الجنسين وتحول باحات وقاعات وحدائق ومكتبات كليات مرموقة في الجامعات الى مواكب عزاء عاشورية بالمعنى الكامل للعبارة!!ولولا تحول القضاء الى بنت هوى للسلطات التنفيذية وتبرئة الوزراء الفاسدين لعدم كفاية الادلة،الى قضاء مسيس وغير مستقل!ولولا الارهاب الذي ارتكب ويرتكب الفظائع في المدن ومدفوع بآيديولوجيات شريرة لا علاقة لها بالظلم او القضايا المسببة لسخط الناس وابتداعه الأساليب الجديدة عبر تفخيخ السيارات والأحزمة الناسفة وزرع العبوات الناسفة واللاصقة على جوانب الطرق وفي الاسواق

والتجمعات المكتظة بالناس واستخدام كواتم الصوت في الاغتيالات الهمجية..الخ!ولولا فضائح السجون والمعتقلات وهروب اعتى المجرمين بالجملة والحال السئ الذي وصلت اليه حقوق الانسان والتي تنتج لنا كل يوم عشرات الجثث المعروفة والمجهولة؟!ولولا غياب وتغييب لجان التحقيق وطمر ذاكرة نصف عقد من الزمن لأن ثقافة شراء السكوت المتبادل بين الضمائر العفنة(اصحاب النفوذ) وازدهار تجار السياسة والثقافة في كرنفالات الاستعراض والتهريج وشراء الذمم وولائم الصفقات والعمولات والتعهدات خلف الكواليس والمغانم هي الثقافة السائدة لينام اللصوص والحرامية والقراصنة رغدا!ولولا السلوكيات الشوفينية والطائفية التي سادت الحكام والأحزاب السياسية حتى بعد عام 2003!لولا ولولا … كل ذلك،لما سقطت الفلوجة والموصل وسنجار وزمار وتكريت وهيت وبيجي والرياض ومخمور ومناطق واسعة في ديالى بأيدي داعش دون مقاومة.

تستلزم المعركة مع الداعشية والبربرية المتوحشة والطائفية السياسية التمسك بالقيم الانسانية،قيم الحرية والعدالة،واعطاءها الدلالات الملموسة،والتحول من موقف المتفرج المنتظر للفرج الى الموقف الفاعل الناشط العملي عبر الالتزام بمبدأ فصل الدين عن الدولة ونبذ نظام المحاصصة الطائفية والاثنية ورفض الشمولية والتمييز العنصري والديني والطائفي والفكري وازاء المرأة بمختلف اشكاله ومظاهره،وقبر الميليشيات بمختلف مسمياتها والسواني والمجالس العرفية والمحاكم الثورية والخاصة ومحاكم امن الدولة!ولا يمكن ان يحصل ذلك الا تحت ادارة واشراف الدولة المدنية الديمقراطية والعلمانية التي تبتغي العدالة الاجتماعية وتحترم كل الاديان والمذاهب وتسمح لها بممارسة طقوسها وتقاليدها بحرية وتمنع عنها الاساءة والتمييز!