8 سبتمبر، 2024 2:24 ص
Search
Close this search box.

دارك يا الأخضر وليس العنابي

دارك يا الأخضر وليس العنابي

من عادتي بعد ان تهدأ الفورة أعاود الكتابة على نفس الموضوع، لان رد الفعل الأولي بالعادة رد فعل عاطفي قد تغيب عنه امور مهمة لم يُنْتَبَه لها. وايضاً لان الجمهور قد ينسى الحدث وتداعياته في زحمة الأحداث المتلاحقة. وهذا النسيان اخطر تأثيراً من رد الفعل الأولي التلقائي الذي يصدر من الأطراف المهتمة بالحدث لسبب او آخر. لان صانعي الأحداث يتوقعون ردود الأفعال التلقائية واعدوا لها المصدات الكافية لاستفراغ قوتها وبالتالي لن تهمهم كثيراً، اذا ما حافظت على صفتها كرد فعل ينتهي تأثيره بزوال رد الفعل الغرائزي، وسوف يلفه النسيان عندما تخمد الغريزة في الدفاع عن النفس حين استشعار الخطر. انما لو تحول رد الفعل هذا الى عملية عقلية وتحليل للحدث فلن ينتهي تأثيره بل سيكون مشروعا مقاوما لكل طارئ غريب ويجهض كل مغامرة عدوانية ويحبط خطط من يصنع أحداثاً يريد ان يمرر بها مشروعه الخاص. هذا المشروع المقاوم هو ما تخشاه تلك القوى التي تريد استغفال او استغلال الشّعوب. لان مقاومة العدو رد متوقع لكن ما يخشاه العدو اكثر ليس المقاومة بل وعي المقاومة.

الملاعب العراقية المخصصة لكرة القدم احتضنت وتحتضن هذه الأيام فرقا عربية لكسر الحظر المفروض على هذه الملاعب وهي خطوة بالتأكيد مرحب بها شعبيا لانها سوف تعيد فرحاً وبهجة الى جمهور واسع من الشباب ويشكل هؤلاء الشباب النسبة الأكبر من عموم الشعب.  واستجلاب فرق للعب في المدن العراقية امر حسن ويشكل خطوة جيدة تعكس أداءاً ممتازاً في قيادة هذا الملف وكل هذه أمور حسنة لا ينبغي إنكارها ولا التقليل منها بل يوجب شكر كل من عمل عليها وإسداء الثناء اليه لانه يستحقه. انما ما يلفت الانتباه ان زيارة فريق واحد فقط هي التي اثارت الاهتمام الواسع، اما زيارة غيره فلا تعليق عليها وتمر مرور الكرام مع انه من الناحية الفنية فانه لا فرق ولا تأثير مختلف لفريق عن آخر بل كلهم سواء في مساهمتهم في رفع الحظر. مع ملاحظة ان الاهتمام بزيارة جميع هذه الفرق هو مساهمتها في رفع الحظر لا غير والا ان كل المباريات هي مباريات ودية ليس فيها اي تنافس فعلي.  فقط مباراة السعودية أعطيت مساحة واسعة جداً من الاهتمام والترويج الدعائي وأبرزت على انها الفتح المبين والنصر المؤزر وغيرها لم يحظَ بعشر معشار هذا الاهتمام ولا الجدل الذي اثير حولها وهذا المقال نفسه هو جزءٌ من هذا الجدل.

يا ترى لماذا رفع شعار دارك يا الأخضر ولم يرفع دارك يا العنابي او يا السوري او الفلسطيني؟ الدول الأربعة وقفت موقفاً سلبياً من التغيير ما بعد ٢٠٠٣ وكان لها مساهمة لا تخفى على عاقل في كثير من الأحداث التي سببت كثيراً من الالم للعراقيين. فمن ينسى دور الجزيرة القطرية في التأليب والتحريض على اي عمل تخريبي يحيل حياة العراقيين الى فوضى ولن ينسَ احد كيف أصبحت الدوحة ملاذ كل مجرم من ازلام النظام السابق او كل مخرب في العهد الجديد اما التمويل والتسليح والتآمر فلا ينكره الا معاند. وسوريا التي كانت ممراً لقوافل الاٍرهاب وسياراته المفخخة حتى ان رئيس وزراء عراقي سابق هدد بمحكمة دولية مثل محكمة الحريري وهلّل كثير وغنى بطرب لهذه الخطوة الشجاعة وان لم تكن سوى كلام كعادة صاحبه. اما فلسطين التي اضحى العراقيون يكرهون هذه القضية المركزية بل ربما تعاطفوا حتى مع التطبيع بغضا ًبالانتحاريين الفلسطنيين. وصار من العادي جداً ان يستهزأ بك كثير لأنك مازلت على افكارك القديمة بما فيها من ثورية متخلفة اما يوم القدس ويوم الارض فهما باتا مثار سخرية بسبب أفواج الانتحاريين. اذن لماذا لا يُهتم بنفس درجة الاهتمام بزيارة هذه الفرق مع انها تشترك جميعا في موقفها السلبي الداعم للتخريب والارهاب. واذا كانت زيارة الفرق رياضية وحسب فالكل ساهم في رفع الحظر بل ان فلسطين كانت سباقة واذا كانت الزيارة لرفع العلاقات العربية مع العراق الى وضعها المأمول من التقارب بعد القطيعة فالامر سواء فيه قطر والسعوديّة.

إذن لماذا دارك يا الأخضر وليس العنابي اذا استبعدنا السوري بعد تحول موقفه بسبب الأحداث التي حصلت هناك وكذلك لو استثنينا الفلسطيني لانه لا يملك ثقلاً لا عربيا ولا في المنطقة. اما ان هذا الفريق المرحب يدرك الدور الكبير والخطير  للسعودية في التآمر على العراق وشعبه ويعرف جيدا ان كل ضرر لحق بالعراق تقف وراءه السعودية وان الآخرين ليسوا سوى ملحق ثانوي حتى وان كانوا بحجم قطر التي أشعلت فتناً وثورات في غير مكان. قطر بكل امكانياتها المادية والإعلامية والتخريبية المخابراتية لا يثير حضورها حماساً عند هذا الفريق، لانه لا يرَ في قطر سوى صبي مشاكس امام عملاق سعودي في الارهاب والتخريب ومتى ما درء الخطر السعودي فلا خطر بعده ان كان قطرياً او اماراتياً او  فلسطينياً فهم ليسوا الا لاعبين ثانويين او ملاحق صغيرة بالدور السعودي. واذا لم يكن هذا فهمه للدور السعودي الكبير فلا يمكن تبرير تجنيد هذا الفريق لكل امكانياته الجماهيرية لاجل الترحيب المخصوص بهذه الزيارة وتبرير التقارب المفاجأ بكل الأساليب والأعذار.

واذا لم تكن هذه رؤيته فاخشى ما اخشاه ان يكون هذا المر حب بتوجيه بين احتمالين اما ساذجاً حد الغفلة او جزءاً من مشروع يلزم ان يقابله مشروع مقاومة.

أحدث المقالات