23 ديسمبر، 2024 6:11 م

دائرة الطباشير الانتخابية

دائرة الطباشير الانتخابية

ليس سوى عراق كما قال سيابنا العاشق(بدر شاكر السياب) وهكذا لم  أرى ولم  اقرا ابدا أي شيء الا وجدت العراق لقد وجدت العراق في كل شيء وكان الكون كله فيه كان الزمان والمكان والحدث اندك فيها  حيث لا هوى الا هو وبهذا اجبت عندما سالني احد الاخوة الأعزاء عن سبب اصراري على تكرار اسم العراق في مقدمة عنوان كل مقالة لي. وفي العراق وجدت مسرح برشت وجدت الام الشجاعة ووجدت دائرة الطباشير القوقازية ووجدت في العراق V for Vendetta وفي ظل الصراع حول تشريع قانون الانتخابات وفي ظل تهديدات الاكراد وفي ظل التسويف والمماطلة في مواجهة الإرهاب ومكافحة الفساد الإداري والخضوع لاجندات اجنبية خارجية والتلكؤ على صعيد توفير الخدمات وتوفير فرص العمل والعيش الكريم  في عراق الام الشجاعة حيث البعض يحاول البقاء والتكييف  في ظل الحروب والصراعات باي ثمن وباي صورة البعض بالمقاومة والأخر بالهرب والثالث بالاستسلام والرابع بالنفاق والخامس بالجاسوسية وبان يتحول الى مرتزق من المرتزقة على أساس ان(زلمة الزعيم زعيم)يذكرنا باخفاق تجار الحروب الصغار  في  كل من تحول الى تاجر ازمة  يعيش من اجل اللحظة فقط وهو امر يذكرنا بمسرحية ” الام كوراج وابناؤها” (مسرحية الأم الشجاعة  ) في أيام الحروب الدينية في اوربا، وبالذات في ربيع عام 1624 حين كان جيش ملك السويد يستعد لغزو بولندا ، بينما يقوم العرفاء في جيشه الذين يعتبرون الحرب الوسيلة الوحيدة لفرض “النظام والحضارة”، بتجنيد الشباب للحملة القادمة. وبرأي العسكر انه بدون الحرب والعنف لا توجد أية أخلاق – وبرأيهم اذا لم يسيطر النظام العسكري فعندئذ يتجول الفرد وفق هواه ، ويقول كل ما يريد التفوه به، ويأكل كل ما يحلو له. فأي نظام في الدولة هذا الذي يسير بدون أوامر وبدون محاصصة في التموين وبدون محاسبة!.وفي المسرحية، يقوم شابان بجر عربة الأم البائعة المتجولة آنا فيرلينغ (وأصلها من بافاريا في المانيا) التي اطلق عليها اسم “كوراج” أي الشجاعة، لأنها لم تكن تخاف قصف المدافع وازيز الرصاص. وكانت ترافق بعربتها التي يجرها ولداها الكتيبة الفنلندية الثانية للجيش السويدي وتقدم للجنود بضاعتها. علما ان ولديها الشابين وابنتها البكماء كانوا جميعا يحملون ألقابا مختلفة. ولا يعرف أحد بالضبط من هم آباؤهم. اذ كانوا من جنود مختلف الجيوش، وربما قتلوا او اصبحوا في عداد المفقودين. وسرعان ما يجذب قائد الكتيبة ابنها الاكبر ايليف الى الخدمة في الجيش فيلقى حتفه في المعارك . وهكذا تفقد الأم احد اولادها. وبعد مضي ثلاثة اعوام من الحرب تقع الام في أسر جيش العدو لكنها تفلح في تغيير العلم اللوثري على عربتها بالعلم الكاثوليكي وتنجو بجلدها من الخطر. وعندما طلب جنود العدو من ابنها الاصغر شفيتسركاش ان يدلهم على مكان حفظ خزانة الكتيبة، رفض فأطلقوا عليه الرصاص وأردوه قتيلا. وانكرت الأم لدى عرض جثته عليها معرفتها به، بغية الحفاظ على العربة وبضاعتها. وهكذا تواصلت الحرب عدة اعوام وجابت الام كوراج خلالها اراضي بولندا وموارفيا وبافاريا. وفي نهاية المطاف اغتصب الجنود ابنتها وشوهوا وجهها. لكن الام كوراج صبرت لاسيما انها بلغت عندئذ ذروة النجاح في تجارتها . في عام 1632 يلقى الملك السويدي غوستاف ادولف حتفه وتعلن الهدنة ويحل السلام مؤقتا. ويتهدد الافلاس تجارة الأم كوراج فهي ليست بحاجة الى السلم. ان الحرب مصدر رزقها الاساسي. وصارت تتمنى استئناف المعارك. واستمرت الحرب الدينية بين البروتستانت والكاثوليك 16 عاما، هلك خلالها نصف سكان المانيا وساد الدمار والجوع في كل مكان. وفي نهاية المسرحية يقتل الجنود الابنة كاترين التي قرعت الطبول لتحذير ابناء المدينة من وقوع مذبحة. وهكذا ابتلعت الحرب جميع ابناء الأم كوراج التي تواصل مع هذا  سحب عربتها لوحدها في دروب الحرب ، ويمضي الجنود الى جانبها  فتناديهم :” خذوني معكم ..”. كما ان العراق يذكرنا بمسرحية دائرة الطباشير القوقازية حيث تنازلت الام المربية عن ابنها لاجل بقائه وعدم تضرره من الصراع كذلك تنازل الكثير من الساسة وابناء الشعب لبعض القادة  من  الطائفيين المتعصبين  امراء الطوائف والقوميات الاثنية الاقلية من اجل بقاء العراق متوحدا ومن اجل السلم الوطني الاجتماعي وبعض النظر عن الدوافع في هذا الموقف من نوايا حسنة عن عامة الاغلبية من الشعب او داوفع البقاء في السلطة والاحتفاظ بالمنصب لدى الساسة القادة الا اننا لانجد قاضيا منصفا نلجا اليه ولا نجد جدوى من هذا التنازل في الحفاظ على العراق كما  في مسرحية ((دائرة الطباشير القوقازية)) التي تطرح مضمون يحمل الجوانب الأيديولوجية لمسرح (بريخت)  في دائرة الطباشير في مسألة أساسية تتعلق بالأحقية في الملكية التي طرحها (بريخت) علي مستويين في مضمون النص الأول : في امتلاك الأرض علي وفق المبدأ القائل ( الأرض لمن يزرعها ) والثاني: الأمومة لمن يرعاها ويؤدي واجبها من غير رابطة الدم التي وظفها (بريخت) من خلال حكاية صينية قديمة تشبه أحد أحكام الإمام علي أبن أبي طالب  عليه السلام  وتشابه حكاية (حكم سليمان ) التي تروي أن الملك (سليمان ) يقترح شطر طفل الي شطرين علي أثر أدعاء كل من امرأتين متنازعتين بأنه أبنها، فأبت ألام الحقيقية أن يشطر الطفل وآثرت التنازل عنه ، وتبين (لسيلمان) أنها ألام الحقيقية وحكم لها ،أما الحكاية الصينية أقترح القاضي رسم دائرة طباشير يوضع الطفل فيها ، وطلب من السيدتين أن تسحب الطفل أليها ، فمن استطاعت أن تخرجه من دائرة الطباشير تكون ألام الحقيقية له ، لكن توظيف بريخت لهذه الحكاية  حيث حكم القاضي ( أزداك ) للخادمة ( جروشا ) التي تبنت الطفل وعنيت بتربيته ، لأنها هي التي اهتمت به ورعته بينما هربت أمه وتركت طفلها حين اندلعت الثورة وقتل زوجها الحاكم في أحد مدن القوقاز. وهنا الحكم الذي أصدره (أزداك)  في نصرة المظلوم بأحقية الملكية بين المالك والمملوك ، تبدأ المسرحية من قصة صراع بين جماعتين متنازعتين من الفلاحين حول وادً ، كانت قد رحلت عنه أحدي المجموعتين عندما زحف الجيش ألماني علي روسيا ، ثم عادت بعد هزيمة ألمانيا تطالب بواديها ، فنازعتها جماعة أخري تطالب بملكية هذا وادي خصب ، فأن للقسم التمهيدي قرار بإعطاء هذا الوادي لزارعي الفواكه لأنهم الأكفأ علي صعيد الإنتاج  لكن لا يبدو الحل السلمي للازمة العراقية الان على الاقل ممكنا. وقد يظهر لنا في العراق مستقبلا   البطولة الفوضوية الفردية كما في فلم ” V for Vendetta، في رؤية التغيير فوضوية تماماً، ولا تقوم على العمل الجماعي المنظم، بل على الفرد الذي يطلق آلية تغيير بالعنف الفردي، ولكن الفيلم  قبيل التفجير الأخير، تتحقق الرؤية الفوضوية للكاتب عندما يخرج آلاف الناس إلى الشوارع ليشاهدوه، متحدين حظر التجول، وكل واحد منهم يلبس قناع غاي فوكس مبتسماً…  تخيل الرهبة التي يثيرها وجه باسمٌ بينما تقتل اليدان!