23 ديسمبر، 2024 2:12 م

مشيناها خطى ضاعت بين جراح ادمت الجسد وتاريخ يعيد نفسه كل يوم , مشيناها خطى تترنح بين بكاء الماضي وامل المستقبل المفقود , مشيناها خطى كانت بلا وعي , بلا هدف , بل بعيون مغمضة لا ترى من الحقيقة شيئا سوى الاحساس بصخور ترتطم بها وجوهنا عسى ان نتلمس نيسما يفضي بنا الى مكان قريب من جدول الاحلام .
نحن في منتصف العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين , ومازلنا نحسب خطانا حتى فقدنا العد , او تاهت من بين ايدينا ارقام المسافات الطويلة المحفوفة بالعتمة والتعرجات والانكسارات , وتركنا مصائرنا عرضة لاهواء تقلبات الاقدار بعد ان عجزنا عن تحديد توجهاتها , فهي الان فوق تطلعاتنا , وليس امامنا سوى الاستجابة او بالاحرى الاستسلام لاقدارنا .
مازالت خطانا تنهب الدرب ولكن ببطئ شديد كمن شاخ وخارت قواه يتخذ من عكازته املا يستند اليه في بلوغ خط النهاية , صهيل الالم ينبعث من كل الجوارح , وبلسم جراح الماضي الذي لم يكن غير مهدئ او مسكن لبعض الشئ , فهو اليوم يضاعف المعاناة والوجع اذا مااستخدمناه .
حتى الالام تغيرت انواعها وشدتها وقسوتها ومعها ضاع دواؤها لتصبح اكثر فتكا بنا وبمجتمعنا , وتطورت الامراض وتعددت اسلحتها , وهي ليست بمعزل عن ارهاصات المجتمعات , فأن كثرت اورامها تراجعت وانزوت , واذا قلت نمت وازدهرت .
لاتكاد خطانا تفك قيودها من فخاخ الامس حتى تسقط في براثن عاصفة هوجاء لاتبقي ولاتذر , كانت فخاخ الماضي اكثر رحمة في حجم الماسي من افرازات تطور اساليب الموت اليومي , بالامس كنا نعاني من الامية والجهل , والفقر والجوع , وظلم الاسياد , وهذه كلها امراض بالامكان التعامل معها او السيطرة عليها بهذه الطريقة او تلك , او ايجاد الحلول لتصدعات في جدران المجتمع .
ماذا نفعل اليوم وقد غاصت خطانا بوحل مرض لايهدد فئة معينة او جانبا محددا من الحياة , بل ينسف امة بكاملها ويلغي شعبا بكل اجناسه , انه مرض الطائفية الذي لم نبدأ بالبحث عن علاج له , انما عجلنا في نشره , وتوسيع حدوده , فشبت ناره تلتهم الاخضر واليابس , حتى كانت الطائفية اخر المحطات في مسيرة خطانا , فمن يوقفها والسياسيون وحدهم يحملون نارها ومطفأة اخمادها.