23 ديسمبر، 2024 10:22 ص

خُرافة على صحنٍ من حَلوى

خُرافة على صحنٍ من حَلوى

لم يبق من الصفحة التي كان يقرأ بها غير عبارات متفرقة منها الرماد عاد يحترق ،وشواغل الأميرة والنهار الأصفر الشبيه بلون البرتقال ، كان ذلك حين إنسكب قدح الشاي على الصفحة الـــ 210 من رحلة الغيوم بإتجاه الطيور المهاجرة ،إعتدل على جلسة أخرى ووضع ساقيه فوق الكرسيّ الجانبي وأسترخى بأنفاسه وهو يحدق بمسافة مفترضة مابين اليابسة التي هو عليها الآن والمسافة الإفتراضية التي تقع خلف البحر ،وراح يهذي كعادته بكلمات مسموعة( ميناء بيريه – دافنا –أكروبولس- كافيه سقراط – مقهى وخمارة زوربا) ،وتذكر لكل منها جملة مختصرة :

من ميناء بيريه أقلته الباخرة الى جزيرة كريت ومن جزيرة كريت بعد أن جالس اليهوديات في سنتر المدينة عِبرَ بمركبٍ صغير الى ميكانوس ،وفي ميكانوس تعلم الجنس كما يجب ،وفي دافنا وقفَ أمام براميل النبيذ ولأنه مولع بالإحتساء إحتسى بواسطة قدح كبير ماأستطاع بعد أن دفع 10 دراخمات ، وحين عزفت الموسيقى راقص الرجال والنسوة وسط تصفيق الحضور ،وفي إكروبولس لامسَ الأعمدة وسألها عن هيلين وهرقل الجبار ،وفي كافيه سقراط تلذذ بالخرافة التي قدمت له مع صحن من الحلوى وعند مقهى زوربا شم رائحة ساحل الليلينيت وراى على البعد ضوء بيت العاهرة ،

بدأ بعد أن جف الشايّ عن الكتاب بتقليب صفحاته وأستقر على صفحة جديدة كان قد وضع وبقلم الرصاص خطا تحت البعض من عباراتها ، عبارات لم ترد إلا في الصفحة 235تتعلق بالوجود والماهية وتقسيم الذات والإنصياع لنداء الباطن ،وسكب مرة ثانية قدح الشاي الذي وضع توا على الطاولة سكبه هذه المرة بقصدية على الصفحة 235 كون ماورد لم يجد له تفسيرا مع رحلة الغيوم بإتجاه الطيور المغادرة ،وللتوّ أعادت الأمطار سلوكها المألوف فوق البحر، واعاد الصيادون سلوكهم مع البر ،وللتو أيضا نظر الى كلبه وراه ينظر اليه ، ينظر اليه بتعجب أم بسخرية ممادفعه للإعتدال في جلسته وتقليب صفحات الكتاب من جديد ،

ذات مرة عند ساحة أمونيا طلبت منه فتاة من جنسه مرافقته في المدينة بعد سنوات طوال ندم حين تذكر بأنه بدلا عن مرافقة تلك الفتاة ،الفتاة الجميلة التي من بني جنسه ذهب نحو الضوء الضوء الخافت الذي يقع في بيت العاهرة على ساحل الليلينيت ،

ومره قرأ في الكتاب المقدس الذي يحمله معه قرأ حين بدأت الطائرةُ بالإقلاع ولم يصغ بجديه لـــ (سبحان الذي سخر لنا هذا وماكنا له بمقرنيين ) كونه إستمع لها مئات المرات وكان يرددها قبل الصعود الى الطائرة ،وحين أغلق الكتاب المقدس سألته التي جواره من أي مسيحية أنت ،ولكونه يمقت المذاهب ( لست كاثوليكا ولا بروتستانتيا أنا من عامة المسلمين ، ) وحين مرت المضيفة بعربتها طلب نبيذا أحمراً ، إبتسمت التي جواره وأبتسم لها موافقا على إبتسامتها وما تعنيه ،وبدأ يقرأ في مجلة السوق الحرة وأرتعشت يده التي تحمل الكأس حين تذكر سفرته الى نيودلهي وسقط القليل من النبيذ الأحمر فوق الصفحة التي كانت تعرض إعلانا سياحيا عن نيودلهي ،إبتسمت التي جواره مرة

أخرى وسألته أيهما أهم لديك طاغور أم المهاتما غاندي ، لم تأت المضيفة له بكأس أخرى من النبيذ الأحمر وطلب قائد الطائرة شد الأحزمة وأغمض عينيه حين بدأت بالهبوط التدريجي عندها شعر بعواء كلبه وبالأوراق التي تطايرت من رحلة الغيوم بأتجاه الطيور المغادرة ، وتهيأ أن يهيئ لنفسه عزلة أخرى تليق بحدسه أن جغرافية الأمكنة في تبدلٍ مستمر وأن الخرافة خرافة إن عرضت فلما سينمائيا أو قدمت على صحن حلوى ،وإن الوقت قد حان لتركيب الذكريات بشكل أكثر عقلانية ،

[email protected]