23 ديسمبر، 2024 7:04 ص

خُذُوا ألحِكْمَةَ مِنْ أوُرَاقِ ألمَنَادِيلْ!

خُذُوا ألحِكْمَةَ مِنْ أوُرَاقِ ألمَنَادِيلْ!

كَعَادتِي فِي كُلِ يَوُم، أخرُج مِنْ بَيتِي فِي (6:00 صَبَاحَاً) وأنَا مُفْعَمٌ بِالحَيويةِ والنَشاطِ، ومُتَهَيأ للماراثونِ اليَوُمي، ألذِي يَبْدَأُ مِنْ مَحَلِ سُكْنايَ إِلَى مَوُقِع عَملي، لَستُ الوَحيد المُشتَرِك، بَل كُلُ سُكانِ المَنْطَقة، فَقَد إرّتَأينا أنْ نَمْنَح القُوات الأمنية والسَيِطرات عُطلَة أبَدِية، وذَلكَ لِعَدَمِ الحَاجَة إلى إرّهَاقِهِم بِالوُقُوف طَوِيلآ، وتَفْتِيش العَجَلات، قَرّرنَا عَدَم إسْتِخدَام السِيارات خِدْمَةً لِلسُلُطَاتِ والبيِئَة!

مِنَ الجَميِلِ إنَ هَذَا المَارَاثُون، لا يُقَيِدُ المُشَارِكِينَ بِزِيٍ رَسمِيٍ مُعَيِنْ، وإنَمَا تَرَى مُخْتَلَف الأزياء، زِيِ أفَنْدِي (موظف عمرة 60 سنة بقسم الارشفة، وينتظر شوكت تأرشفة الحكومة)، زِيِ شَاعِرَةٍ أو أدِيِبَةٍ (موظفة بمصرف عمرها 43 سنة بقسم التدقيق والتمحيص والقشب)، زِيِ طَالِب (وين اكو طالب ملتزم بالزي؟) زِيِ طَالِبَةٍ جَامِعِيةٍ مُثَقَفةٍ(مثال للأحتشام، والحسرة في قلب الكاتب) وأزياءٌ مُخْتَلِفة لا تُعَدُ ولا تُحْصَى!

سَمِعْتُ قَهْقَهةٍ بِصَوتٍ عَالٍ، مُنْبَعِثَةً مِنْ أحد الاشخاص، لستُ وَحْدِي مَنْ إستَغرَبَ الصَوُت، فَإنْدَفَعْنَا بِجَمْعِنَا المُسْتَغرِبُ صَوُبَ صَاحِبِ القَهْقَهةِ، فَوَجَدْنَا رَجلاً جَالِساً عَلَى الأرضِ، لا يَستَطِيعُ تَمَالُكَ نَفسِه مِن شدةِ الضحكِ، سألهُ أحدُ المُتَفرجيِن عَنْ سَببِ هِستِيريا الضَحِك ألذي  أصَابَهُ، فَأجَابْ: أُنْظُرْ (مشيرآ الى صورة مرشح كتب عليها عزم وبناء) وَسَتَعْرِف! فَعَرَفْنَا إنَها تُمَثِلُ نُكْتَةً، فَقَدْ مَضَت عَشرُ سَنَواتٍ ولَمْ نَرَّ أيُ بِناءٍ أو تَطوُرٍ فِي البَلَدِ.

مَوضوُعُ الإنتِخابات هُو مَا كَانَ يَشغِل الحُشُود، والشَيء المُشتَرك بَينَهم هو العُزُوفُ عَنْهَا، فَتَسمَعُ شَخصٌ يَقُولُ: لا جَدوَى مِنْ مُشَاركتِنا، ولا يُوجَدُ خَلَفٌ لِشَرِ سَلَفْ ( نفس الطاسة ونفس الحمام)، فيُشاطرهُ الرأي شَخْصاً أَخرْ ويَقُول: لا أحدْ مِنَ الساسةِ يَستحِقُ أنْ نُتْعِبَ أنْفُسَنا بِالخُرُوجِ مِنْ أجلهِ ( وأكيد حضر تجوال بيوم الانتخابات يعني رجلينا تصير كِصَبْ)، مُعَرِضِينَ أنْفُسَنا لِخَطرِ الإرهاب، لِنُدْلِي بِصَوُتِنا لَهُ، فالإنتِخابات مَحْسوُمة، وما التصويت الا ذَرِيعة لإسكاتِ الشعبْ، فلا أحدْ مِنَ المُرشَحيِن يَهُمهُ حَالُ البَلد، وَ وَاقِع الشَعبْ، سِوىَ إنَهُمْ مُبدِعُوُن في فَضْحِ أحَدُهم الأخر، وهذا ما اعتدنا على سماعهِ مِنْهُم فِي دوراتٍ سابقة، يبدؤون تبادل الإتِهامَاتِ بِقَضايا فَسَاد، وسَرِقَات، ومُشَاحَنَات، ومُشَاجَراتٍ إعْلامِية تَسقِيطِية، ليَسْعى كُل مِنْهُم لِبَيَانِ إنًهُ صَاحِبُ المَشرُوعْ والبرنامجُ الإنتِخَابي، ألذيِ يَعُودُ بِفائدةٍ عَلَى ألمُجْتَمَعِ عَلَى عَكْسِ الطَرف المُنَافِس.

وسَمَعِتُ رَأْياً أخر، أكثرَ إيجَابِيةٍ عَنْ مَا قَبْلُهُ، فَقَال: أذهَبُ للأنتخَابَاتِ، فَالمَرجِعِيةُ الِديِنيةُ تَحِثُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَنْ أُدلِيَ بِصَوُتِي لأيِ جهةٍ او كتلةٍ او مرشحٍ، وسَأكتفيِ بِوَضعِ عَلامةِ(X) فأكوُنُ بِذلكَ غَيرَ مُخَالفٍ لِكلامِ المرجعيةِ، وأرّضَيِتُ نَفسِيَ بِعدمِ إعْطَاءِ صَوُتيِ لِأحدٍ، فَكُلُهُم سَواسية، مَصالِحُهُم فَوُقَ كُلِ إعتبارّ.

أُثِيرت ضَجَةٌ بين الحِشُود، وتَصاعَدت وَتِيرةُ العِزُوفِ عَنْ الإنْتِخابات، وتَبَين إنَ الوَضعَ السِلبي هُو السائدُ على الأعمِ الأغلبْ، فَكَلامُ الناسِ لا يدعُو للتَغيِيرِ، فَعَشرُ سَنواتٍ بِلا تَجددَ او تَطور في مختلف المجالات!

خَيمَ حُزنٌ شَديِدٌ، ويَأسٌ، وفُقدانٌ أملْ، على تلك الجحافل، فأحسَستُ بِأنَهُم فَقَدوُا عَزِيزآ، كَانوُا يأملونَ عَوُدتَهُ، وقَد طَالَ إِنْتِظارَهُ، سُنوُنَ الظُلمِ مَرتْ، عَاشوُها بِمُرِها وَرُعبِها، وقَدَموا من التَضحيِاتِ مَا لا يُحصَى، فَصُدِمُوا بِخَبِرِ وَفاةِ ( الإحْسَاسِ بِالمَسؤُوِليةِ).

عَمَ الهِدُوءُ، وبَدأ ألمُ الحُزنِ يَبنِي أعْشَاشاً عَلى وِجُوهِ الناس، فَقَدِمَ شابٌ يَرتدي مَلابِس مُهتَرِئَة، لا تَقِيهِ حَرَ الصَيف ولا بَردَ الشِتاءِ، يَحمِلُ صُنْدُوقَاً صَغِيراً يَحوي مَناديلَ ورقيةً، يَكسبُ قُوُتَهُ مِنْ بَيعِها، نَظَرَ بِتَمَعُنٍ إِلى الحِشُودِ، وبَدَا مُتَبَسِمَاً، شَكْلُهُ يَدعُو للتُفاؤلِ، وقَالَ لَهُم: الأنتخاباتُ حُقٌ دستوري مُنِحَ للشَعبِ، لكي يختارَ أشخاصاً يُمَثِلوُنَهُ ويَهتَموُنَ لأمرهِ، يَخدموُن الناسَ مِنْ مَنْصَبٍ رئاسي، لأنهم مُنْتَخَبُونْ بِأصوات الشعب التي أدْلَى بِهَا، نَتِيجةَ ثِقَتُهُم وإيِمَانُهم بِالمُرَشَحينَ هم الرجال المُنَاسِبوُن فِي المَكَانِ المُنَاسِب، هَذا ثَالِثُ حَقٍ لَكُمْ للإنتِخابِ، ولَكِنْيِ لا أرى شَيِئاً يَتَطَوُرُ وبِتَزَايدٍ غَيرَ عُزُوفِكُمْ عَنْهَا!

هَلْ جَرَبْتُم غَيِرهَا حَتَىَ تَقُولوُنَ لا تُوجَدُ حُكُومَةً أفْضَل؟ هَلْ كُلُ السَاسَةِ أخَذُوا مَنُاصِبَ حُكُومِية، ولَمْ يَستَخدِمُوها بِخِدمَتُكُم؟ هَلْ جَرَبْتُم كُلَ السَاسَةِ؟ ألسْتُم مَنْ إِخْتَارَ ألحُكُومةَ ألتِي لَمْ تَخْدُمْ مَصَالِحَكُم حَتَىَ أليَوُم؟ ألا تَتَحَمَلُ الشُعُوبَ مَسْؤُوليِةَ الإختِيِار؟ ألَمْ يَحِنْ مَوُعِدُ التَغيِيِر؟
إنْ إِمْتَنَعْتُم عَنْ الإشتِراك بِالإنِتخابات فَلَيسَ مِنْ حَقِكُم إِنتِقادُ الحِكُومة الجديدةَ، وبِذُلكَ تَكُونُوا مُواطِنيِنَ لا تَمِتُونَ للعِراقِ بِصلةٍ، فَإِنْ كُنْتُم لَستُم عِراقييِن ولا يَهِمُكُم أَمْرُ البَلُدْ.. فَإِمتَنِعُوا!
إِنَ مَفهوم مَجْلِسِ النُوُاب هُو شَريحةٌ مَنَ الشَعبِ، تَنْتَخِبُ نَائِباً لِيُمَثِلُها، وإنْ لَمْ تُدْلِي بِصَوُتِكَ فَلا أحَدَ سَيُمَثِلُكَ! وعَليِنَا أنْ لا نُعَمِمَ السِلبيِةَ عَلى الكُل، وأنْ نَنَتَظِرَ لِنَعرِفَ بَرامِجَهُم الإنتِخابِية فَنُمَيِز مَنْ تُهِمُهُ مَصلَحَةُ العِراق وشَعُبَهُ ومَنْ تَهِمُهُ مَصْلَحَتُهُ الشَخْصِية.

إِنْ كُنْتُم أخطَأتُم فِيما سَبقْ فَعَليَ أنْ أُذَكِرَكُم إنَكُم سَتَعِيشُون رُبْعَ قِرّنٍ جَدِيد مَعَ نَفسِ الخَطَأْ إنْ لَمْ تُغَيِرُوا !

فَأتَوَسَلُ إلَيكُم إنْ كُنتُم لا تُرِيدُونَ التَغييِرَ لأنْفُسِكُم! فَغَيرُوا مِنْ أجلِنا شَرِيحَةُ الشَبَاب البَالِغَة ثُلثَي المُجْتَمَع، ولِأجلِ مَنْ تَخَرَجَ ولَمْ يَجِدْ مُستَثمِراً لِخِبرَتهِ فِي مَجَالِهِ الطَبِيعِي، فَكُلِيةُ العُلوُم السِياسيِة أصبَحَت تُخَرِجُ بَائِعِي مَنَادِيل!