خَوْرُ عَبْدِ اَللَّهِ مِنْ بَابٍ ثَانٍ

خَوْرُ عَبْدِ اَللَّهِ مِنْ بَابٍ ثَانٍ

يمتلكَ شيخنا الوقورُ ولعشراتِ السنينَ دارا تقعُ على نهرٍ جميل، يتوسطَ معَ جيرانه، غيرَ الساكنينَ على ضفتهِ الأخرى، بسببَ صعوبةِ العيشِ في هذهِ المنطقةِ النائيةِ عنْ مركزِ مدينتهم ، ويشهدُ لهمْ بالتواجدِ الأزليِ في هذهِ المنطقةِ والنهر، كلٌ من: التاريخ، الذكرياتُ الجميلة، الطيورُ المغردةُ فوقَ مياههِ الزرقاءِ ، والأسماكُ العائمةُ فيهِ بألوانها وزعانفها الجميلة، دونُ أيْ شريكِ منْ أيِ كوكبٍ كان، منذُ أكثرُ منْ قرنٍ مضى. يعدْ هذا النهرِ مرسى للعديدِ منْ الزوارقِ المتجهةِ إلى مواني المدينة، وينتشرَ العديدُ منْ الصيادينَ في النهرِ متحلقينَ زوارقَ الصيدِ بأشباكها ، وسناراتها الجميلة، ليصطادوا ما رزقهمْ اللهُ – سبحانهُ وتعالى- منْ أسماكِ النهرِ بمختلفِ مسمياتها من: الزبيدي، القطان، الشبوط، الشعري، الكنعدْ إلى الهامور.

      شاءتْ الظروفُ أنَ حولَ شيخنا الكريم، دارهُ إلى منتجعٍ سياحيٍ على ضفافِ هذا النهر، ليسترزق منهُ لقمةَ العيشِ لهُ ولأولادهِ ، دونُ أيةِ معارضةٍ منْ جيرانهِ في الضفةِ الأخرى منْ النهرِ . توالتْ وتعاقبتْ العائلةُ الكريمة، في إدامةِ هذا النهرِ وتنظيفهِ وكريهً منْ الأطيانِ في كلِ عام، ليكونَ مجرى نظيفٍ للزوارقِ الداخلةِ والخارجةِ إلى المواني القريبةِ منهُ في قضايا التجارةِ وغيرها. في يومِ ما، حضرَ الشيطانُ الأكبرُ ذو الوجهِ الأحمرِ المضلع، بصفتهِ ضيفا أجنبيا على جيراننا في الضفةِ الثانيةِ منْ النهر، لوجودِ علاقةٍ قديمةٍ بينَ أجدادهمْ منذُ عشراتِ السنين.

    وهنا، بدأتْ المؤامرةُ الخبيثة، منْ خلالِ إطلاقِ سمومهِ على شيخنا وعائلته، وفضولهُ منْ خلالِ الأسئلةِ التي يطرحها على جيراننا عنْ عائديةِ المنتجعِ السياحيِ والنهر،  ولهُم الأحقيةُ في المشاركةِ في خيراتِ هذا النهر، منْ أسماكٍ وخدماتٍ للمارةِ منْ الزوارقِ الداخلةِ والخارجة. فأقنع جيراننا بأفكاره الخبيثة، وبدأ يخطط لآلية المشاركة في إدارة النهر. ولأقرب فكرة المقالللقاريء الكريم، نشير الى المثل الآيرلندي، الذي يقول : ( إذا رأيت سمكتين تختصمان، فاعلم أن انجلترا زارت إحداهما بالأمس ) ، فاقترح الأجنبي على جيراننا،بتقاسم الأرض والنهر معاً، ما داموا على ضفته الأخرى ، لعدم وجود وثيقة سند ملكية صريحة تحدد العائدية للمنتجع والنهر لأي طرف كان ، وأن شهادة التاريخ وحدها، لا تكفي للاثبات في التوثيق والملكية.

    لقدْ دخلتْ الفكرةُ في عقلِ جيراننا، والمعروفَ تاريخيا، بكونهِ: كريمَ الرشى والتوريق للأجانبِ والأقاربِ لدفعهمْ إلى شهاداتِ الزورِ والكذبِ واليمينِ الغموسِ، لاستقرارِ تاجه .

لقد سمعَ جيراننا، كلامُ الأجنبي، وأقامَ الدعوى المدنيةَ لإزالةِ الشيوعِ المشترك حسبَ لائحةِ دعواه، لدى المحكمةِ المختصة، التي نصيبَ قضاتها بدولارهِ الأخضر.

     أصدرتْ المحكمةُ قرارَ حكمها الغيابي، لعدمِ حضور، شيخنا أوْ منْ يمثله، بمناصفةِ النهرِ معَ الجيران، وبشروطَ إذعانٍ قوية، بعدُ أنْ تهورِ أحدِ أفرادِ عائلتنا من – عساكر الدمج- بنزاعاتهِ العشائريةِ في المشرقِ والمغرب، وبسيفهِ الكذاب، كسيفِ المتنبيْ الأعمى، ولسانهُ السليط، كلسانٍ لبائعاتِ الهوى في ساحةِ الميدانِ في أربعينياتِ القرنِ الماضي، وكره العالم فينا ، ويسقط هيبتنا وجاهنا وسطَ العشائرِ المعروفةِ في المنطقة، ويقللَ منْ شأننا.ويعلنا من مهددي السلم والأمن العشائري .

    سألنا جارنا؛ بعدَ أن كسبِ الدعوى ، وشاركنا في مناصفةِ نهرنا: لماذا لمْ تطالبْ بهذا الحقِ كما ادعيتُ الآن، طيلةَ السنينَ الماضية، الذي كانَ بتصرفنا منذ أكثرَ منْ مئةِ عام، ونحنُ نستخدمه؟ فاحابنا بالقول: كنتَ ليسَ بحاجةٍ لهذا النهر، وبعيدا عنْ أملاكي الأخرى، ولكنني أحسبُ للمستقبل، الوقتُ والمنافقينَ وشياطينِ الأرضِ معي الآن، والحياةُ فرص، إذ، ما استغلها لصالحي في هذا الوقت، ربما تكونُ صعبةً في المستقبل، أنَ كبرا شبابُ وأحفاد شيخكم الكبير، وطالبوا بحقوقهم، وربما داهمواَ مملكتي .

     أضافَ قائلاً: سأكونُ معكمْ لتاريخكم في ادارة النهر؛ سأمنحكمْ التصرفُ بالنهر، وبشروطً موقعة، وبشهود، لتتصرفوا، كما كانَ الوضعُ سابقا، دونُ أيْ رسوم أوْ فواتير، فقطْ للتوثيقِ أنَ نصفَ النهرِ عائد لي، وأقيمَ عليهِ ما أشاءُ منْ مشيداتٍ في المستقبل.

  لقدْ تقبلُ شيخنا الأمرُ الواقعُ بمرارةِ وبإذعان، وخرجَ مكسورُ الجناحينِ والخاطر، وعادَ إلى نشاطه، مثلما كانَ سابقا في تنظيمِ حياته، وبابَ رزقهِ ، لكنه، تحولَ منْ مالكٍ إلى شريك.

     بعدٌ سنواتِ عدة، ظهرتْ الغيرةُ العربية، لبعضِ أبناءِ عمومته، وطالبوهُ بفسحِ العقدِ الجديدِ المستندِ إلى قرارِ المحكمةِ .  قالَ لهم، اتركوني الآن، ساخول الزمنِ والتاريخِ والأجيالِ المقبلةِ منْ أولادنا يحلونَ مشاكلنا معَ جيراننا،عسى اللهُ أنْ يهديَهم ويعيدونَ إلى صوابِ عقلهم، ونبعدالفتنة ،عن طرفينا، لأنها؛ سوفَ تبقى مشتعلةً لأجيالٍ بعد أجيالِ مالٍ نطفئها الآن. وتحلَالمشاكل بالودِ والتفاهم، بعد مغادرة الأجنبيُ الذي زرعَها إلى بلده، بعدُ أنْ قبضَ المقسوم

   ولكن؛  تواصلتْ الجموعُ الخيرةُ منْ كلِ حدبٍ وصوبٍ نحوَ الشيخِ الوقور، تدفعَ باتجاهِ اعادة الحق الى أصحابه من الجار المتسلط المستقوي بالأجنبي، يقودَ بعضها الخيرينَ منْ المتقاعدينَ أوْ الكهلة والنخبة المثقفة، وبعضَ المطبلينَ والمتطفلين منْ أصحابِ المصالح، لشيء في نفس يعقوب، باسمٍ الوطنيةِ والسيادة.

     لقدْ أجبتوا أحبتي: أنا لا أملكُ الآنُ سوى بندقيةِ صيدٍ قديمة، وظهريٌ مكشوف، بالفانيلةِ البيضاءِ القطنيةِ (أمُ العلاقة) دمشقيةً الصنعِ ، وأنَ أزدتْ الضغطُ على، أخافَ أنَ أفقدَ الأكثرَ منْ ماليٍ وحلاليلهذا المتسلط بفعل جموع الشياطين الذين معه.

    أما جارنا فيملك، أصحابُ السوء، والدولار، والمنافقين، وباعةُ الضمير، والأخلاق السيئة، ممنْ رشاهمْ ورشى أجدادهمْ وأجدادِ أجداهمْ على مرِ التاريخِ منْ أجلِ تثبيتِ الخلافةِ الورقية، والتاجُ الزائف، وأطبق قول مثلنا الشعبيُ (ما ضاعَ حقُ خلفهِ مطالبا) أنَ الحقَ لا يضيعُ إذا كانَ هناكَ منْ يطالبُ بهِ ويسعى لتحقيقه.

ونختم مقالنا، بقولهُ تعالى: ( صبرا يا آلَ ياسر، فإنَ موعدكمْ الجنةَ ) . صدقَ اللهُ العظيم.

أحدث المقالات

أحدث المقالات