أربيل
كثيرون حمدوا الله ربَّهم لأنهم لم يُخلَقوا أمريكيين، لأن الولايات المتحدة الأمريكية قد طغت أشدّ الطغيان، وعربدت وأخطأت طويلاً في انتهاج تعاملها مع الشعوب بأسلوبِ دانى، في أحيان كثيرة، الإستهتار واللؤم والظلم.
جريمتها الشنعاء السوداء في هيروشيما وناغازاكي ستظل وصمة عار أبدية، تلطّخ تاريخ صفحتها في القرن العشرين، أعقبتها جريرة خلق الكيان الصهيوني العنصري اللاشرعي الإرهابي(إسرائيل) في عامي 7194 و1948؛ إذ أدّت أمريكا على مسرحها دور التجنّي الرئيس في الموافقة على تأسيسه في عام 1947 من خلال موافقة أقليّة ضئيلة جدًا في أعضاء الهيئة العامة للأمم المتحدة ـ وليس من أعضاء مجلس الأمن كما وجب ـ ثم الإعتراف به، بعد خمس دقائق من إعلان تأسيسه في العام اللاحق، بلسان رئيسها (ترومان)، ثم دعمها بالمال والسلاح والمقاتلين على حساب تشريد وذبح الشعب الفلسطيني ـ صاحب الحق الهضيم ـ وامتهان مقدّساته المسيحية الكثيرة والإسلامية القليلة، إستنادًا إلى وثيقة إحصائية جرديّة صادرة عن مكتب الجامعة العربية في عام 1957 تحت عنوان (محنة المسيحية في إسرائيل).
إن مجازرها الحربية ، طويلة الأمد، في كوريا وفيتنام، ما برحت مشاهدها تثير الإشمئزاز، وروائحها العفنة تقزّز النفوس. أما حروبها اللاحقة في افغانستان والعراق، فقد بلغت الذروة في الطغيان والعدوان، حتى إنها اذلّت أكبر إذلال مكانة المنظّمة الدوَلية التي كانت مطمح الشعوب في التعايش والحؤول دون نشوب الحروب بعد تأسيسها.
مواقفهاالنفاقية المخجِلة إزاء تأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثي على مصر، ورفضها تمويل مشروع السد العالي، وإدامة الحرب الأهلية اللبنانية ستة عشر عامًا، كل ذلك حمل البرايا في الشرق والغرب، على نعت أمريكا بصاحبة ” الوجه القبيح” و “راعي البقر” و “شقي تكساس”.
من معامل أمريكا ومختبراتها سُرِّب لينتشر فايروس ( الأيدز) وفايروس فلاونزا الخنازير، وفلاونزا الطيور بقصد إشاعة الوفيات في العواصم والمدن والموانئ والصحارى في أطراف الآرض، وإغناء مصانع الأدوية والمضادّات العلاجية في بلادها والأقطار الأوربية.
فكيف لا يحق للأحرار في العالم، وللواعين والمثقفين والعارفين أن يلعنوا أمريكا وقد أمست بشكل سافر مرتعًا لعصابات المافيا، ومسخّرة للصهيونية العالمية والجمعيات السرّية الهدّامة والمروّجة للإلحاد والجريمة منذ مئتَي عام وبوتيرة متصاعدة؟! وكيف لا تلحق اللعنة الفردَ
الأمريكي بسبب هذه الموبقات والمساوئ والشرور التي تقترفها الإدارة الأمريكية منذ سبعة عقود؟!
كل هذا لم يشفِ غليلها، ولم تكتفِ بالدماء التي سفحتها في سبيل المطامع التي لا تعرف الإكتفاء، وبدافع الغطرسة، والأحقاد الكالحة، والنزعات العقربية، بل أردفتها بجرائم حرق البيادر في العراق، وقصف منتجعاته، و “مؤسسة النداء”، و “فندق الرشيد” بالصواريخ يوم 17/1/93، وقصفها مناطق سكنية في بغداد يوم27/6/93 بثلاثة وعشرين صاروخًا، وذلك بذريعة لم تثبت صحتها، فهل التذرّع بمحاولة اغتيال رئيس مجرمي الحرب (بوش)، يجيز لدولة ذلك مجرم الحرب أن تُطلق صواريخها عشوائيًا على شعب ومؤسسات الدولة المتَّهَمة باطلاً بكونها مدبِّرة تلك المحاولة؟! ومتى كان كلنتون من مُحِبّي بوش؟! ألم يقل بوش في عنفوان المعركة الإنتخابية إن كلبته تفهم في السياسة أكثر من كلنتون؟! هل يخفى على العقلاء أن كلنتون قد لجأ إلى ضرب الصومال أنئذٍ والعراق أيضًا بعده بأيام في أعقاب هبوط شعبيته ومحاولةً منه لرفع مستواها، فحقّ فيه القول بكونه أتعس من سلفه؟!
وما هو ماضي أمريكا في مجال الإغتيالات؟ كم هو عدد الضحايا الذين دبّرت مخابراتها إغتيالهم ضمن علماء الذرّة العرب وغيرهم؟ الفرد الأمريكي يستطيع أن يجيب. وإذا كان هذا الأمريكي على درجة من الوعي، ويمتلك حياءً وشرف المواطنة، فلا أستبعِد أن يقول في السر أو العلَن: ليتني لم أكن أمريكيًا.
ولمزيد من التدليل على عدم رضا شريحة واسعة من مثقفي ومعتدلي المواطنين الأمريكيين عن سياسة وتوجّهات ومواقف الأنظمة الحاكمة في بلادهم خلال العقود الخمسة الأخيرة بعد لنكولن وولسن، عرضت قنوات فضائية حوارًا علنيًا متلفزًا جرى بين أستاذ جامعي وطالبة جامعية مع رفيقات لها أمام جمهورسامع ومشاهد، دار موضوعه حول إستفهام إن كانت الولايات المتحدة الأنريكية هي الآن أعظم دولة في العالم. فكان الرد الحاسم والمفحم من الأستاذ الجامعي أن أمريكا ما عادت الآن هي الدولة العظمى. فالذين عدّوها كذلك، كانت حجّتهم بوجود الحريات العامة التي يتمتع بها شعب الولايات المتحدة، وكان جواب الأكاديمي: إن حريات مماثلة لحريات أمريكا سائدة في كندا الجارة وفي دول أوربية عِدّة، ثم أضاف “لكننا نحن صرنا نفرح بالفواجع التي نُلحِقها بغيرنا من الشعوب، ونتباهى بالكوارث التي نُسببها لهم بانفجارات وتدمير وحرق وأمراض وفقر وامتهان وتعذيب وسلب وغزوات، وحرمانهم من الحريات التي ننعم بها، فقبل قرن لم نكن نحمل هذه السلبيات وغيرها من العيوب.”
لا ريب أن ما نطق به الأكاديمي الأمريكي في هذا المجال، يُعَدّ لسان حال فريق واعٍ كبير من الأكاديميين، كما يشاركهم عدد غفير من العقلاء والمعتدلين ومن المستائين من مناهج السياسة الملتوية والعشوائية بتصاعد في العقدين الأخيرين، وخصوصًا في فترة ولايتي ألرئيس أوباما، وقد غدت الإنحيازية الأمريكية للباطل والتعنّت الصهيوني منذ 67 عامًا أمرًا مفروغًا منه، لكنه مدعاة استياء كبير في الشرق والغرب، إذ أعلنت إدارة أوباما مرارًا مسؤوليتها عن أمن الكيان الصهيوني
برغم مظالمه وباطله وإرهابه وعدوانه السافر على سكّان قطاع غزّة؛ حتى بلغت هذه الإنحيازية وهذه المسؤولية أهم سببين لكره أمريكا وشعبها أيضًا من قِبل أغلبية شعوب العالم. فاتحيازها يعني عدم العدالة والإنصاف، ومسؤوليتها الإنفرادية المذكورة المتبنّاة تُعدّ مشاركة في جرم الطرف المتجنّي(الكيان الصهيوني)، وهذان يشكّلان أس الإضطراب والإحتراب في الشرق الأوسط بل في العالم، كما هما أقوى باعث على تفاقم الإرهاب، وتعاظم النقمة على الغرب عمومًا وعلى أمريكا خصوصًأ ـ إذ هو الأشدّ!
فالفرد العراقي، جيّد الإطّلاع، المخلص لوطنه وشعبه، وقد اكتوى شديد الإكتواء مع شعبه بنيران الحرب العدوانية في عام 2003 التي شنّتها أمريكا، مستقطبةً دولاً أخرى أجنبية وعربية، برغم الإعتراف المتأخّر غير المجدي بخطيئة وخطأ قرار هذه الحرب ـ كما أبدى مؤخّرًا وزير العدل البريطاني لورد جارلز فوكنر في حكومة بلير) ـ انظر جريدة الزمان ليوم22 حزيران ص 1 ـ وما نجم عنها وينجم حتى الآن من ضحايا وخراب وفساد وفقر وتهجير ونزوح واضطهاد وسبي وجرائم، تلتها المؤآمرة الخبيثة ( التي قادتها أمريكا مع دول وعناصر داخلية وخارجية) لغزوة داعش في عقر دار العراق في حزيران14 ، بعد غزوات إرهابية سابقة سلفية وأصولية وتكفيرية في تونس وليبيا وسوريا واليمن برعاية الناتو وأمريكا وبريطانيا وفرنسا وأقطاب الإسلام السياسي خلال فترة الربيع العربي! ، أقول ألا يحق لكل عراقي سبق لي آنفًا وصفه ، كما يحق لكل عربي شريف أن يقول جهرًا: أحمد الله أني لستُ أمريكيًا؟! أنا نفسي قلتُ ذلك في عام 93 :كما جاء في جريدة (العراق) ليوم 29 حزيران 93، وختمته بمقولة تعبّر عن لسان حالي في ذلك الحين كما في هذا الآن، مستدركًا:
صاحِ، لستَ قادرٍا على صدِّ يدِ الجاني فصبرًا ثم صبرًا، وارقب سقوطَ جدارِهِ