23 ديسمبر، 2024 9:20 ص

خيمة رفحاء ما زالت منصوبة

خيمة رفحاء ما زالت منصوبة

تنفس الصبح بعد ظلام طويل وراحت الطيور تغرد صلاة الحرية  والانعتاق فكان الطيران جديدا عليها واجنحتها لا تقوى على الحركة ولم يكن هناك من يعينها على ان تحلق في فضاء الحرية فظلت وحيدة تواجه مصيرها دون ناصر او معين.
 كانت من أهم الاحداث التي مرت على الشعب العراقي بعد ثورة العشرين كما قرأناها في التأريخ هي الأنتفاضة الشعبانية أو انتفاضة اذارالتي عاصرناها وعشنا أحداثها يوما بيوم على قصر مدتها والتي لم تتجاوز الشهر الواحد ألا ان نتائجها كانت أكبر وأشمل على المدى البعيد.
ليس الغرض هو استعراض تفاصيل الأحداث ولكنها ومضات عامة لما تختزنه الذاكرة في تلك الفترة علها تذكر من نسي أو تناسى ما قدمته تلك الفترة من خدمة عظيمة في التغيير الكبير الذي حدث في العراق, فكل فرد عاش في تلك الايام مر بأحداث وتفاصيل ربما تختلف عن الاخر.
فبعد قمع الأنتفاضة من قبل جيش النظام البائد الذي أستأسد بطائراته وصواريخه على الناس العزل ,أضطر كثير من المجاهدين الى الأنسحاب والنزوح الى أماكن لا تستطيع قوات النظام الوصول أليها وكانت قريبة من القوات الأجنبية. ومن هنا بدأت المعاناة وازداد الأسى, كانت الوجوه في حيرة والأراء شتى وصراخ الأطفال الرضع لم يدع للكبار مجالا للتفكير, حتى وصلت الأنباء عن وجود منفذ حدودي مع الكويت وهو   منطقة تسمى صفوان ومن ثم التوجه الى صحراء نجد حيث هناك رفحاء الصحراء التي تبعد حوالي 65 كم عن الحدود العراقية بعيدا عن يد وبطش النظام المجرم,  فأشتهرت رفحاء بعد ذلك دوليا بعد دخول العراقيين اليها.
من أصعب اللحظات التي تمر على الأنسان أن يذهب الى المجهول بأرادته وبلا زاد , ولو لا  ايمانهم وصبرهم وعزيمتهم وتفضيلهم حياة المجهول والصحراء على الذل والهوان لما هاجروا الى رفحاء تلك الصحراء الخالية الا من رحمة الله فشكلوا هناك عراقا مصغرا لا ينقصه سوى ذاك التراب وتلك الوجوه التي فارقوها على مضض.
فكانت الجذوة الأولى التي بدأت تأكل أركان وأعمدة النظام السابق فصار العالم كله ينظر الى مظلومية الشعب العراقي من خلالهم فكشفوا زيف أعلامه وادعائاته الكاذبة. فراح يطاردهم حتى وهم في هذه الصحراء ليدب الرعب فيهم من خلال عناصره الأمنية وتهديدهم بالرجوع أو قتل ذويهم في داخل العراق. وبعد صبر ومكابدة جاءت وفود الأمم المتحدة لتنتشلهم من هذا السجن الكبير فأنتشروا في بقاع الأرض وظلت عيونهم على ذلك الوطن الجريح حامليه معهم أينما حلوا وأرتحلوا.
ولم تكن هذه الهجرة هي الأخيرة عند العراقيين فأعقبت ذلك هجرات اخرى الى دول الجوار كسوريا والاردن وايران  لم تكن جماعية كما حدث في رفحاء ولكنها استمرت لحوالي عقد من الزمن فكانت معاناتهم كبيرة في المخيمات وفي عدم اعتراف هذه الدول بهم كلاجئين مما اضطر الكثير منهم الى طرق غير مشروعة للوصول الى الدول الغربية. هذه الطرق فيها الكثير من المجازفة والمخاطر يتعرض فيها المهاجر الى الاعتقال وسوء المعاملة وربما ارجاعه من حيث اتى على أقل تقدير , وكان اكثرها ايلاما هو غرق السفينة في أعماق البحار حيث كانت تحمل المئات من العراقيين ولم ينجو منها ألا القليل.
واليوم وقد شرع البرلمان  قانون اعتبار مخيم رفحاء كسجناء سياسيين هو جزء يسير لما قدموه من تضحيات فهم الذين اوصلوهم لهذه المقاعد بجهادهم وصبرهم وفناء اعمارهم في المنافي.
فهل كتب على أهل رفحاء أن يجاهدوا مرتين , مرة ضد الظلم والطغيان ومرة لأسترجاع الحقوق!؟