23 ديسمبر، 2024 10:49 ص

خيري الضامن و تورغينيف ودستويفسكي

خيري الضامن و تورغينيف ودستويفسكي

خيري الضامن – اسم عراقي لامع في دنيا الترجمة من اللغة الروسية الى العربية في مجالات وعوالم الادب الروسي و السياسة وتاريخ روسيا , وتمتد تجربته الابداعية هذه عبر سنوات طويلة ابتدأت منذ ستينيات القرن العشرين ولا زالت مستمرة لحد الان , ورغم هذه المسيرة الحافلة لم استطع ان أجد قائمة متكاملة ومنسقة حسب تسلسلها الزمني لتلك الكتب المترجمة التي أنجزها هذا المترجم الكبير طوال حياته , كما هو الحال بالنسبة للمترجمين المبدعين العراقيين الآخرين , خصوصا هؤلاء الذين اضطرتهم ظروف العراق الرهيبة المعروفة للعيش خارج العراق , وقد حاولت ان اتحدث مع الاستاذ خيري الضامن مباشرة حول ذلك ولكني اصطدمت ( واؤكد على كلمة أصطدمت ) بتواضعه الجم الاصيل والنابع من أعماق اعماقه , وهو ما نسميٌه تواضع العلماء بالطبع حسب التعبير الجميل والخالد في تراثنا العربي العريق , و ذكٌرني رأسا ببيت الشعر الذي ذهب مثلا حول السنابل المليئة التي ( تنحني بتواضع ) وكيف ان ( الفارغات رؤوسهن شوامخ ) ,( وكم شاهدت واستمعت وتلمست وعانيت وتألمت في حياتي من تلك السنابل الفارغات وترهاتهم الفجة وأكاذيبهم وادعاءاتهم ), وهكذا لم احصل اثناء حديثي الهاتفي المباشر معه على اي اجابات عن تساؤلاتي وعن اي معلومات حوله ولا عن قائمة الكتب التي ترجمها طبعا , بل انه حتى تعجٌب من اسئلتي حول كل ذلك وسألني عن سبب تلك الاسئلة من قبلي , وقد أجبت باني ارغب بالكتابة عنه , ولا زالت ترن في روحي وقلبي كلماته المتواضعة وهو يرجوني ( نعم , يرجوني ) الا اكتب عنه بشكل غير اعتيادي او أكثر مما يجب, لانه شخص قد ( أدٌى عمله وواجبه ليس الا ) كما قال لي .

بدأت – بعد تلك المحادثة الهاتفية – بالعمل على جمع المعلومات هنا وهناك عن الكتب التي ترجمها وبلورة الافكار والآراء حولها , واول فكرة خطرت ببالي و اريد ان أتوقف عندها واعلنها هنا – هي ان اقدم اقتراحا الى قسم اللغة الروسية في كلية اللغات بجامعة بغداد بكتابة رسالة ماجستير تتناول مقارنة بين ترجمة الدكتور أكرم فاضل عن الفرنسية والكاتب ذو النون أيوب عن الانكليزية لرواية تورغينيف – ( الاباء والبنون ) والصادرة في بغداد عام 1950 وبين ترجمة خيري الضامن لنفس تلك الرواية عن الروسية والصادرة في موسكو عن دار نشر (رادوغا) (قوس قزح ) عام 8519 ضمن مؤلفات تورغينيف بخمسه أجزاء , اذ ان هذا العمل العلمي سيؤكد اولا حقيقة طريفة وساطعة في موضوعة الادب الروسي في العراق وهي ان ترجمة رواية تورغينيف ( الاباء والبنون ) ذات المكانة الكبيرة والموقع المتميز في مسيرة تاريخ الادب الروسي بشكل خاص والادب العالمي برمته ترتبط قبل كل شئ بالمترجمين العراقيين وبحركة الترجمة في العراق بالذات , وهي صدفة ليس الا بالطبع ولم تحدث نتيجة تخطيط مسبق , ولكنها – مع ذلك – تدعو للفخر والاعتزاز وتقتضي وتستحق – من وجهة نظرنا – ابرازها عربيا وعالميا كما يجب لانها دليل مادي حاسم حول نضوج حركة الترجمة العراقية بلا شك , وثانيا , سيكون هذا العمل درسا تطبيقيا رائعا وممتازا في مجال الترجمة الادبية الى اللغة العربية عند مقارنة اجتهادات هذه المجموعة من المترجمين الكبار لنص روسي كلاسيكي نموذجي في الادب الروسي كتبه اديب عملاق مثل تورغينيف ( توجد في ترجمة خيري الضامن مثلا جملة – الربيع يختال ضاحكا , وهو استخدام رائع لتلك الصورة الشاعرية المدهشة الجمال من قصيدة البحتري المشهورة , ويستطيع الباحث ان يقارن هذه الجملة عند تورغينيف في النص الروسي بترجمة الضامن وكيف ترجمها اكرم فاضل وذو النون ايوب , وهذا المثل غيض من فيض طبعا في ثنايا تلك الرواية ) , وكم اتمنى ان يحقق قسم اللغة الروسية هذا المقترح , واود ان اعلن هنا – في حالة اقرار هذا المقترح – عن استعدادي التام والكامل وباي صيغة

يراها القسم ولجنته العلمية للتعاون مع المشرف العلمي على هذه الاطروحة ومع طالب الماجستير الذي سينجزها, وانا على يقين , ان هذه الاطروحة – في حالة انجازها – ستكون واحدة من الاطاريح المتميزة والمهمة والبارزة في مسيرة القسم وفي مجال الدراسات الروسية – العربية المقارنة في العراق خصوصا و العالم العربي برمته عموما وانها ستكون عملا علميا جديدا وخطوة رائدة بكل ما تحمل الكلمة من معنى في مجال الدراسات الترجمية المقارنة.

الفكرة الثانية التي اريد ان اتوقف عندها في هذا السياق ترتبط بترجمة خيري الضامن لمذكرات زوجة دستويفسكي الثانية آنٌا غريغوريفنا دستويفسكايا ( 1846- 1918 ) والصادرة في عام 1925 ولم يسبق ان قام احد بترجمتها الى العربية , هذا العمل الترجمي الرائع والمتميز والفريد والتي كانت تنتظره المكتبة العربية بلا شك باعتباره واحدا من المصادر الروسية المهمة حول دستويفسكي وسيرته الذاتية انسانا واديبا مبدعا بشكل عام , وهذا المصدر الذي قدمه لنا خيري الضامن يحتاج الى حملة واسعة و دعم معنوي في وسائل الاعلام المختلفة يتناسب مع أهميته واصالته وقيمته النقدية , خصوصا واننا نرى هناك تلك الهوامش ذات المضامين التفصيلية المعمقة والعلمية الملحقة بذلك النص , هذه الهوامش الضرورية لاكمال هدف وقيمة ما كتبته زوجة دستويفسكي , وهو ما قام به خيري الضامن بشكل ممتاز و متكامل جدا انطلاقا من موقفه العلمي والموضوعي امام القارئ العربي كمترجم لذلك النص , اذ توقف عند اسماء مثل المفكر الاشتراكي بيتروشيفسكي والناقد الادبي بيلينسكي والشاعر والصحفي نكراسوف وبقية اسماء الاعلام الذين يرتبطون بمسيرة دستويفسكي الابداعية, ومن المهم الاشارة هنا الى ان الجديد في هذه المسألة بشكل عام يكمن في ان المترجم قدٌم لنا نصا متميزا جدا يتضمن اولا وقائع من حياة دستويفسكي ويحتوي في نفس الوقت على صورة قلمية فنية تعكس خصائص ابداعه الادبي , وبالتالي فان المترجم قد حقق في الواقع خطوة جديدة في مسيرة الترجمة العربية عن اللغة الروسية لم توليها دور النشر

السوفيتية آنذاك اهميتها ولا مكانتها اللائقة بها , اذ انها ركٌزت على النتاجات الادبية دون الاخذ بنظر الاعتبار الدراسات النقدية او الصور القلمية والمذكرات حول تلك النتاجات بشكل عام وهي مواد تكميلية وضرورية بلا ادنى شك من اجل فهم واستيعاب تلك النتاجات الابداعية وقيمتها واهميتها .

ختاما اريد ان اطرح سؤالين , السؤال الاول – هل اوفيت في هذه السطور حق الاستاذ خيري الضامن كمترجم مبدع امامنا – نحن القراء ؟ ربما يمكن ان اقول – نعم جزئيا , لاني لم اتناول كل ابداعه الترجمي المتنوع تفصيلا, ولكن في الاقل طرحت هذا الموضوع المهم ليس الا في مسيرة حركة الترجمة من اللغة الروسية الى اللغة العربية وتحدثت عن اهميته ومكانته الحقيقية فيها , والسؤال الثاني هنا هو – هل سيكون الضامن راضيا عن كل هذه السطور عنه ام ان تواضعه الجم سيجعله غير سعيد بها ؟؟ ولن انتظر جوابه عن هذا السؤال , بل سانشر هذه السطور واعطي للقراء حرية الحكم النهائي بشأنها .