18 ديسمبر، 2024 10:14 م

صباحا في المقهى…. ونحن ندفن أحزان سرية مكتومة وسط  ضحكات لامعقولة  بين حلقة شباب تائه وفي وسط دوامة حرب الأعصاب التي شتتنا ورمتنا على شطأن الغربة ولسخرية القدر أصبحنا نتقاسم اهتماماتنا وخلافاتنا معا.
فجأة ينبع (…) في وسط الحلقة … من قلب دخان الألم يتشكل … كالمارد .., يلملم شتات أفكارنا , لا اعرفه لكني لمحت بطاقته التعريفية على صدره عليها اسمه .
جاءنا معلقا على صمتنا وبدأ يحرر أفكارنا ان نتظاهر سلميا ونطالب ونصرخ وأن …. بدت على وجهه نسمات غضب عتيق!! يؤمن بأفكار لا ننتمي إليها ويتحدث بألسن ولغات لا نفهم منها شيئا !
نحن الذين ننتمي إلى حيث المستقبل المجهول …الى حيث العدم ….الخارجين من أسوار سجن كبير الى باحة سجن أكبر نجهل قوانينه وقواعد لعبته… جاء يحدثنا عن أهمية الثورات في حياتنا والمطالبة بحقوقنا المسلوبة والضائعة كأفراد حقيقيين في المدينة بالرغم عن ستار الديمقراطية المزيفة التي منحونا إياها … ولكن لا حياة لمن تنادي ! كان الصمت هو سيد الموقف .
 كنت أتنفس كلامه ببساطة طفل… أصبح الصمت يلملمنا ويبعثرنا … نلف به عارنا وما أل إليه الحال … يلسعني الخوف والشك على أفكار يتيمة…عقيمة ورثتها منذ قرون مضت من دون أن ادري باني كنت على خطأ .. من دون أن ادري بأني كنت مخدر فكريا, ومن شدة ما كذبوا علينا صدقا الكذبة وبدأت مأساتنا بالنمو…. لم نجب بشيء …. ضحكوا من كلامه كعادتهم مثلما ضحكوا على الأنبياء من قبله حتى يأس وتوارى إلى حلقات مفرغة أخرى جوارنا عسى أن يلتقي بمن يستجيب له ….عبثا يحاول .
 أردت أن اقترب … لأسمع منه أكثر عن ما كان مدفونا في نفسي من حديث خانتني حنجرتي على البوح به لئلا تفضح سري الريح وأنتزع من الغصن كورقة خريف شاحبة … حان أوان الواقعة ورجع لي الأمل من جديد بصدى كلامه… تفجر بركان الحزن والغضب وأذاب مستعمرات الجليد الذي غلف نوافذ الروح … لكني ومع الأسف لم اقترب … لم أحاول أن أقترب… لا اعرف السبب ؟
راهب أنا قتلتني الشهوة … في دروب الحياة مازلت أتمتم آياتي بحثا عن صدى إيماني المفقود بين غبار الخيل المتناثر وفحيح الرصاص اللذيذ !
متى تنتهي معارك الفكر؟ ومتى يستريح أهل مدينتي ويفهموا بأن المعركة الحقيقية هي ضد كل من يحاول تفرقتهم بالأفكار .
 
رحت أتأمله وبحسد….أردت ان اسأله هل هذا فعلا اسمه الفعلي أم الحركي ؟ وهل كان معنا منذ الأزل شاهدا على مأساتنا ؟ لماذا لم يتدخل وينقذنا وقتها ؟ ولماذا يستميت ويقاتل الان ؟ بل ربما ليضحي بروحه من اجل شعب طارت عقوله خارج أسوار المدينة الى غير رجعة والبقية تنتظر دورها للرحيل ؟
الم يعلم مسبقا بأنه مهما حكى وغضب وربما مات من اجلنا فأن ذلك لن يهزنا قيد شعرة لأننا ببساطة أصبحنا نؤمن بالا انتماء … بالغربة … بالهروب المبرر والانسلاخ من مسؤولياتنا بهدوء  ….عبثا يحاول .
أصمت …. أمشي ونفسي…..أفكر….أتنفس بحرية
 لكني طوال الطريق الممتد عبر شرايين السوق لمحته يمشي مشية منحنية…يحمل في يده اليسرى كيسا أزرق اللون و سيكارة رخيصة بأصابع يده اليمنى ,
ومن دون ان يشعر به احد اختفى في زحام السوق وابتلعه الزقاق , ربما ذهب ليبكي خيبة أمله فينا… أو ليحرق كتاب سري كان قد قرأه وأمن بأسطره .. أو ربما قرر أن يتعلم  لغتنا …لغة الصمت
 
أذن فقد تحققت نبوءتي له … وغدا عندما التقي به صدفة سوف أتجرأ وادعوه إلى فنجان قهوة وسيكارة … وربما أداوي تقرحات روحه المتعبة لأصبح بعدها أخا بالفكر أو عدو لدود بالفعل !
 
غدا … سوف تبحث عني مغامرة جديدة ! وربما خيبة أمل جديدة اسطرها في عالمي المليء بالخيبات !