22 نوفمبر، 2024 10:11 م
Search
Close this search box.

خيانة المسؤول للأمانة تصريح صالح المطلك وعبد اللطيف هميم نموذجا لذلك

خيانة المسؤول للأمانة تصريح صالح المطلك وعبد اللطيف هميم نموذجا لذلك

من المفترض ان الساسة الكبار يدركون أن مخزون الغضب الشعبي العراقي الشيعي، وليس السني فقط، أكبر من الكهرباء والماء، وأكثر من مجرد محاسبة بعض الفاسدين، وطرد حفنة من المسؤولين.
 ولم يعد خافيا على أحد مدى خيبة أمل الشعب العراقي وبعدها المرجعية وإحباطها وغضبها من طبقة الحكام الذين اختارتهم، ووثقت بهم، وكفلتهم، والذين تأكد لها أنهم، بفسادهم وتفاهة الكثيرين منهم، وجهالته ولصوصيته الزائدة جدا عن حدها المقبول، قد تسببوا بهدم مدن، وقد يتسببون بهدم العراق كله على ساكنيه أجمعين.
واشتعل الوطن كله بالأصوات المطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة، وسلطة الدولة المدنية الحديثة الراشدة، وحاولت جهات إفراغ التظاهرات من محتواها الثوري، وتحويلها إلى حفلة صاخبة تراق بها الدماء، وقد تصبح التظاهرات الاحتجاجية العراقية، في هذا الوقت بالذات، حواضن مناسبة لتدخلِ قوى وحكومات وأجهزة مخابرات عديدة، لتخرجها من كونها فورة (بسبب نقص الخدمات والفساد)، وتجعلها ثورة (على الاحتلال والرجعية والظلم والفساد)، تمهيدا لتصفية حسابات دولية كثيرة مؤجلة.
وحاول السيد حيدر العبادي احتضان المتظاهرين، وتطييب خواطرهم، وامتصاص احتجاجاتهم، بعمليات جراحية عاجلة، ولكن بسيطة، وبتخدير محلي، لاستئصال بعض الاورام، وتصغير بعضها الآخر، أو تأجيل علاجه إلى ما بعد مرور العاصفة، من خلال إجراءات نالت الخط الثاني من الفساد، وحذر من السياسيين الذين يعملون على افشال هذه الإصلاحات، وبالرغم من اني اشرت في مقال سابق ملاحظتنا على إصلاحات العبادي، لكننا مجبرين ان نمضي مع العبادي لأجل محاربة الفساد، وليس بعيدا عن توجسات العبادي من السياسيين خرج علينا الدكتور صالح المطلك بتصريح بائس حيث قال  لـ “وكالة سكاي برس”: إلغاء مناصب النواب الستة لا يعني شيئاً لأننا سنستلم 80% من رواتبنا ونحن جالسون في بيوتنا”!! أما الباقون فقد اكتفوا بالبكاء في بيوتهم وتمتمة بعض العبارات هنا وهناك لأنهم كانوا “نائمين في العسل” كما يقال.
وقريبا من تصريح صالح المطلك وعلي شلاه، صرح رئيس الوقف السني الدكتور عبداللطيف هميم في لقاء مؤخرا في احدى القنوات الفضائية (..بانه وأولاده ينفقون يوميا اكثر من عشرون الف دولار ..)
ان تصريح السيد صالح المطلك كان يشير بابتذال الى حب المناصب والمال ويجعل السيد العبادي تحت المسؤولية المهنية وبعدها الجنائية باعتباره يقوم بالتغرير بالشعب، بانه أحال على التقاعد النواب ولم يقم بإقالتهم حسب ما صرح به رسميا؛ والاقالة غير الإحالة على التقاعد، لاسيما ان المطلك يؤكد في تصريحه ان الفرق بضعة دولارات لا تؤثر على الوضع المالي بشيء، وقطعا السيد العبادي لا يقوم بتلك الممارسة لأنها ضحك على الذقون.
ان هذين التصريحين( تصريح المطلك والهميم) يضع مطلقيها تحت جريمة خيانة الأمانة للمسؤول لأبناء الشعب العراقي ومتظاهريه بطريقة لا تنم عن أي شعور بالمسؤولية، وفي النص القانوني والعرف الاجتماعي والاعتباري، تأخذ الأمانة حيزها الكبير، بوصفها الوعاء الأخلاقي الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال إخضاعه لحسابات أخرى، مهما كانت الذرائع والمسوغات، ومن هذا المنطلق تقدمت الأمانة في التصرف على العدل، إذ لا يمكن للعدل أن يسود إذا لم يكن هناك موقف أمين يدعم إصلاحات السيد العبادي ويدفعه إلى الواجهة السلوكية سواء كانت هذه الإصلاحات إجراءا قانونيا يحارب الفساد اوو يهم قضية الترهل الإداري أم تصرفا إنسانيا يوميا معتادا.
وأقول هل لدينا مسؤولين يشعرون بالذنب ويقدسوا المهنية والنزاهة ويتنحوا عن مناصبهم ويعترفوا بخطئهم حفاظا على حقوق الشعب العراقي؟
ان التصريحين لا يمكن ان نضعهما الا بان السيد الهميم والسيد المطلك، خارج التغطية عن معاناة المتظاهرين  وانهم بعيدين عن ملامسة نداءات النازحين وبعدهم المتظاهرين ويفكرون بان مسالة التظاهرات سوف تكون فورة وتنطفئ شعلتها، رويدا فرويدا، إذا ما توقفت عند حدود المطالبة بالدواء والغذاء والماء والكهرباء، واكتفت بما اتخذه العبادي من إجراءات سطحية عابرة، مع العلم ان المتظاهرين ومعهم النازحين الذين احتل داعش والقاعدة محافظاتهم ومزارعهم ومدارس أولادهم، يتمنون أن تتصاعد الاحتجاجات، وأن تتسع، وأن ينخرط فيها المُهجَّرون، والنازحون، وأن يتم تحرير الموصل والرمادي من داعش، وبقية المحافظات من الفاسدين.
ان المثير للاستغراب في التصريحين؛ اننا نشاهد الان على الفضائيات؛ كل السياسيين والحكوميين والنواب ورؤساء الكتل والتيارات يطلبون من العبادي الضرب بيد من حديد على الفساد؛ اذن من هم الفاسدين وكيف تصدرنا اسفل عشر دول بالعالم في قوائم الفساد، فالكل يتحدثون عن براءة الذمة والثوب الأبيض في تصرف المسئول، والعفة السلوكية، والزهد في الملاذ الشخصية، كما تحدث المطلك عن عفته وبراءة ذمته ولحقه الهميم عندما يدعي في معرض رده على ان هناك اتهامات بالفساد، بانه وأولاده ينفقون يوميا عشرون الف دولار؛ ونجده في لقاءات عديدة يصف قضية النازحين بالكارثة الإنسانية، فكيف نريد من المسؤول وهو يتحدث بهذه الطريقة العلنية عن معيشته وعائلته وهذا البذخ الفاحش؛ ان يكون امينا على المسؤولية الملقاة على عاتقه والمسؤولية رجولة واحساس وشعور؛ بهذه الطريقة، لم ولن  ينصف الشعب ولا يمتلك الجرأة في محاربة الفاسدين ولا في قول الحق والإصرار المبدئي على المواقف التي تخدم الوطن والشعب وتصون المبادئ، وباعتبار الأمانة بوصفها المدخل الوحيد لكل هذه التوجهات السلوكية الحياتية، إذ ماذا ينفع أن يتصرف المسؤول بقضية ما أن لم يكن موقفه أمينا ؟ وكيف يضمن المسؤول أن يكون موقفه موقفا صحيحا في المسئولية وهو لا يقيم تصرفه على أساس العدل والإنصاف والاحساس بالمسؤولية والتصرف الصحيح.
ان مسالة تامين سلوك للإفراد قائم على الأمانة يخضع أول ما يخضع إلى تقديم صورة الإنسان المسئول الأمين في تصرفه ابتداء من إفراد الأسرة الواحدة مرورا بالمدرسة، فالمؤسسة التي يتواجد فيها الفرد، ومما فيه.
وخير مثال على خيانة الأمانة هو ما يقوم به المسؤولين العراقيين وتهاونهم وتفضيلهم مكاسبهم حتى لو كانت على حساب أرواح المواطنين، فالواجب الذي يقع على عاتق أعضاء مجلس النواب أولا وعلى أعضاء السلطة التنفيذية والقضائية هو حماية المواطن وتمثيله لا سرقته واستخدامه من اجل الوصول إلى المآرب الخاصة.
ان المسؤولين العراقيين المشاركين بالحكومة وافقوا وقبلوا المشاركة والعمل بهذه المعايير وصاروا جزء منها وتولوا مناصب بموجبها راضين مرضيين مع ما يدره عليهم من ارباح وامتيازات وتسهيلات وسلطة ونفوذ لم يعد بمقدور أحد منكم انكارها او القفز عليها.
أن أعلى أنواع إقامة صروح الأمانة في التصرف هو تقديم النموذج الأمين في المسؤولية التي تدير شريحة معينة من الناس، وعند وضع هذين التصريحين وغيرهما نجدهما علامة دالة للمغالبة والالتفاف على الوقائع والقفز على الحقائق ونموذج صارخ لعدم الأمانة في تبوءا المسؤولية، ونصل الى ان أي نوع من أنواع الضبط الاجتماعي والقانوني في صورة المسؤول الأمين على المسؤولية غير موجودة على الأقل في ظل المشهد العراقي، وإذا قيل إن أعظم أنواع الأمانة هو الأمانة على المال العام، أي المال الخاص بالدولة والمجتمع، فان من يسرق من هذا المال كمن يسرق ماله، أو يسرق مال وحاجات أسرته، وبهذا فان القضاء والمحاكم والمسئولين عن تطبيق القوانين من الموجبات ان يقدمون النموذج الأعلى والأكثر تأثيرا في تقديم صور مشرقة للأمانة في المسؤولية.
ان الديمومة التي يريدها الشعب العراقي للعدل يريدها من مواقع المعايشة الوجدانية، وضمن أطار الواجب الاخلاقي والقانوني والاعتباري لا ان يصرح المسؤول بان أولاده ينفقون على كارتات الموبايل كذا مليون او انهم يصرفون يوميا عشرون ألف دولار، وبهذا لا يكفي ان يكون المسؤول مهنيا ونزيها في محيط مفاصل وزارته إذا لم يكن منتسبي وزارته او دائرته يحسون بالأمان والطمأنينة، والقاضي الذي يحكم في قضية ما لن يكون عادلا إذا لم يكن أطراف هذه القضية قد امنوا المناخ العدلي الذي أصدر فيه القاضي قراره فيها.
وهناك توجس من ممارسة العدل تحت ضغط ان هذا الموقف يجلب له المشاكل او يضعه في إطار غير قادر على مواجهتها ودرء مخاطرها.
وتذكيرا، ان القضاء على الفساد بكافة اشكاله يحتاج الى رجال وقورين عند الشدائد صبورين في تحملهم للمخاطر خصوصا ان بعض المسؤولين كانوا على اطلاع بأعمال غسيل أموال قذرة وسكتوا عنها وكانوا نواب لرئيس الحكومة، لكن ما ان فقدوا موقعهم الوزاري والحكومي في قرارات العبادي الاخيرة أصبح حديثهم عن الفساد، اين هم من تقرير لمنظمة النزاهة المالية العالمية؟ حيث أكد التقرير على تنامي تدفقات الأموال “القذرة” في العراق، فقد زادت تحويلات الأموال القذرة إلى خارج العراق بشكل حاد في 2010 إلى ما يزيد قليلا على 22 مليار دولار من 18 مليار دولار في 2009 ونحو 20 مليارا في 2008 وأربعة مليارات في 2007، وفي الأعوام 2013 و2014 فاقت كل التقديرات لضخامتها.
ان الركون الى التوجس والخوف من احقاق العدل والسكوت عن المفاسد لتحقيق مصالح شخصية، يفقد صاحب القرار بشخصيته الانسانية، بل يفقده اهم شروط وجوده: الشرف، وهذا بحد ذاته ما يجب ان يشير اليه قادة السلطة القضائية والتنفيذية والتشريعية في اطلالة فكرية عدلية عالية القيمة، وان يؤكدوا، انه لا خوف على الانسان من ان يفقد اخرين نتيجة موقفه العادل، وان الربط بين العدل والكسب المادي ينبغي ان لا يخل بشروط هذا العدل، مهما كانت هذه النتائج ضد هذا الكسب اذا كان بالحرام، وهذا ما يفسر بحد ذاته المبدئية العالية التي يجب ان تعتمدها الدولة في التعامل مع قضايا قانونية وعدلية احد اسبابها الهامش الاقتصادي واندفاع الافراد للتملك على حساب الكسب الحلال.
مشكلة السياسيين وفي مقدمتهم صالح المطلك وغيره، انهم ينتقلون من موقع الموالاة الى موقع المعارضة عندما يخسرون مناصبهم وكأن هذا المناصب مسجلة بأسمائهم او شركة تعود لهم.
 ان أكثر المسؤولين المحسوبين على المكون السني لم يقدموا شيئا نافعا واحدا الى ابناء جلدتهم الذي حسب عليهم بالتزوير تارة وتارة أخرى بالتدليس والقوة والاكراه طيلة السنوات السابقة بل انهم الحقوا بهم اضرارا فادحة وخصوصا لجنة النازحين التي عليها شبهات وتهم، تمنياتنا ان تنصرفوا الى شؤونك الخاصة وادامة مشاريعك الشخصية والعائلية، وتتركوا المسؤولية يتبؤها النزيه الوطني الغيور حامل الهوية العراقية حتى لو كان غير مسلم.
واختم مقالي بخطبة للأمام علي عليه السلام عن اهل العراق:
(( أَمَّابَعْدُ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ فَإِنَّمَا أَنْتُمْ كَالْمَرْأَةِ الْحَامِلِ- حَمَلَتْ فَلَمَّا أَتَمَّتْ أَمْلَصَتْ وَمَاتَ قَيِّمُهَا- وَطَالَ تَأَيُّمُهَا وَوَرِثَهَا أَبْعَدُهَا- . أَمَا وَاللَّهِ مَا أَتَيْتُكُمُ اخْتِيَاراً-وَلَكِنْ جِئْتُ إِلَيْكُمْ سَوْقاً-وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَقُولُونَ عَلِيٌّ يَكْذِبُ قَاتَلَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى-فَعَلَى مَنْ أَكْذِبُ أَعَلَى اللَّهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ-أَمْ عَلَى نَبِيِّهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ-كَلَّا وَاللَّهِ لَكِنَّهَا لَهْجَةٌ غِبْتُمْ عَنْهَا-وَلَمْ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا-وَيْلُ أُمِّهِ كَيْلًا بِغَيْرِ ثَمَنٍ لَوْ كَانَ لَهُ وِعَاءٌ-وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ))

أحدث المقالات