12 أبريل، 2024 6:09 ص
Search
Close this search box.

خيانة الشعب والفقراء من خلال البطاقة التموينية

Facebook
Twitter
LinkedIn

تقول البيانات الخجولة الصادرة من وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي ، بان معدلات الفقر في العراق وصلت لتشمل ثلث عدد السكان كما إن معدلات التضخم مستمرة بالارتفاع بدون معالجات ، وحسب التقارير الدولية التي تؤيدها وزارة الهجرة والمهجرين فان عدد النازحين وصل لأكثر من 3 ملايين ، وان هذا العدد مرشح بالزيادة ليصل إلى أكثر من 4 ملايين بعد المباشرة بتحرير الفلوجة والموصل بإذن الله ، وحسب تصريحات لبعض السياسيين فان عودة النازحين لديارهم ستستغرق أمدا غير معروف لان أهالي جرف الصخر ويثرب الذين حررت أراضيهم منذ أكثر من عام ( على سبيل المثال ) لم تتم إعادتهم إلا بعد تطبيق إجراءات معقدة تتعلق بمجموعة من التحديات ، أما عودة النازحين من بعض المناطق المحررة فإنها شبه مستحيلة لان هناك مناطق طالها 80% أو أكثر من التدمير ، وبخصوص السكان في المناطق غير الساخنة فان العديد منهم يعانون البطالة وشحة الفرص بعد إيقاف التعيينات ولجوء الحكومة إلى التقشف الذي أدى إلى تقليص الموازنة التشغيلية وإيقاف النفقات الاستثمارية وعند تذكر العاملون في القطاع الخاص فان اغلب أعمالهم غير مستقرة وهدفها ملأ العلاكة يوما بيوم وقد تأثرت كثير بالتقشف الحكومي ، وبفضل الاستقطاعات من الرواتب والمخصصات التي تشمل الموظفين والمتقاعدين فان اغلب الرواتب لم تعد قادرة على تغطية متطلبات الحياة ، لا سيما بعد فرض الضرائب والرسوم والتعريفة الكمركية وتسعير العديد من الخدمات ومنها الخدمات الصحية التي تقدمها المؤسسات الحكومية ، وهناك اعباءا ومستجدات جديدة يطول تعدادها ووصفها ومنها فسخ العقود المؤقتة وارتفاع الإيجارات ورفع أسعار الوقود وغاز الطبخ والاضطرار لدفع المبالغ لأصحاب المولدات وشبكات الاتصالات والانترنيت مع ضرائبها البالغة 20% التي لا يعلم أحدا هل تذهب للخزينة العامة أم لجيوب السراق والمفسدين .
وان الهدف من العرض السابق التأكيد على إن هناك فئات كبيرة من الشعب العراقي في الداخل بحاجة لاستمرار توفير أمنها الغذائي من خلال مفردات البطاقة التموينية ، التي استخدمت منذ 1990 بعد الحصار الاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة على بلدنا بغطاء الشرعية الدولية ومن خلال قرار مجلس الأمن الدولي بالرقم 661 ، وحسب تقديرات حكومية تبناها مجلس النواب فان العراقي الذي تقل مدخولاته عن 1,5 مليون دينار شهريا فانه لا يزال بحاجة إلى الاستفادة من برنامج البطاقة الغذائية لتوفير متطلبات الحد الأدنى من الغذاء ، فقد تقرر حجب المواد التموينية لمن يزيد دخله عن هذا الرقم ، ويعني ذلك من الناحية العملية إن أكثر من 80% من العراقيين هم بحاجة لاستمرار هذا البرنامج الذي خضع إلى العديد من الاختراقات من خلال :
تقليل عدد فقرات البطاقة التموينية لتصل إلى أربعة مواد هي الرز والطحين والسكر وزيت الطعام
انخفاض جودة الأنواع المجهزة من خلال اللجوء إلى مصادر غير رصينة من باب الفساد الإداري
عدم الالتزام بمواعيد معلومة ومحددة للتجهيز ما يضطر المواطن للشراء من الأسواق للتعويض
انتشار حالات الفساد التي يتم من خلالها استبدال الأنواع المستوردة بأنواع أخرى اقل جودة بكثير
تجهيز أنواع منتهية الصلاحية أو غير صالحة للاستهلاك البشري بسبب ظروف الخزن أو النقل
المواطن يضطر لبيع المواد المجهزة لرداءتها رغم تخصيص مليارات الدولارات لاستيرادها سنويا
رصد العديد من الخروقات بخصوص الوزن أو استيفاء مبالغ أكثر من المقررة وعدم الرزم بالتوزيع
كذب جميع الادعاءات بخصوص تحسين التجهيز حيث تنفق أموال على دراسات غير قابلة للتطبيق
عدم ظهور تحسن ملحوظ على مفردات التموينية في أي سنة رغم الفوائض في الموازنات السابقة
وهذه الاختراقات ليست بحاجة إلى إثباتات للبرهنة عليها إذ تتوفر الكثير من المؤشرات التي تدين وزارة التجارة بهذا الخصوص ، فهناك فضائح زيت الطعام والشاي المخلوط ببرادة الحديد والرز المصاب بالتعفن والحوادث الواضحة في موانيء البصرة وهي مواضيع تناولتها وسائل الإعلام ولم تظهر نتائج التحقيق بشأنها لحد اليوم ، كما إن اغلب وزراء التجارة لديهم ملفات في الفساد الإداري ومنهم السوداني والصافي وملاس ، وحاليا الوزارة تدار بالوكالة من قبل وزير العمل والشؤون الاجتماعية الذي لا يزال يبحث في ملفات الفساد مما اضطره لعدم إصدار البطاقة التموينية لعام 2016 ونحن في آذار 2016 حيث يقال إن هناك أكثر من 500 ألف مستفيد من التموينية بعمر يزيد عن 80 سنة ، كما إن هناك أعداد كبيرة من المتوفين والمهاجرين للخارج لا تزال حصصهم يتم استلامها كل شهر من قبل ذويهم أو الوكلاء ، ومن الإجراءات التي يتم اتخاذها هو وجوب حضور كبار السن والمشكوك بوفاتهم إلى مراكز التموين لإثبات الحياة ، وإيقاف تجهيز العديد من المواد ومنها إسقاط حصص 2015 غير المجهزة بالتقادم ، وحسب مسوحات ميدانية تم إجرائها فان مادتي الرز وزيت الطعام لم تجهزا منذ بداية العام الحالي رغم إسقاط حقوق المواطنين منها بالتقادم لعام 2015 ، وبسبب ذلك فان أسعار الرز وزيت الطعام تشهد انتعاشا في الأسواق المحلية لوجود طلب عالي عليها من قبل المواطنين باعتبارها لم تجهز منذ ثلاثة شهور وكإن هناك توأمة بين التجارة وبعض التجار بخصوص الموضوع .
ويدل الاختلال والتراجع في الأداء بخصوص إدارة مفردات البطاقة التموينية على الفشل الحكومي المتصاعد في مجال توفير الحد الأدنى لمتطلبات الغذاء للغالبية العظمى من السكان ، حيث شهدات السنوات 2003 – 2016 تراجعا في عدد المفردات وكميات ونوعيات ومواعيد التجهيز بعكس الوعود التي قطعها ( المعارضون ) للنظام البائد الذي اقسموا على زيادة المفردات من 12 إلى 45 على الأقل ، وبعضهم ممن تولوا إدارة الحكم بعد 2003 والذين أوصلوها إلى 4 مواد تتأخر شهريا وتغيب أحيانا لشهور ، والمواطن العراقي البسيط يقول إن الهدف من بقاء البطاقة التموينية وعدم إلغائها ليس غرضه خدمة المواطن وإنما يعود إلى سببين أساسيين على الأقل ، أولهما لأغراض إحصائية وتوثيقية رغم الطعونات بصحة البيانات التي تتضمنها ، إذ لم يتم إجراء إحصاء سكاني بعد ( التحرير ) وثانيها استخدامها كوسيلة للسرقات لأنها مخترقة ولم تتم المساءلة عن فسادها بشكل جاد ، ويسود اعتقاد لدى البعض بان ضعف الاهتمام بمفردات البطاقة التموينية ربما سيسهل في يوم من الأيام إلى إلغائها دون إحداث ضجة من قبل الجمهور فهي مثل الإنسان الذي يتم إضعافه يوما بعد يوم لغرض موته بشكل بطيء ، ومن يضع هذه الافتراضات لا يعلم بعد بما يمتلكه الشعب العراقي من مخزون في مواجهة الظلم لا سيما عندما يتعلق الأمر بلقمة العيش والكرامة الإنسانية والاستحقاق الوطني ، فإيصال الناس إلى مرحلة الإذلال والتجويع ربما ستكون القشة التي ستقصم ظهر البعير كما يقول المثل الشائع ، فالتموينية ترتبط بذكريات وأحداث ما مر على العراقيين منذ 1990 ولحد اليوم وهي ذكريات أليمة بالفعل ، فقد كانت هذه البطاقة الملاذ الآمن للعراقيين في سنوات الحصار الجائر المفروض عليهم وليس على النظام ، ولو كان هناك عقلاء بالمعنى الصحيح لجعلوا من التموينية بارومتر للاستحواذ على حب واحترام الناس من خلال توفير الأفضل فيها لنيل الرضا والقبول ، ومن وجهة نظر نسبة مهمة من العراقيين فإنهم لا يزالون يتطلعون إلى التموينية كمنقذ لهم في توفير الغذاء بمختلف الازمات ويرفضون إلغائها للحاجة الحقيقية لها ، وان محاولات اغتيالها وإهمالها يشكل خيانة كبرى للفقراء وحين نقول الفقراء فنحن نقصد الغالبية العظمى من السكان ، لأن الغنى بات حكرا على فئات محددة من الشعب أكثرهم يحتفظون بأموالهم خارج العراق ولهم ملاذات للهرب في التوقيت المناسب حين يظهر الشعب غضبه الحقيقي ، فالجوع والتجويع من محركات الثورات عبر التاريخ والقصور والتقصير في توفير مفردات البطاقة التموينية تعد خيانة عظمى لعموم الشعب والفقراء .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب