19 ديسمبر، 2024 6:47 ص

خيانة الثورة.. وحين يعتذر الخونة

خيانة الثورة.. وحين يعتذر الخونة

الحالمون بالثورة والتغيير في العراق بعد احكام تردي اوضاعه وتمزيق شتاته وهويته ونهب ثرواته وتهجير ابناءه، كالغريق الذي يتعلق بقشة، ونحن من الحالمين بالثورة فتعلقنا بمقتدى ولكننا كمن قبض الهواء بيده..
ليس مؤلما ان نكتب عن خيباتنا، فالخيبات رافقتنا جيلا بعد جيل، ولكننا نتألم لخيانة ثورتنا، وعن الخيانة هناك ابواب اخرى للحديث، فما تاريخنا الا خيانات متواصلة وصادمة، وما مقتل الحسين الا شاهد على واحدة من اكبر الخيانات التي عرفها التاريخ البشري ولنا في ذلك فصل قادم..
دائما وابدا يجب ان لا نثق برجل دين، وان لانتبعه فرجال الدين شياطين ابليس في الارض ليس الا!!.. ومادمنا مؤمنين بذلك فلماذا اذن تعلقنا بحركات مقتدى ومنحنا انفسنا باعتصامه املا كنا نعرف انه ليس سوى سراب؟…
ذلك اننا غرقى، كلنا كشعب ممزق مهان ومسلوب الارادة، شعر في لحظة ما ان هناك امل ، وان هناك من قدم نفسه ممثلا عنه مطالبا بحريته وحقوقه، فحق علينا ان نسانده حتى يتبين لنا منه الخيط الابيض عن الاسود، هتف له الكثيرون ، وخرج لتأييده الالاف ، وقبل يديه مراتب وضباط بمناصب ورتب واركان، وسانده احرار، وشيوخ عشائر ببيانات تليت من على منصات الحرية، فكتب له كثيرون وانا منهم، عل رسائلنا تصل اليه فتثير بداخله عراقية قد خفتت، او عزيمة قد لانت، أوتزيد من حماسته قدرا يدفعه لاتخاذ القرار الصائب الذي كان ينتظره الجميع بفارغ الصبر، إلا انه أبى وخذل الجميع بعد ان كان هو من رفع شعار ( الشلع قلع) الذي بث لدى الشعب املا قويا بتحقيق الهدف المنشود..
ومقتدى يعلم ككل العراقيين معنى (الشلع قلع) ، ويعلم ايضا ان لا اصلاح مع فساد عم وشمل كل زاوية وبيت وشارع، ويعلم كذلك كما نعلم جميعا ان مشكلتنا لاتتعلق باشخاص بقدر ما تتعلق بمنهج ونظام، وان تغيير اي عدد من الوزراء لن يمس مطلقا مكانة احزاب فاسدة عميلة، ومكانة وامتيازات برلمان خصص للنهب والنصب والاحتيال، ومكانة رؤساء كتل هم في الاساس رجال عصابات ، وحيتان فساد ونهب وقتل وخطف وتدمير..
وبانهاء الاعتصامات دون تحقيق اي هدف واي مراد واي نصر للفقراء والمظلومين، تكون الثورة التي نادى بها الاحرار منذ اب الماضي والتي اقلقت الزمرة الحاكمة وعرتها وكشفت حقيقة عمالتها وتبعيتها وسفالتها وفسادها، قد تم الالتفاف عليها، وتمت خيانتها بنجاح باهر من قبل مقتدى الصدر..
كانت زمرة الغبراء تبحث طوال اشهر عن وسيلة لاخماد جذوة الثورة، فلم تجد افضل من ركوب موجتها، وتوجيه بوصلتها الى الاتجاه الذي يحمي هذه الزمرة ويقوي نفوذها ويطيل فترة بقائها، فلم تجد افضل من مقتدى واتباعه الفقراء البسطاء ، وفي اب الماضي حين ارتعدت فرائص العملاء من تظاهرات الاحرار العارمة، اطلقوا خلال اربع وعشرين ساعة موجة اصلاحاتهم، وتأهب الكثير منهم للهرب، ولكنهم اليوم بعد
ان ركب مقتدى موجة الثورة والاعتصام الاعلامي، يشعرون بالامان، ويتضاحكون وزعيم فسادهم يسرح ويمرح ويترأس اجتماعاتهم ويدلي ببياناتهم، واخيرا يكفيهم التلويح لدقائق بمظروف مغلق في البرلمان، فيمنحون الوقت الذي يريدون ويجري التوجيه بانهاء الاعتصامات، وبالتظاهر مرة واحدة بعد صلاة كل جمعة، وكأننا في نزهة سياحية اسبوعية وليست ثورة تغيير تنشد الحرية والعدالة والتقدم..
اذن فالثورة المدنية التي تدعو الى عراق جديد قد اجهضت على نحو ما، وشعار (الشلع قلع ) الذي رفعه الصدر، اتضح اخيرا انه لم يكن موجها ضد زمرة الغبراء وانما كان في حقيقته موجها للثورة ورجالها وشبابها الحر المناضل، ولو اراد الشباب الحر الخروج لاحقا للتظاهر فان رايات مقتدى هي التي ستتسيد الموقف، وهي التي ستعطي الاوامر وهي التي ستكتب الشعارات ، ولم يعد بامكان الاخرين سوى واحد من امرين، اما الضحك على النفس والمشاركة بتظاهرات التيار الصدري، واما الانكفاء وترك الامر لمشيئة الله.. ولكن الشباب الحر لهم دائما طريقا اخر نحو الحرية وسيجدونه حتما مازالوا على الدرب سائرين..
ومقتدى الصدر لايختلف عن غيره من رجال الدين في اساليب الخداع والضحك على الذقون، وتمكن ببساطة شديدة وبنجاح باهر من الضحك على فئات واسعة من ابناء الشعب وايهامهم انه الممثل عنهم والمطالب بحقوقهم والمضحي لاجلهم، فتصدر المشهد لايام ولكنه في كل الاحوال ورقة لعبت بها زمر الفساد والقوى الاقليمية ومصيرها حتما هو الاحتراق مثلما احترق حزب الدعوة بخيانته وال الحكيم بفسادهم وتجبرهم، فخسر الصدر والصدريون فرصة تاريخية فيما لو كانوا قد قلبوا حساباتهم ولعبوا مع الشعب وليس ضده،
وصحيح تماما ان الشعب خسر باصلاحات مقتدى وحركاته فرصة الثورة، وصحيح ان معاناته سيطول امدها وستزداد قسوة، ولكنه لم يخسر شيئا كثيرا قياسا الى ما ستؤول اليه الامور فيما لو حصل وان حقق الصدر الثورة ونجح في مسعاه وقلب الطاولة على الزمرة الفاسدة، ومع اننا كعراقيين كنا نأمل ان نقلع شجرة الفساد والعمالة وليفعل بعدها الله مايريد، وخاب الظن وفعل الله ما اراد ، فلنسأل انفسنا: هل كان وضع العراق سيصبح أفضل بقيادة الصدريين اذا ما تمكنوا من الامر؟..
لنحمد الله الذي لايحمد على مكروه سواه، فهو لم يوصلنا الى يوم كنا سنترحم فيه على ايام المالكي وزمرته، فالله يعلم ان ديدن العراقيين دائما هو الترحم على ايامهم السالفة، فهاهم اباؤنا مازالوا يترحمون على الملوك وايامهم ، واخرين يترحمون على الزعيم وايامه، ولكن .. وبصمت وبخوف وندم وفشل، أغلب العراقيين يترحمون اليوم على صدام وهيبته، وسياتي اليوم الذي يتوجب على الجميع تقديم الاعتذار تلو الاعتذار، لرجل كان رافعا هاماتنا الى السماء، ولكننا أبينا إلا ان نركع ونركع حتى نقبُّل بشغف وفرح احذية العملاء وابناء الزنا..
وانا بكل الخوف وبكل الفشل وبكل الندم .. اعتذر لك سيدي صدام حسين، فما نحن سوى عبيد رعاع أضعت وقتك معنا.. [email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات