ماتكشفت عنه الجلستان ، السرية والعلنية ، لإستجواب وزير الدفاع خالد العبيدي داخل مجلس النواب يظهر مدى الافلاس الاخلاقي للعملية السياسية وما انتجته من سلطات تنفيذية وتشريعية .
وامام افتضاح التعامل المعيب للسلطتين في تناول ومعالجة القضايا والأزمات الكبرى للبلاد ، كالفساد والأمن وانتهاك هيبة الدولة وقوانينها ومؤسساتها ، يبرز التساؤل الاهم عن كيفية كبح مثل هذه التعديات ووقف النزيف الاخلاقي الذي اصاب العملية السياسية وامتداداتها في مؤسسات الدولة ؟ وهل ان العملية السياسية ، بمخرجاتها ورموزها الحاكمة ، عازمة وقادرة على تحقيق الاصلاح الجذري مستقبلا بعد ان أفلحت حتى الان في التملص من استحقاقاته وبامتياز ؟ . الاجابة عن هذه التساؤلات تتطلب فهم المخاطر الحقيقية لعملية مساس الفساد بالأسس الاخلاقية للعملية السياسية ومخرجاتها الحكومية ، اذ يمنح هذا الواقع المعتل اشكال الفساد الاخرى ، المالية والادارية والسياسية ، هدنة اخلاقية يستحيل معها التعويل على المعالجات المنبثقة عن المؤسسات الرقابية والقضائية الفاسدة او الخاضعة لسطوة الفساد ، فاستشراء بعض الظواهر السلبية يمنحها قوة القوانين العرفية الضابطة .
اذن ماالسبيل الى الخروج من هذا المأزق ؟
يضع الدكتور اياد علاوي رؤية متكاملة عن الأزمة العراقية والتي يمثل الفساد احد حلقاتها المستعصية ، وقد تم تطوير هذه الرؤية خلال الثلاث عشرة سنة التالية للتغيير وتجد جذورها قبل هذا التاريخ في ادبيات حركة الوفاق الوطني العراقي التي يتزعمها علاوي ، وهي تتسم بالواقعية والموضوعية ، كما تستمد عناصر قوتها الاساسية من مدنيتها بإحالتها جوهر الازمة المركبة ، بأبعادها المختلفة ، الى مبنى العملية السياسية القائم على الطائفية السياسية والمحاصصة والنفوذ الاجنبي ، حيث ان المنطلقات الخاطئة قد انتجت توجهات خاطئة اوجدت بدورها وحصنت الفساد والمفسدين في دولة موازية وعميقة حلت بديلا عن الدولة ( الوطنية ) التي لم تحتفظ الا بعنوانها العام بينما تم مصادرة والتحكم بكل امكاناتها المادية والمعنوية وادواتها في بسط السلطة وهيبة الدولة .
ورغم الفساد العياني لأغلب مفاصل السلطة وتراجع ثقة المواطن بها ، وهي نتاج انحراف العملية السياسية المذكور ، فان الدكتور اياد علاوي يرفض منهج الانقلاب بالقوة على شرعية النظام السياسي القائم رغم علله ، فجاءت تحذيراته من خروج الانتفاضة الشعبية والسياسية في البرلمان عن مسار الاصلاح الحقيقي بعد التحايل الحكومي والسياسي ، رغم دعمه المطلق لمطالب الجماهير السلمية المشروعة ، اذ يرى ان المعالجات المختلفة يجب ان تنبثق عن تعديل المسارات الحالية وبما يحافظ على الاطر المؤسسية التي رسمها الدستور ؛ لمنع الخروج على الشرعية من جهة ، وسحب يد سلطة الفساد القابضة عن التحكم بالاهداف المنشودة من جهة اخرى ، ولتحقيق هذه المقاربة الحذرة والموضوعية طرح الدكتور علاوي حكومة ” الانقاذ الوطني ” .
ان فكرة حكومة الانقاذ الوطني لم تكن بدعة سياسية وقد مثلت مخرجا لازما وربما وحيدا في تجارب عالمية مماثلة ، مع مراعاة خصوصية الواقع العراقي ، وفي مقدمة ذلك منح الصلاحيات الكاملة للحكومة الانتقالية في حشد وادارة كل الموارد والجهود في مواجهة التنظيمات الارهابية وهزيمتها ، بينما تقتصر صلاحياتها الاخرى على تسيير الشؤون العامة خلال فترة لاتتجاوز السنتين يتم خلالها وبالتعاون مع مجلس النواب سن قانون جديد للانتخابات واعتماد مفوضية انتخابات جديدة مستقلة وباشراف المنظمات الدولية ، مع منع هذه الحكومة من الترشح للانتخابات القادمة وبما يضمن نزاهتها .
ان اضاعة فرصة تشكيل الحكومة الوطنية العابرة للطائفية بقيادة اياد علاوي وفق الاستحقاقات التي افرزتها انتخابات العام 2010 ، ومن ثم الالتفاف واعاقة تشكيل مجلس السياسات العليا رغم تمرير قانونه في مجلس النواب ، وتسويف الاجراءات الجادة لوقف الفساد ومحاسبة المفسدين واسترجاع الاموال العراقية المنهوبة من خلال تكليف مؤسسات تدقيق مالي جنائي دولية ، والتي جدد الدكتور علاوي اقتراحها على الحكومة العراقية ، كل ذلك وغيره من الفرص المضاعة ، اضافة الى غياب الرؤية المستقبلية في ادارة الدولة ، والتي تعبر عن تلاشي البعد الاخلاقي في العملية السياسية ، تجعل خيار الحكومة الوطنية هو الخيار الأكثر واقعية وموضوعية في التعامل مع ازماتنا المتوالدة .