23 ديسمبر، 2024 2:29 م

خيار الفوضى ويوتبيا الديمقراطية

خيار الفوضى ويوتبيا الديمقراطية

الديمقراطية، هي الحل الممكن لكافة اوجاعنا، وهذا الحل ليس يوتوبيا سياسية ولا تحليقاً في فضاء الرومانسية وانما هو استلهام موضوعي وعلمي قائم على قراءة واعية للتاريخ وفهم حقيقي للحاضر بمشكلاته المتفاقمة وامراضه المزمنة.
ان الازمات الحالية تدفع البعض منا بدافع اليأس وحدته للانتحار المتعمد، وذلك بالاخذ بالاساليب الارهابية. يظن هؤلاء ان الارهاب ممكن ان يغير، ويبدل، ويحدث ثورة واصلاحاً…. وهذا وهم.
فالارهاب ناتج عن اليأس، ويعبر عن الازمة، لذلك لا يمكن ان يكون ابداً منفذاً نحو الاصلاح. والبعض، تدفعه الظروف الحاكمة التي نعيش بعض نتائجها الى الغرق في الماضي على امل العثور على طريق النجاة والخلاص. وهذا الاستغراق يجعله يتصور ان الحل الممكن يتبلور في الاخذ بسيرة السلف وتطبيق قواعد اخلاقية صارمة تصلح الاعوجاج وتدفع مسيرة المجتمع نحو حياة افضل.
وعندما نتأمل برامج هذا البعض يكشف عن افكار سياسية غاية في التخلف. فهي ترتدي اقنعة ايمانية اخلاقية لكن جوهرها السياسي هو نظام ديكتاتوري شمولي لا يسمح بتعدد الافكار. ولا يمنح الحرية اية مساهمة على الاطلاق.
هذه الاختيارات هي انتحار تدفعنا اليه ظروف مركبة معقدة لا تمكننا من الرؤية الصحيحة ولا تسعفنا بالحلول المعقولة. اننا نعيش في فوضى حقيقية، فوضى فكرية وسياسية واجتماعية.. عارمة اختلط فيها الحابل بالنابل، اننا في حلقة دروشة داخل غرفة حالكة السواد، لذلك لا نسطتيع التمييز ولا الاختيار.
هذه الفوضى، مسؤولة عن الافكار الخاطئة التي نختارها بارادة غير واعية. فحالة العمى السياسي والفكري تجعلنا لا نميز بين الفاسد والصالح. ان البعض يدعم حلقات ارهابية ضررها اكثر من نفعها، وتدميرها مريع لانها ببساطة تنعش المناخ الاسود حيث يتحول (المسدس) الى الفيصل والحكم في كل شيء.
نمو هذا الاتجاه خطر على واقع متشابك مثل واقعنا، اننا لسنا بحاجة لمثل هذه الافكار، اننا نحتاج لسلوك نهج مختلف يساعد على الاستقرار وعلى تبلور المؤسسات السياسية ونمو منابر التعبير وتبلور الهيئات التشريعية والدستورية.
واتصور ان هذه المؤسسات قادرة اذا تمكنت من الثبات والاستقرار على حسم قضايا التغيير واحداث تحريك نحو تحقيق كافة المطالب التي يطرحها دعاة التغيير السريع وحسم القضايا الوطنية والاجتماعية.
ان اي حركة سياسية تتبنى العنف وسيلة للتعبير عن افكارها السياسية هي حركة مأزومة تعيش ظروف الفشل والاحباط. لان عنف المجموعات الصغيرة تطلق الرصاص في كل الاتجاهات، هو عنف ارهابي وليس له اية علاقة بتغيير المجتمع ولا فرض اية افكار جديدة على السلطة الحاكمة .
ان دعم (الخيار الديمقراطي هو الحل) صحيح ان هذا الحل بطيء ونفسه طويل، الا انه مضمون على المدى البعيد. لذلك القوى الوطنية في العراق الآن على سبيل المثال مطالبة بالعض بالنواجذ على الاختيار الديمقراطي، لانه البديل الحقيقي والممكن في ظل ظروفنا الحالية.
ورغم كل التحليلات والتنظيرات، فانه ليس من المطلوب استفزاز العناصر غير الديمقراطية في الحكم التي تريد هدم التجربة بالكامل وطرح الحل (القمعي، العسكري، البوليسي….) كبديل وحيد لتصفية كافة المشكلات وانهاء (مولد الديمقراطية) بقرار وانهاء كل مظاهرها بتحريك مفاجئ. ان القضية الآن ليست الوصول الى الحكم وانما بناء المؤسسات الدستورية، نزع الحقوق المدنية، ترسيخ قيمة الحرية، دعم الهيئة التشريعية، الدعوة الى بروز صحافة اكثر استقلالية، تبني حق الافراد في اصدار المطبوعات، تحالف كل القوى الوطنية خلف مطالب تاكيد حقوق الانسان التي تحميه من عسف السلطة وجبروتها وقوتها.
تلك هي المطالب الملحة الآن، واتصور ان الظروف الحالية تمكننا من الاستمرار في تحقيقها. ان هناك ظروفاً متغيرة، وهامشاً لحرية التغيير، ورغبة في دعم التجربة. لذلك المطلوب حماية هذه المكاسب البسيطة من الفكر الارهابي المأزوم الذي يقوده بعض المغامرون وهواة اطلاق الرصاص، هؤلاء النكرات الفاسدون الذين لم تشذب سلوكياتهم لا حركة سياسية ناضجة ولا مناخ فكري  زرع في عقولهم الضيقة قيمة التغيير الديمقراطي وعظمة حصاده في المستقبل.
ان المجموعات الصغيرة التي تتصور ان الارهاب هو الحل، تقع في خطأ رهيب، واتصور انها مدفوعة ومطلقة على حركة القوى الوطنية لتلويثها ولجرها لمستنقع آسن لا قرار له.
ان كل القوى التي لها مصلحة في الحل الديمقراطي مطالبة باستنكار كافة الاختيارات الارهابية لانها لا تقدم حلاً وانما تدفعنا الى ازمة لا يعلمه غيبها سوى سبحانه وتعالى وحده.
اننا مع التغيير الذي يرفع راية الديمقراطية عالية، لقد جربنا حلولاً كثيرة، وعرفنا عن طريق التجربة، ان هذا الطريق هو الوحيد الآمن. ورغم انه طويل وشاق الا ان المكافأة الحقيقية تظهر من خلال البناء، بناء المؤسسات، وبناء الافراد.
ذلك هو الحل، وغير ذلك مراهقة وتعصب ومغامرة تدفع بنا الى المجهول.
[email protected]