يقال اذا كانت الحكومة فاسدة فهي نتاج لمجتمع فاسد، واذا كان المجتمع فاسدا يولد حكومة فاسدة , اذن كيف نقف على أصل الفساد؟! هل هو بالمجتمع أو بالحكومة ام في كليهما معا ؟! وبذلك نحن امام الجدلية المعروفة البيضة من الدجاجة او الدجاجة من البيضة وعلى قياسها يصح القول (الحكومة الفاسدة من المجتمع الفاسد، او المجتمع الفاسد من الحكومة الفاسدة) ولكن هناك شواذ في الموروث التاريخي فحكومة الامام علي (ع) عادلة في ظل مجتمع كان فاسدا , فهو القائل : (إني لعالم بما يصلحكم ويقيم لي أودكم ، ولكني لا أصلحكم بفساد نفسي ) وعليه فليس صحيحا ما يقال الناس على دين ملوكها , بل الصحيح الذي قاله الله تعالى ((إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ – الرعد – الآية – 11)) وكلام الغزالي صحيح عندما قال:من الصعوبة تغييرالشعوب, أما تغيير الحكومات فإنه يقع تلقائياً عندما تريد الشعوب .
هناك يبرز سؤال مهم يتطلب الاجابة عليه وهو لماذا الفاسدون بالعراق يتكرر إنتخابهم في دورات انتخابية متعددة على حساب ذوي الكفاءة والنزاهة؟! على ماذا يراهن الفاسدون ؟! ومن يفعل مقولة المجرب لا يجرب ؟! والجواب بصريح العبارة ان الناخب في العراق لايريد مرشحا نزيها يمتاز بالصدق والامانة والعدالة وتحمل المسؤولية الوطنية والشرعية , بل يريد مرشحا له القدرة على الكذب والمراوغة والتلاعب بالقوانين ليسخرها بالباطل لصالح من ينتخبه على حساب الاخرين , وبذلك ستكون انجازات هذا المرشح في حالة فوزه من وجهة نظر ناخبه مايحصلون عليه من مصالح شخصية سوف يحققها لهم حتى وان كانت خلاف او تتعارض مع الدين والقانون وبذلك سيكون الناخب والمرشح من سنخية واحدة وكلاهما فاسد لكون هذا الناخب قد باع صوته لمرشح فاسد مثله مقابل اغراءات مقدمة له نفذت او ستنفذ لاحقا , اي الطرفين شركاء في هذه المهزلة … هل نسيتم ان العراقين هم من سرقوا انفسهم (مصارف ومتحاف ومؤسسات دولة) اثناء سقوط النظام 2003؟! وهذا لم يحصل في التاريخ لا سابقا ولا حاضرا وهو علامة انتكاسة مرة يفضح الوطنية العراقية المعطوبة , اما مقولة المجرب لا يجرب فليس لها مصداق في الواقع لان الحل والعقد بيد المجرب وان كل المجربين اليوم مرشحون للانتخابات فاذا رفضناهم فمن ننتخب؟! فان وجدنا احدا غير مجرب فسوف يصاحب بمرض المجرب ,فان لم يسرق سوف يسكت عن السارق , والنتيجة واحدة , اما الناخبون فقلوبهم مع السيد السيستاني واصواتهم للمرشحين الفاسدين …. بعد هذا الوصف ماذا تريدون من مرشح راس ماله الانتخابي الذي يفتخر به الكثرة العددية لعشيرته ؟!وهل تتوقعون من هذا المرشح العشائري بعد الفوز ان يطالب لكم بدولة تحترم القانون وتحاسب من لهم نفوذ ديني او سياسي ؟! فاين اعضاء مجلس النواب عن منطقة البصرة الذين فازوا بعنوانهم العشائري مما يجري فيها من انتهاكات للقانون من قبل هذه العشائر حتى ان مراكز شرطة البصرة لديها أوامر قضائية بالقبض على نحو 1000 مطلوب بتهم مختلفة”، ولكن هذه الأوامر معطلة عن التنفيذ بسبب النفوذ العشائري للمطلوبين الذين تتدخل عشائرهم، وتمنع تنفيذ الأوامر, ومثلها محافظة اعمارة بعدم تنفيذ 1800 أمر بإلقاء القبض بحق مطلوبين، بسبب ضعف الأجهزة الأمنية مقابل قوة الانتماء العشائري.
ان مصيبة الشعب العراقي بانه لا يتكلم ولا يرى ولا يسمع حتى تجرا الفاسدون عليه فهم لا يخشوه لا بانتخابات ولا بقانون ولا بتظاهرات لان الكتل السياسية ضمنت مكاسبها ومناصبها، لسياسيين فاشلين مخضرمين أكل الدهر عليهم وشرب، فاما هم نواب او وزراء (باقون حتى الموت) والامثلة على ذلك كثيرة لا نريد ذكر اسماءهم حتى لا نعكر مزاجكم , حتى ان الكتل والاحزاب السياسية بدلا من تكشف فسادها رشحت شخصيات فاسدة للانتخابات لغرض حصانتهم من التهم القضائية, فإذا كان السياسيون يتبعون طرقا ملتوية ليجعلوا الناس يعيدوا انتخابهم , فعلى الناس أن يكونوا يقظين ولا يقعوا في هذا الفخ لقول النبي محمد (صَلَّى) “لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ”.
لقد عشنا تجارب الدورات الانتخابية للسنوات السابقة فكنا نرى ان أكثر قائمة تخسر في الانتخابات هي التي لا تخدع الناس بوعود كاذبة والتي تحترم القانون وبعيدة عن النفوذ العشائري والحزبي والطائفي !فلذا العراقيون جميعهم بين رافض ومتردد للانتخابات, ولكن الانتخابات ستجري وتقبل نتائجها المعروفة سلفا بغض النظر عن نسبة المشاركة فيها والانتخابات ستجري على أساس قومي – عشائري – ديني- مذهبي – حزبي , فالشيعي ينتخب الشيعي والسني ينتخب السني والكردي ينتخب الكردي لان العراقيتين لا يحسنون قواعد الاختيار الصحيح او أدوات التغير المنشود , لذا لم يستطيعوا التغير , بل الاغرب من هذا كله راينا هناك تجمعات وطنية سبق وان رشحت في الدورات الانتخابية السابقة على انهم مستقلون , ولكن اليوم نراهم مرشحين ضمن قوائم الاحزاب حتى ان بعضهم مرشحا ليس لمحافظته بل عن محافظة اخرى , وانه على يقين من الفوز ليس باصواته بل باصوات رئيس قائمته , وهذا يعكس ان هؤلاء كانوا خلفية مخفية للاحزاب السياسية وليس مستقلون كما يدعون ,بالمحصلة شئنا ام ابينا سيكون في مجلس النواب القادم وجوه يشمئز من رؤيتها المواطن العراقي , ولكن فوزهم سيكون عبر اصوات رؤوساء كتلهم , لذا من غير المستغرب من الان معرفة الاحزاب الفائزة في الانتخابات المقبلة بل حتى من سيفوز من المرشحين السياسين , انها انتخابات معروفة النتائج سلفا , لذا نقول هذا واقعنا الذي عشنا وتطبعنا عليه فهل يصح ان نغير شعب من اجل ان نحدد قواعد اختياراته؟! بقي ان نقول لو كان اعضاء مجلس النواب لم يحظوا بهذه الامتيازات الخرافية , فهل توقعون تكالبا على الترشيح حتى ان سياسيا رشح معه ابنته ؟ وثاني ابنه وبنته وثالث اصهاره , فهل سيعد بناء جيل من الابناء والاصهار لحمل راية الاحزاب على اساس عائلي وعشائري ؟! الا ترون ان اغلب البرلمانين السابقين رشحوا انفسهم من جديد ولهذا القوى السياسية في العراق لاتريد أن تفقد مكاسبها ومناصبها، وتتقاتل بتأمين مقاعدها لسياسيين أكل الدهر عليهم وشرب فهم مصرون ان يبقوا نوابا او وزرا اى اخر العمر.
*اكاديمي وكاتب عراقي مستقل