بغض النظر عن الجدل الدائر في مصر بشأن صلاحية الرئيس ومحاولات المجلس العسكري للاحتفاظ لنفسه بصلاحيات توازي صلاحياته ، في محاولة لاستنساخ دور الجيش التركي في الحياة السياسية ، اقول بغض النظر عن ذلك فان الرئيس المنتخب محمد مرسي سيمثل بشكل او اخر توجهات مصر الخارجية .
ولعل العرب يراقبون عن كثب كيف تؤول اليه الحال في ذلك البلد العربي الذي طالما كان لاعبا محوريا في قضاياهم الرئيسية ، ليس ثمة حلول كثير امام الرئيس مرسي ، فاما ان يستعيد دور مصر وينظم الى دائرة التغيير العربي ليكون بذلك ممثلا لارادة شعب اطاح بدكتاتور أوان ينخرط في مشروع تطييف الوضع العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية ودولة قطر .
شكل ابتعاد مصر عن دائرة الحدث العربي خللا واضحا في البنيان العربي ، ومع انكفاء الدور المصري برز بقوة الدوران السعودي والقطري ليشغلا مكان مصر وليحتكرا بالتالي القرار العربي ويجعلا من مصر مجرد بلد تابع لمشاريعهما ، وبدلا ان تعمل تلك الدولتان على قيادة الركب العربي بنفس عروبي كما كانت تفعل مصر فانهما شكلا محورا للاستئثار بالقرار العربي وعملا على عزل الدول التي لاتسير في ركاب محورهما ، وبات المشهد العربي مطبوع بقيادة سعودية قطرية قائمة في الاساس على تطييف القرار العربي ، الذي كان يولد من رحم سياسة البلدين وحجم تاثيرهما ، ماجعل قرارات الجامعة العربية ذات الصبغة السعودية القطرية سببا في تاجيج وتفجير الوضع العربي في كل اتجاه ،.
فمازالت سوريا تسبح بحمامات الدم التي اججتها قرارات الدول العربية ، وتعيش لبنان على شقا بركان حيث تنتعش الطائفية السياسية ، وينطبق الامر على اليمن والبحرين وتونس التي تاثرت سلبا بتحركات الجامعة العربية وقراراتها .
ولم تسلم مصر ذاتها من التاثير السعودي القطري واظهرت في اكثر من مناسبة وجها طائفيا لم يعتد العرب عليه ، كما تسممت الاجواء المصرية الداخلية متاثرة بالتاجيج الطائفي ،ولذا فان المخاوف ترتفع والامال تتبدد بعودة مصر الى واجهة قيادة الديمقراطية العربية ،كما اعتقد كثيرون بعد الثورة المصرية فالرئيس خرج من معطف اقرب الى فكرة المحور السعودي القطري منه الى قكرة الاعتدال الذي طبع تاريخ مصر العربي .
ومن نافلة القول التذكير ان مصر قدمت الوجه الحضاري للمجتمع العربي ، كما جمعت العرب حولها مرارا في قضايا حاسمة في تاريخهم ومصيرهم ، وهو ماعجت عنه السعودية وكذلك قطر .
وفيما ينتظر العرب ان تتعافى مصر الغارقة في ازمات ومشكلات داخلية لاتقل تعقيدا عن المشكلات والازمات العربية ، يتحتم على الرئس المصري الالتفات اليها اولا ، لكن حل هذه المشكلات قد يكون على حساب مكانة مصر وهذا الخيار اسهل فكرة للتخلص من مشكلات مصر الداخلية ، بيد انه تسطيح للتفكير المصري الذي يخشى ان ينقطع عنه الدعم السعودي فيما لو حاول استعادة مكانته خارج اطار التبعية لمحور قطر السعودية المهيمن على القرار العربي .
مصر قد تحل بعض مشكلاتها الاقتصادية بالتعاون مع السعودية وبالوقوف خلف مشروعها والاقتناع بالحصول على ادوار ثانوية لاتغضب المملكة العربية السعودية منها ، لكنها لن تكون مصر التي عرفها العرب وسكنت ضميرهم وعرفت بدورها العروبي البعيد عن التطرف الطائفي ، ولهذا فان مسؤولية استعادة الدور المصري تقع على عاتق الرئيس المنتخب .
الخيار الاخر امام مرسي لن يكون مفروشا بالورود ، ومن المحتمل ان يضع نفسه وبلاده التي تعاني ازمة داخلية في مواجهة السعودية وهي مواجهة حتمية ،فالسعودية ليست في وضع مستعدة فيه للتنازل عن تسيدها للقرار العربي ولن تسمح لمصر ان تنازعها على قيادة العالم العربي ، وان ماتقدمه المملكة العربية لمصر يفوق ما تحصله من دول الثورات العربية كتونس وليبيا والعراق ، ولهذا تبدو خيارات مرسي محدودة واسهلها الانخراط في الدور السعودي المنسجم مع تفكير الرئيس الجديد والقبول بدور ثانوي بدلا من زج مصر في صراع غير محسوب لاستعادة قيادة العالم العربي .