23 ديسمبر، 2024 10:31 ص

خيارات التغيير في العراق ..؟

خيارات التغيير في العراق ..؟

يمر العراق ، وهو في مخاض مرور منذ أكثر من عشر سنوات ، بمرحلة دقيقة جدا ، ستضعه ، وربما ستضع دولا أقليمية في المنطقة ، عند مفترق طرق خطير ، ومصيري ، لكنه حتمي بسبب ما آلت إليه الأمور في العراق أولا ، ثم في هذه الدول الآن ولاحقا . فقد تناولت الأنباء بشكل متسارع وتصاعدي حجم التخبط السياسي في دوائر صنع القرار في هذا البلد العربي بدءا من السلطة التنفيذية وأنتهاءا بلجان وأعضاء مجلس النواب ؛ ولعل مواضيع مثل صفقة الأسلحة الروسية وما رافقها من إثباتات على حدوث حالات فساد أرتبطت بإسماء وعناوين قيادية عراقية ، إضافة إلى موضوع قرار مجلس الوزراء العراقي ألغاء البطاقة التموينية ثم الغاء هذا القرار بعد يومين من صدوره ، وتوقيت إصدار قرار حكم ثاني بإعدام نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي المثار حول قرار إعدامه الأول الكثير من الجدل والشكوك ، وغيرها من تداعيات انتشار وتفشي الفساد بكل أشكاله في المنظومة السياسية والأدارية في عموم العراق ، كل تلك الأمور الضاغطة على شعب العراق ، وكذلك على الذين يتأثرون بشكل مباشر أو غير مباشر بإوضاع العراق ، تدفع إلى سؤال بات اليوم على شفاه الجميع وعقولهم : ماهي خيارات التغيير في العراق …؟
في مقابلة أجريت مع زعيم القائمة العراقية رئيس حركة الوفاق الدكتور إياد علاوي مؤخرا ، قال الرجل فيها بشيء واضح من الأحباط ، أن الخيار الموجود في العراق الآن ( ويقصد حكومة السيد نوري المالكي) هو خيار توافقي أمريكي – إيراني  !! ، ولعل جل المتابعين للشأن العراقي يؤيدون ما وصل إليه علاوي بعد أن افلت ( بحسن نية) من يده أستحقاقه الدستوري والقانوني نتيجة فوز قائمته بإنتخابات 2010 عبر بوابة توافقات أربيل المعروفة ، فإن كان المالكي خيارا أمريكيا – إيرانيا ، فكيف يمكن أن يتم التغيير في العراق وهاتين الدولتين تحديدا تملكان مفاتيح التمكّن السياسي والأمني والعسكري فيه ؟
لعل من الغريب أن تصدر دعوات إلى الدول العربية من قادة عراقيون شاركوا في العملية السياسية منذ أحتلال العراق عام 2003 وكانوا فاعلين في صياغة الدستور العراقي ( المثير للجدل) مثل الدكتور إياد علاوي ونائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي “لإنقاذ العراق من الهيمنة الإيرانية وكف يدها فورا عن منطقتنا” ، وكأن هذه الدولة الجارة للعراق والمتحكمة الآن بمفاصل السياسة والأمن والأقتصاد فيه ، حشرت نفسها الآن في الملف العراقي ! أو كأن في يد الدول العربية ( المعنية) عصا سحرية لسحب يد إيران من العراق ، في حين بات من الواضح الآن دقة وخطورة التعامل مع ملف العراق تحديدا في ظل التصعيد المنظم للفتنة في الجوار العراقي وحجم التدخل والإسناد لهذه الفتنة من قبل دول بعينها باتت معروفة بالأسم وبالجهد المبذول لدعم حركات الفتنة والحرص على أبقاء جذوتها تحسبا للتطورات المتوقعة في ملف هذه الدول في القريب العاجل .
إن خيارات التغيير في العراق وبحسب الأمر الواقع فيه نتيجة الإحاطة السياسية الخارجية بقراره السياسي والسيادي باتت محصورة بعدد من التوقعات المرتبطة بمجريات الأمور على الأرض يمكن أن تكون حسب التصورات الآتية :
• القيام بتعزيز التحالفات ضمن الكتل السياسية الرئيسة في العراق ثم العمل على حشد الجماهير منذ الآن تجاه أنتخابها وخاصة في الأنتخابات النيابية الرئيسية عام 2014 ، وقد أثبتت التجارب أن أيران لديها القدرة على دعم الكتل والتنظيمات المؤيدة لها وكذلك المراجع الدينية الشيعية وتأثيره على عامة المقلدين لهم في موضوع أنتخاب من تراه هذه المرجعيات أهلا لحكم العراق ..! ، ولكن ومع قوة هذين العنصرين الداعمين ، تمكنت القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي من الفوز بإنتخابات 2010 ( بفارق بسيط) ، بغض النظر عما آلت إليه الأمور بعدها والفيتو الإيراني          ( بحسب علاوي) الذي أوجدت تفاهمات وتوافقات أربيل له مخرجا يبقي هيمنتهم في العراق لفترات لاحقة . وهنا لابد من العودة إلى طلب السيد الهاشمي من ضرورة التنسيق العربي بشكل ضروري وفوري لإحداث التغيير المطلوب في العراق عبر صناديق الأقتراع .
• وصل العراقيون بشكل عام ، إلى درجة من الحنق والغليان ، إلى حد ينذر بإنفجارهم أو ثورتهم على كل النظام بما يعنيه من سلطات ورموز ، وربما هم لا يحتاجون في هذا الأمر إلا إلى قيادة تقودهم أو تشعل الشرارة فيهم ، وهنا قد تكون جهات حزبية بعينها جاهزة الآن لتولي هذه المهمة بعد أن أعادت ترتيب نفسها وتنظيم خطوطها ، وقد يكون من ضرورات التغيير عبر هذه الطريقة أن تكون الولايات المتحدة ، وربما دول عربية بعينها ، مؤيدة لعودة تنظيم ما وفق رؤى ومعايير متغيرة ومتناسبة مع روح الديمقراطية المعتمدة على التعددية والأنتخاب وغيرها . وقد يكون من المفيد التذكير بتظاهرات العراقيين في 25 فبراير من عام 2011 في ساحة التحرير وسط بغداد للاعتراض على حكومة نوري المالكي ، وكلنا شاهد عبر شاشات الفضائيات كيف تعاملت قوات الأمن مع هذه التظاهرات السلمية وحجم المعتقلين من الذين شاركوا فيها ومن أعدم أو قضى أثناء التحقيق والأعتقال ! بالطبع لم تكن الحكومة تخشى تظاهرة سلمية بقدر خشيتها من حالة الأنفجار التي أشرت إليها بداية هذه الفقرة وهي تعلم علم اليقين أن تنظيما معينا قد أطلّ برأسه ليمارس دور (الطليعة الثورية) في مواجهة الحكومة ومحاولة أشعال نار الثورة الشعبية ضدها .
• عودة على إفادة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول في الكونغرس الأمريكي “إن الهدف من أحتلال العراق هو اعادة تشكيل الشرق الاوسط ، اي اعادة رسم حدود دوله وتغيير التوازنات فيه” ، وبالتأكيد لم يكن باول حينها يمزح عندما إعتبر ان التغيير في العراق سيسهل تفكيك ملفات كثيرة ، ولكن ، هل أخذ القادة العرب هذه التصريحات على محمل الجد وأخضعوها للدراسة والتحليل لمعرفة كيفية التعاطي مع المرحلة الجديدة التي أملتها تداعيات أحتلال العراق ؟ من هذا المنطلق وهذه الشهادة والصورة التي كرسها كولن باول والتي تأخر حسمها بشكل نهائي لسنوات بسبب ظهور المقاومة العراقية وتأثيرها القوي على سير المشروع الأمريكي علىى أرض العراق ، فإن أحتمال التغيير الثالث في العراق قد يأتي نتيجة حرب أقليمية قد تقع إما بسبب ضربة إسرائيلية لمواقع نووية إيرانية ، أو بسبب تداعيات الثورة السورية ، تكون سببا في إحداث تغييرات كبيرة في المنطقة منها على وجه الخصوص الوضع القائم في العراق وتغييره عسكريا بما يأمن ويضمن عدم دعم هذا البلد لإيران خلال أية مواجهات مع الجانب الأمريكي أو مصالحه في المنطقة ، وقد يكون هذا الأحتمال واردا جدا في حالة أستمرار التدخل الإيراني ايضا في شؤون دول الخليج العربي وتهديد أمنها القومي .
• الأحتمال الرابع هو أن يعلن أقليم كردستان العراق أنفصاله عن المركز وتأسيس دولة مستقلة ، وهو ما سيفرغ الحكومة العراقية من هيبتها في بقية مناطق العراق وبالتالي يجعل من موضوع المطالبة بالأقاليم وخاصة في المناطق العربية الشمالية والوسطى على واجهة المطالبات الضاغطة على المركز من جديد ، بما يعنيه ذلك من تداعيات قد تفضي إلى الأحتراب والتمزق وبالتالي فقدان هيبة الحكومة المركزية وسهولة أسقاطها .
• إذا حققت الثورة السورية أهدافها وأسقطت نظام بشار الأسد ، فإن الأحتمال الأخير للتغير في العراق ينطلق من فرضية تشكيل جيش العراق الحر ، بموافقة ودعم من قوى غربية ودول عربية ليواجه الجيش الحكومي ( الضعيف أصلا عقيدة وتسليحا وتدريبا) ، وهو ما سيسمح بإقامة نظام حكم جديد مبني على أساس تفاهمات المعارضة العراقية لتأمين حكم رشيد وكتابة دستور يرقى إلى مستوى التعامل مع كافة أبناء الشعب العراقي على أساس المواطنة ، ويعمل على إعادة العراق إلى طريق التنمية بعد أن فقدها لفترة طويلة بسبب الحصار الذي فرض عليه عقب غزوه الكويت عام 1990 ثم بعد احتلاله من قبل الولايات المتحدة عام 2003 وحتى اليوم .
من كل ما تقدم يفترض في الجانب العربي ان يأخذ كل هذه الاحتمالات في الحسبان وأن يضع منذ الآن تصوراته لها وذلك كي يستطيع التعامل مع الوضع الجديد الذي سيقود الى تغييرات إيجابية ( إن أنتبهنا لها)  في الخريطة السياسية للمنطقة ، وعلى العرب ، وخاصة المتأثرين بالوضع العراقي أن يفتحوا ابوابا عدة للتنسيق مع تركيا التي أثبتت الوقائع السابقة أنها لاتريد حكومة ضعيفة في بغداد أو مسيسة من قبل إيران بما يفضي في الحالة الأولى الى قيام دولة كردية ستصطدم بها مباشرة أو إلى تكريس النفوذ الإيراني على حدودها معه في الحالة الثانية .