23 ديسمبر، 2024 11:33 ص

خور عبد الله مرة ثانية والمزايدات السياسية الجوفاء

خور عبد الله مرة ثانية والمزايدات السياسية الجوفاء

من جديد عاد ملف خور عبد الله ليتم طرحه على منابر المؤتمرات الصحفية ويكون مجال للمزايدات السياسية الجوفاء التي ان لايمكن لها سوى واحدة من الدلالتين اما ان من يطرح هذا الموضوع غير عارف بالتاريخ وغير عارف بالقرارات الدولية التي صدرت فيما يتعلق بالشأن العراقي منذ عام 1990 وحتى اليوم او ان من يتكلم بالموضوع لديه اغراض سياسية يحاول تحقيقها على حساب اثارة مشاعر المواطنين لاغراض انتخابية .
سبق لي وان كتبت في هذا الموضوع عندما تمت اثارة الموضوع عام 2013 بعد ان صادق مجلس النواب العراقي على اتفاقية خور عبدالله وثارت نفس الاصوات التي صادقت تحت قبة البرلمان على الاتفاقية على تفريط الحكومة في حينها بحقوق العراق حيث كتبت في حينها مقال بعنوان (خور عبدالله بين القانون الدولي والمزايدات السياسية) ولكن في ضوء العاصفة الاخيرة ارى اننا بحاجة الى اعادة استذكار التاريخ الذي ارتبط بهذا الموضوع علما بان الغرض من هذا ليس تاييد ماورد في هذه القرارات التي تعرض العراق فيها الى ظلم بين كان نتيجة لرعونة النظام السابق ولكن وكما يعلم فقهاء القانون الدولي ان الدول تتحمل نتائج اعمال حكوماتها حتى لو ان تلك الاعمال صدرت عن سلطات غير شرعية لذلك سنبداء بالسرد التاريخي للموضوع المتعلق بخور عبدالله .
منذ تاريخ 3/8/1990 وضع العراق تحت العقوبات الدولية استنادا للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي فرض عليه بعد غزو نظام الرئيس السابق صدام حسين دولة الكويت في آب من العام نفسه، ويسمح هذا البند باستخدام القوة ضد العراق باعتباره يشكل تهديداً للأمن الدولي، بالإضافة إلى تجميد مبالغ كبيرة من أرصدته المالية في البنوك العالمية لدفع تعويضات للمتضررين جراء الغزو.في 3 نيسان عام 1991م أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 687 . الذي تم بموجبه إنشاء عدة لجان تابعة للأمم المتحدة من بينها لجنة تخطيط الحدود الدولية بين دولة الكويت وجمهورية العراق . عقدت اللجنة إحدى عشرة دورة شملت اثنين وثمانين اجتماعاً لتخطيط الحدود البرية والبحرية. وكانت هذه الاجتماعات تُعقد إما في مكتب الأمم المتحدة في جنيف أو في مقر المنظمة الدولية في نيويورك.وقد زودت اللجنة بمحاضر وافقت عليها لجميع اجتماعاتها, كما أقرت وأصدرت نشراتٍ صحفية لدى اختتام كل دورة . وبعد أن أكملت لجنة الأمم المتحدة ترسيم الحدود البرية, أصدر مجلس الأمن الدولي في 26 اب 1992 قراره (733) الذي رحب فيه بتقرير اللجنة المتعلق بالحدود البرية وحثها على تخطيط الجزء الشرقي من الحدود الذي يشمل الحدود البحرية في أقرب وقت ممكن لتنجز بذلك مهمتها بالكامل.
في 20 مايس 1993 قامت لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بعد أن أتمت مهمتها كاملةً برفع تقريرها النهائي مع كافة الوثائق المتعلقة بأعمالها إلى السكرتير العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي الذي قام في اليوم ذاته برفع تقرير اللجنة النهائي مع مرفقاته إلى رئيس مجلس الأمن الدولي. وقد انعقد مجلس الأمن في 27 مايس 1993 وأصدر قراره رقم (833) الذي رحب فيه المجلس بقرارات لجنة الأمم المتحدة لتخطيط الحدود بين الكويت والعراق وطالب كلا من الدولتين باحترام حرمة الحدود الدولية التي
أتمت اللجنة تخطيطها بشكلٍ نهائي وباحترام الحق في المرور البحري. وأكد مجلس الأمن في قراره 833 أيضاً أن قرارات اللجنة نهائية, وشدد من جديد على قراره بضمان حرمة الحدود الدولية التي تم تخطيطها نهائيا بين الدولتين, واعتبر أن أي خرق لذلك سوف يتبعه القيام حسب الاقتضاء باتخاذ جميع الإجراءات لتحقيق هذه الغاية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة بموجب الفصل السابع وقراري مجلس الأمن (687) و(733).
في تشرين الاول من عام 1994 تم رصد قيام قوات عراقية بالاتجاه الى الحدود الكويتية في هذا الاثناء صدرت تهديدات من الولايات المتحدة الامريكية وبقية دول التحالف بضرب القوات العراقية المتواجدة على الحدود العراقية الكويتية في هذا الاثناء سافر طارق عزيز في رحلة سرية غير معلن عنها الى موسكو طالبا من الرئيس الروسي بوريس يلتسين التدخل لحل الازمة وبناء على تلك الزيارة أعلن العراق رسميا ً انه قد أكمل في الساعة 21 من مساء يوم 12 تشرين الأول نقل قواته الى المواقع الخلفية . قام وزير خارجية جمهورية العراق بتوجيه رسالة الى الامين العام للامم المتحدة يعلن فيه قبول العراق بالقرار 833 الا ان الدول الاعضاء في مجلس الامن رفضت هذا الرسالة واعتبرت ان اي قرار عراقي لايصدر عن صدام حسين شخصيا لايعد كافيا . في يوم 13 تشرين الاول زار وزير الخارجية الروسي اندرية كوزيريف العراق والتقى ليلا بصدام حسين طالبا منه الاعلان صراحة بقبول العراق بالقرار 833 على وعد ان تقوم روسيا باقناع الدول الاعضاء في مجلس الامن لرفع العقوبات عن العراق . في 15 تشرين الاول عام 1994 اصدر مجلس الامن الدولي القرار رقم 949/1994 ادان بموجبه التحركات العراقية وطالب العراق بان يكمل فورا سحب جميع الوحدات العسكرية التي وزعت مؤخراً في الجنوب العراقي الى مواقعها الأصلية , ويطالب العراق بالا يستعمل مرة أخرى قواته العسكرية بشكل عدواني او استفزازي لتهديد جيرانه او عمليات الأمم المتحدة في العراق .
حضر وزير خارجية روسيا اجتماع المجلس الوطني العراقي في صباح اليوم التالي واعلن بانه ليس في المجلس لمناقشة شرعية القرارات الدولية ولكن حضر للحصول على قرار عراقي قاطع بالاعتراف بالحدود العراقية الكويتية حسب القرار 833/1993 وهو ماتم خلال الجلسة التي دامت ساعتين . مرة ثانية رفضت الدول الاعضاء في مجلس الامن الدولي اي قرار غير صادر عن صدام حسين وهو ماتم بالفعل حيث اصدر مجلس قيادة الثورة المنحل برئاسة صدام حسين قراره بالاعتراف بالحدود حسب قرار مجلس الامن الدولي المشار اليه . وتنفيذاً لذلك صدر بلاغ مشترك عن زيارة الوفد الروسي أودع لدى مجلس الأمن برسالة مشتركة من المندوبين العراقي والروسي بتاريخ 15 تشرين الأول 1994 . نتج عن تلك الاحداث قبول العراق من دون ان تتبعه أية خطوة لرفع الجزاءات جزئياً او كلياً , ولم يكشف النقاب عن الآثار السياسية التي نالتها روسيا في علاقتها مع الولايات المتحدة نتيجة جهودها بإقناع العراق بقبوله قرار مجلس الأمن 833 / 1993 .
في 12 حزيران 2013 واثناء مؤتمر صحافي مشترك ببغداد بين وزير الخارجية العراقية والكويتي صباح الخالد الحمد الصباح اعلن الطرفان انهما سيذهبان سوية لتسليم الامين العام للأمم المتحدة ومجلس الامن رسائل حول تنفيذ العراق لالتزاماته للخروج من أحكام الفصل السابع.ووقع كل من العراق والكويت في (28 ايار 2013) مذكرتي تفاهم تتعلقان بترتيبات صيانة التعيين المادي للحدود المشتركة مبينة أن الجانب الكويتي أبدى استعداده مساعدة العراق للخروج من أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
اذن مما تقدم نرى ان موافقة العراق على القبول باتفاقية تنظيم الملاحة البحرية جاءت التزاما بتعهدات وافقت عليها حكومة جمهورية العراق منذ عام 1994 فهل بامكان الحكومة الحالية ان ترفض الالتزام بتلك القرارات باعتبار ان تلك القرارات قد فرضت على العراق في ظروف غير الطبيعية ومن قبل نظام لم يعد موجود كما تفضل بذلك احد الاساتذة الخبراء في القانون الدولي او افتى به بعض السادة النواب ؟ ان نص المادة 25 واضحة جدا في هذا السياق فالدول الاعضاء ملزمة بقبول قرارات مجلس الامن وضمنها القرار 833 لذلك فان الواجب الوطني يفرض على كافة الاطراف حتى التي تعارض الحكومة العراقية ان توضح الحقائق وان لاتجعل سمعة العراق عرضا للمزايدات الانتخابية والمهاترات السياسية