مازال الطريق الى السلام والهدوء بين العراق والكويت الشقيق منذ استقلال الكويت الى يومنا هذا , محفوفآ بالمكاره , ولقد حاول الباشا نوري السعيد ومن بعد عبد الكريم قاسم ومن ثم رئيس النظام العراقي البائد , ان يعبّدوا هذا الطريق , ولكن من دون اي قناعة تغمر الجانب الكويتي او العراقي لكي يتوصلا الى طريقة تضمن حقن الغضب اولآ ومن ثم الدماء التي سالت بسببه ,
لكي يحصلا على حقوقهما التأريخية والمشروعة لينعمان بالسلام والأمن والطمأنينة , بل على العكس من ذلك , فقد تسبب امر التسوية لهذا الطريق ومعه فقدان الحس بالمسؤولية الوطنية والتأريخية بين مسؤولي الدولتين الى مزيد من العداوة والكره بين الشعبين الشقيقين ومن تدخل بعض الجهلة والسفهاء من السياسيين غير المعنيين به لدى الطرفين ,
ولو ابتعدت المزايدات من قبل دولة او دولتين من الجوارالخليجي عن هذا الأمر بنيّة الحرص على عدم توريث هذه المعضلة للأجيال اللاحقة , لكان الحفاظ على الإرتباط الكامل بالأخوة العربية ومصيرها الواحد اشد بيانآ في العلاقات بين العراق والكويت , بدلآ من ارتفاع منسوب الكراهية والعداوة بينهما الذي يهدد دائمآ الى إرتفاعالتوازن العسكري بين البلدين وبالتالي يؤدي الى ماهو معروف بالتدخل الأجنبي الذي يعتاش على الفتن والإضطرابات بين الشعوب ليصبح بالنهاية هو الرابح الأكبر وتجربة النظام البائد مع النظام الكويتي على ايام المرحوم الأمير جابر الأحمد خير برهان على ذلك .
من المهم ان نشير هنا الى المقابلة التي اجراها القاضي الأستاذ الكبير وائل عبد اللطيف على قناة الإتجاه ليلةالثلاثاء 13 / 14 مايس من العام الجاري , والتي من خلالها اوحى الينا القاضي وللمستمع والمشاهد المعني بشأن تسوية النزاعات الحدودية , ان هناك مستلزمات ضرورية لأي دولة تطالب بترسيم الحدود مع اي دولة اخرى , ينبغي عليها ان تحضرها قبل الدخول الى المفاوضاتوهي ; أولآ , جمع الوثائق والمعاهدات القديمة , سواء كانت وثائق استعمارية او خرائط رسمية مثبتة بخرائط استعمارية ,
ثانيآ , ابراز القوانين الدولية الخاصة بتلك الحدود كقوانين بميثاق الأمم المتحدة او محكمة العدل الدولية , ثالثآ , ابراز وقائع تأريخية تعزز من مشروعية المطالبة او الإعتراض , رابعآ , ابراز خرائط ومستندات جغرافية تأريخية معتمدة من جهات دولية او كانت معترف بها تأريخيآ وإن كانت صورآ من الفضاء تبين الوضع الحالي , خامسآ , ابراز اي دراسة طوبوغرافية تفصيلية للمنطقة المتنازع عليها ومنها , ادلة على وجود تجمعات سكانية مستمرة الى الآن بالمنطقة كوجود سجلات مدنية , مدارس , مؤسسات وإثبات خضوع المنطقة الى ادارة الدولة وبأي خدمات سواء كانت خدمات حكومية او انتخابات او مراكز امنية ,
سادسآ , على الدولة المطالبة بترسيم الحدود ان تحضر فريق تفاوضي متخصص , يتألف من ; خبراء بالقانون الدولي , خبرء بشؤون طوبوغرافية الأرض والحدود , وفريق دبلوماسي متمرس وذو خلفية في النزاعات الحدودية ومن اصحاب القدرة على التحليل السياسي وتقدير المصالح الوطنية , سابعآ , ينبغي على الدولة المطالبة ان توحد صفوفها الوطنية والتوافق مع الجهات السياسية والمؤسسات الرسمية لضمان الدعم الشعبي والبرلماني إن لزم الأمر ,
ثامنآ , إشراك طرف دولي محايد كالأمم المتحدة او الإتحاد الأفريقي او وسطاء ثنائيين , او اللجوء الى التحكيم الدولي او محكمة العدل الدولية , تاسعآ , فهم النزاع او اعادة الترسيم على الموارد سواء كانت نفط او مياه وثروة سمكية أو معابر حدودية وتحليل انعكاساتها الأمنية على الحدود والأقاليم المجاورة .
بمثل هذه المستلزمات استعدت جمهورية السودان العربية في نزاعها مع اثيوبيا على منطقة ” الفشقة ” , وكذلك جمهورية الصين في نزاعها مع الهند على منطقة ” ارونادل براديش ” المتاخمة مع دولة بوتان , وقد استندت الهند على اتفاقية ” ماكموهن لاين ” التي رسمت عام 1914 بين التبت والراج البريطاني ,
والتي وضعت الحدود بين الهند والتبت نهائيآ . وعلى هذا المنوال اعادت المملكة السعودية ترسيم حدودها مع اليمن عام 2000 وانتهى الأمر واعيد بناء العلاقات السياسية والإقتصادية بشكل سلس الى الآن , وانهت الجزائر والمغرب نزاعهما على الصحراء الغربية بنفس المستلزمات القانونية المبينة اعلاه .
الخلاصة , ان التحضير لترسيم الحدود بالصفقات السوقية امر معيب على الطرفين , لأن ذلك لايتجاهل القيم الدينية والأخلاقية فحسب , بل يتجاهل حرمان الفقراء والأجيال اللاحقة من لقمة العيش , سيما ان العراق بلغ سن الأربعين مليون نسمة والكويت لم تبلغ سن المليون والنصف مليون نسمة , وهذا فارق كبير في حسابات النظرة الإعتبارية الى تأثير ترسيم الحدود على الناحية الإقتصادية , وغير صحيح التفكير بأن المفاوض العراقي ضعيف وان الدبلوماسية العراقية ضعيفة ولا تتوازن مع الدبلوماسية الكويتية , وهذا الذي جعل الجانب الكويتي ان يقوم بالتهديد العسكري المعيب والذي لايليق بدولة تبرعت بالأمس لبناء مستشفى بالبصرة وتلجأ الى المباهاة بقوتها العسكرية بالإعتماد على فكرة ان العراق ضعيف عسكريآ , فيكون ذلك التعاون نابعآ عن زيف بالأخوة العربية ,
وهذا امر معيب ثانيآ , إذ كيف تفكر دولة صغيرة مثل الكويت ان تتحدى شعب العراق لظنها انه ضعيف عسكريآ , وما تلك الظنَّة إلا نكتة تافهة وغير مضحكة , إذ ان المشكلة ليست في التوازن العسكري والدبلوماسي , بل بالأحقية سواء للعراق او الكويت , والعراق بشعبه لايبعد عن الكويت سوى ” شمرة عصا ” على قول المثل ؟! وقد جربت جمرة الغزو العراقي وهي تعلم بالجار , إلا اذا تهيأت لهذا التهديد مثلما فعلت في السابق بالبكاء والعويل وهذا عيب آخر , ولكن ماذا جنت من ذلك الهبل السابق ؟!
وبرغم هذه التهديدات , مازالت القوى الخيّرة في العراق والكويت تتحمل المسؤولية الجسيمة في البقاء على النسيج الأخوي بين البلدين , ولتتوكل الكويت على الله وعلى عزمها لوحدها من دون عملاء امريكا والصهيونية بالمنطقة المعروفين لديها , لتواصل الجهود بما اعلن عنه القاضي الكبير وائل عبد اللطيف ولتستعين به كرجل قانون إن لزم الأمر وهذا ليس عيبآ في حل مشكلة الحدود بالطرقالسلمية والقانونية المتيسرة لديها ولدى العراق ,
وان تكون نظرة الكويت الى المستقبل على اساس ان العراق اخآ وإن كان ماكانا , وابآ كبيرآ لها وحاميآ وليس عدوآ وسيقف معها بالملمات مثلما مدت يدها للتعاون مع الشعب العراقي , وان لا تمحو ما قدمت بإرادتها , وستلقى من الشعب العراقي الدعم الذي لن ترى عينها مثله لا حاضرآ ولا مستقبلآ من المتربصين المخنثين الذين لا شأن لهم سوى الثرثرة وسفاهة المنطق واللسان, والشاعر شوقي يلخص ذلك بقوله :
إن الشجاع هو الجبان عن الأذى وارى الجريء على الشرور جبانا