22 ديسمبر، 2024 11:35 م

كان الشتاء في قريتنا يتجاوز الثلاثة اشهر وله طعم خاص وكانت الامطار غزيرة جدا واغلب ايام فصل الشتاء ممطره وكان الشتاء شديد البرودة أتذكر جيدا تلك الحفر في قريتنا والتي كانت عاده مملوءة بمياه الامطار وعندما يأتيها البرد في شهر شباط نراها متجمدة دوما نمر من حولها عندما نذهب الى المدرسة صباحا ونرى فوقها طبقة ثلجية متصلبة ولكنها شفافة اشبه بطبقات الزجاج تسمى بالمصطلح العامي ((الگحيط)).. تستمر هذه الحالة لحين انتهاء فصل الشتاء…
اما في فصل الربيع فكانت لفيضانات الوديان مشاهده ممتعه حيث ترى كل ابناء القرية يذهبون لمشاهده تلك الفيضانات وكنا نشاهد طيور البط الذي يمتلكه اصحاب القرية فرحا مثلنا وهو يسبح في تلك الوديان..
ورغم الفقر الشديد الذي كنا نعيشه ولكن المأساة احيانا تولد بعدها الفرح حتى وان كان بسيطا فقدوم ضيف من المدينة يعتبر شيء مفرح وعودة عسكري بإجازة يعتبر مفرح لكل أبناء القرية… ذكريات. وذكريات…
ما زلت اتذكر ايام الشتاء و ازمه الوقود التي كنا نعيشها وما زلت اتذكر صاحب السيارة التي تجلب النفط الابيض الى اغلب قرى جنوب الموصل وهو من اهالي قرية البوسيف اتذكر ذلك السائق احمد العبيدي الذي كان ينقذ اهالي القرى عندما يقوم بيعهم مادة النفط الابيض واتذكر وما زال في ذاكرتي سعر البرميل ديناران واتذكر الازمات التي تواجهنا في طفولتنا وكانت احداهما ازمة الوقود في الشتاء ولكون الحياة كانت قاسيه جدا وظروف الطبيعة لم ترحم احد ولكن الانسان يتأقلم دوما مع كل الظروف التي تحيط به….ومن الذكريات المخزونة ايضاً عندما كان يأتينا الربيع وما اجمل وما أطيب ايام الربيع في القرية كان شباب القرية والذين تجاوزت اعمارهم الثانية عشر سنة فما فوق يجتمعون في ساحه في اطراف القرية يمارسوا لعبه كره الطائرة والتي عادة وفي اغلب الاوقات ما كنا نستعير تلك الكرة من الاستاذ وليد اسعد السعدي معلم التربية الرياضية في مدرستنا وكنا قد تعودنا يوميا لهذه المشاهد وهذه اللعبة الجميلة كوننا لا نملك اي وسيله ترفيهيه اخرى….
ما اجملها تلك الايام رقم فقرها الشديد وما اجملها تلك اللحظات عندما تعود الى بيتك لتجد المدفئة اومايسمى ((الصوبة)) وهي من نوعيات معروفة لأغلب تلك الاجيال وتسمى علاء الدين او دجله وانت تجلس بقربها لتقتل برد الشتاء القارص و ينتظرك ليل طويل جدا مع الصمت والهدوء التام والمخيف أحيانا يرافق الظلام الدامس و انت تجلس في غرفة طينيه تسمى (( دام )) وجمعها(( دوم )) وتسمع صوت الرعيد وصوت هطول الامطار و تمر بنا بعض اللحظات تجدنا نخاف من هذه العوامل الطبيعية ولكن قدرة الله فوق كل شيء والا كيف استطاعت تلك البيوت الطينية مقاومة الظروف الطبيعية لمدة سنوات وسنوات دون الوقوع او الانهيار فوق أصحابها…
ذكريات كثيرة ولكنني اختزلت بعضها من ذاكرتي لأكتبها في خاطرتي هذا اليوم…
استودعكم الله وتصبحون على خير…