العدالة المطلقة مرهونة بالمحكمة الإلهية حصراً، ومع العلم المسبق لله في افعال العباد، واحصائه الدقيق لمشوار حياة الإنسان من ساعة ولادته الى وفاته ” وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ “، الا أنه اعطى للماثلين للحساب الأخروي، حق الدفاع، بل وطرح المبررات، ومناقشة الأدلة القطعية، ومحاولة إنكار بعض التهم، وبعد أن يستنفد افاداتهم، يُنطق جوارحهم، لتكون الشاهد الأخير عليهم، فيصدر الحكم العدل الذي يقر به الجناة انفسهم.
ولو اردنا أن نطبق هذه الإجراءات على المحاكم البشرية، لما تمكنا من الحصول على محكمة عادلة بالمطلق، ولا حكم سليم مئة في المئة.
فالأدلة هنا ظنية، بل حتى الإعترافات التي هي سيدة الأدلة، لطالما انتزعت بالإكراه، فيما القاضي هنا مجتهد للترجيح بين الأدلة والحيثيات التي يتضمنها ملف الدعوى.
وفي حالات تغلب عليه الثارات، فيكون الحكم نابعاً من نوازع إنتقامية، تفقد بوجودها المحاكمة مقومات العدل، التي أقرها الله ” واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل”، ومواثيق حقوق الإنسان.
ويعجبني في هذا الصدد قول الخليفة عمر بن عبد العزيز، رحمه الله، وفحواه : لإن اخطأ في العفو خير لي من أن اخطأ في العقوبة.
لأن تدارك العقوبة، ولاسيما الإعدام، غير ممكن، فقد سبق السيف العذل، حتى إذا عد المعدوم لاحقاً ” شهيداً”، وعوضت اسرته بالمال.
مما تقدم تبدو أن الأحكام بحاجة الى مراجعة، خاصة تلك التي صدرت في ظرف مشوش، الى جانب تخفيف العقوبات تبعاً لمنهجية العدل التي نتوخاها جميعاً.