كنت تائها في متاهات صحراء هذه الدنيا بشعابها القاحلة أرقب كثبانها الرملية تتحدى الرياح العاتية بصراع أزلي تراه حين يتعالى عوائها وهي تزمجر لتنفض حبات رمالها المتصاعدة نحو عنان السماء وعلى امتداد الأفق البعيد وأجزائها اللولبية نافرة للأعلى تشكوني كروح بلا جسم كأنها مارد خارجا من عنق زجاجته وفي الليل أتهامس مع نجوم السماء التي ترصع صفحة سواد الليل البهيم بزينتها وتألقها تبدد سواد الظلمة الحالكة بأعدادها الغير متناهية أحاذر الرياح القارصة البرد وأنا أستمع إلى عواء ذئاب الليل وهذا السكون الرهيب والخوف من الرصاص الذي يتهاوى علينا بين الفينة والأخرى لتسكن جوعها ووحشتها أكاد أحسها وهي تنهش بجسدي المتهاوي من عذاب الغربة والبعد أنتظر بلهفة إشراقة الشمس من جديد. أختنق من هذه الدنيا وأرمقها بغضب وأنا أشد بساعدي على قبضة سلاحي يقضا لكل شيء شدني شيء يلوح في الأفق الذي يكاد أن يرى من بين الظلمة راية بيضاء تتأبط جنح الظلام ترفرف في مهب الريح توسمت بها خيرا وأملا ومنقذا ومعبرا إلى فناء دنيا جديدة وعهدا جديدا أخلع عني الرداء البالي الذي مزقته أنياب السنين , بين مصدق ومكذب نائما أو مستيقظا وجدت يدي تمتد إلى سارية الراية البيضاء أشدها إلي بعنف وشغف جسد متهاوي ومتهالك تقبلها عيناي قبل شفتاي وألفها حولي أدفأ بها جسمي الذي يقاسي لفحات البرد القاتل أحسها تروي ظمأ روحي وتمسح عني غبار الدنيا بفم عطر المذاق ملأه رحيق الزهور تنادمني بكأس من كؤوس الجنة وبكف يمسح عني جراحي المتقرحة التي فتحتها أيادي الأيام التي لا ترحم الضعيف فقد كان شعارها وجهك الجميل حبيبتي القمري وهو يتوسط الراية تجمعين فيه كل حياتي التي أصبو إليها حين جمعتها في دفتر مذكرات توسدت رفوفها حيث علاها غبار السنين الطوال المريرة التي كنت أحسها بعيدة المنال وأنا بعيدا عنك أتصفح وريقاتها كلما ضاق صدري وجاش بها قلبي وتراكمت الأشواق والحسرات أقلبها بآهات وتنهدات عالية تسمع العاشقين لتخبرك بأن باب القلب مقفل إلا لمن سكن فيه ويفترش شغافه ويرتوي من بحيرات دمه ألا أنت وحدك حبيبتي الجميلة
=