إن فكرة بناء الخنادق والأسوار على مر العصور والتاريخ هي أساليب بدائية وقديمة، لا تأتي بالنفع سوى تضييق الخناق، ولم تعد تحمي أو تقي من الخطر، استُخدمت الأسوار في زمن العصور الحجرية والتأخر العلمي والحروب المباشرة، أما الآن مفهوم الحرب تغير، وأصبح القول الفصل للصواريخ العابرة للقارات والقذائف الحارقة المدمرة والطيران..
إن فكرة حماية بغداد من الإرهاب ببناء سور تعتبر فكرة متخلفة ومضيعة للوقت وهدراً للمال وتوليد شعور للمواطنين بالإحباط واليأس والتمييز العنصري والطائفي، وإذ كانت الحجة هي حماية سكان بغداد من الإرهاب والخطر، فلتتعلم الحكومة العراقية من دول العالم المتقدمة في كيفية حماية شعوبها ومدنها من خلال استخدام التكنولوجيا المتطورة في توفير الأمن ومنع الإرهاب من التحرك بحرية، فالجدران لا تجلب الأمان، اسعوا إلى بناء المواطن البغدادي وأعطوه الثقة التي سلبتموها منه وسيكون لبغداد سور عظيم ﻻ يمكن اختراقه.
فكرة بناء الخنادق والأسوار في العراق هي حجة ناجحة ظاهرها توفير الأمن والأمان وجوهرها تحقيق الأهداف مهما اختلفت وتنوعت.
خندق كردستان
يبلغ طوله حوالي 440 كيلومتراً من حيث الفكرة فيه منفعة كبيرة على الشعب الكردي فقط، بعكس سور بغداد الشكلي، من خلال المساهمة الرئيسية بترسيم حدود الدولة الكردية القادمة، إذ إنه يضم إلى أراضي الإقليم أكثر من 80% من الأراضي المتنازع عليها، ويمتد خندق كردستان من حدود الجانب السوري إلى جنوب محافظة كركوك.. هذا على الصعيد العام لفكرة إنشاء الخندق.
أما على الصعيد الدقيق للخندق فهو يفصل بشكل أساسي الأراضي المتنازع عليها بين حكومة بغداد وحكومة أربيل -عاصمة إقليم كردستان- وبين الأراضي العراقية الأخرى، حيث يمر الخندق من الشرق شمال منطقة بدرة بمحافظة واسط صعوداً باتجاه الغرب جنوب قضاء بلدروز وجنوب مدينة خانقين في محافظة ديالى، مروراً ببلدة كفري ومدينة طوزخورماتو شمال شرق محافظة صلاح الدين صعوداً باتجاه قضاء الحويجة جنوب محافظة كركوك، ثم باتجاه قضاء مخمور والحمدانية وتلكيف شمال الموصل وينتهي غرب شمال العراق في قضاء سنجار التابع إلى محافظة نينوى.
سور بغداد
الذي تعمل الحكومة العراقية على إنشائه الآن، ويبدأ غرباً من منطقة الخمس بيوت عند سيطرة الصقور، وهي مناطق تابعة لمحافظة الأنبار، ويلتف شمالاً إلى ناحية عكركوف ثم مناطق التاجي والطارمية، وسيتم ابتلاع منطقة السدة التابعة لمحافظة صلاح الدين، ويلتف جنوباً إلى حي الرضوانية، وتم اقتطاع جزء من مناطق الزيدان والسعدان التابعة للأنبار أيضاً، مروراً بصدر اليوسفية ثم مناطق المحمودية واللطيفة، ويصل السور إلى المحور الشرقي، كما سيتم اقتطاع جزء من مدينة خان بني سعد التابعة لمحافظة ديالى، وضمها لحدود بغداد الإدارية.
سور بغداد هو جدار فاصل بين العراقيين بهدف التشجيع على الانقسام والدخول بصراعات “سياسية – طائفية – ادارية”، فإن افترضنا جدلاً أن الغرض من بناء السور هو الحفاظ على أمن بغداد من الخارج فمن سيحمي بغداد من الداخل؟ ولماذا لم تُقْدِم الحكومة العراقية على هذه الخطوة عندما كانت داعش على أسوار بغداد، وهاجمت مطار بغداد الدولي أكثر من مرة؟ كما أن ما يزيد من الشكوك هو تكلفة السور الباهظة، كونه سيكلف الميزانية أكثر من 110 ملايين دولار، في الوقت الذي يمر فيه العراق بأزمة مالية قاسية اضطرت الحكومة إلى عرض أملاك الدولة للبيع لسد العجز المالي الذي تعانيه ميزانية العراق.
تزامُن إنشاء سور بغداد مع حفر خندق كردستان، يدل على رسم حدود جديدة، سواء لدولة كردستان أو لما تبقى من العراق، وهذا ما يؤكد على أن العراق يُقَسَّم واقعيًّا، وتم رسم الحدود بذكاء بحجة حفر الخنادق وبناء الأسوار، ولم يعد بإمكان الحكومة العراقية الاعتراض على المناطق المتنازع عليها التي أصبحت داخل حدود كردستان، لأنها استنسخت التجربة ذاتها، وإذا فكرت الحكومة العراقية بمطالبة كردستان بالأراضي المتنازع عليها ستدخل بحرب مفتوحة مع الأكراد، وهذا ما سيربك الحكومة العراقية ويتسبب بانهيارها رسميًّا، بسبب الدعم الدولي غير المحدود الذي تتمتع به كردستان وهذا ما يجعل الحكومة العراقية بموقف لا تحسد عليه.