23 ديسمبر، 2024 1:34 ص

خناجر في خاصرة العبادي

خناجر في خاصرة العبادي

دون مقدمات، ودون مواربة، يلخص سليم الجبوري رئيس مجلس النواب إشكالية الحكم في العراق. حين تحدث عن العبادي، تحدث عن اللادولة في العراق. يقول انه يثق بوطنية رئيس مجلس الوزراء، لكنه يتوقف عند معادلة الارادة والقدرة. الجبوري كمتخصص في العلوم السياسية لا يمكنه الوقوف في ظل المصطلحات. يقول ان الاشكالية الآن في قدرة رئيس الوزراء خلال هذه الفترة، الأخطر من ذلك، اعترافه بان “هناك من له النفوذ والقدرة على تحريك الأرض أكثر مما يملك رئيس الوزراء أو رئيس مجلس النواب أو رئيس الجمهورية”. إنه اعتراف بوجود الدولة العميقة. الدولة داخل الدولة.

مَن يقود مَن ضمن هذا السياق الانتحاري الراهن، والصراع الدامي على السلطة؟

العبادي الذي حزم حقائبه متوجها للقاء الرئيس الامريكي باراك أوباما، محملا بملفات الحرب على داعش والعجز الاقتصادي والصراع الداخلي، وصندوق إعمار المدن المحررة الذي يحتاج الى مبالغ طائلة، يستطيع، إن أراد، ان يقلب الطاولة على رؤوس فرسان الدولة العميقة، فهو يذهب الى واشنطن متوشحا بنياشين النصر على قوات تنظيم داعش في صلاح الدين وديالى، وقد تأتيه بشائر النصر على التنظيم في الأنبار فيما هو يشرب القهوة مع اوباما في المكتب البيضاوي. كما انه يدخل القصر الأبيض مدججا باشادة نائب الرئيس الامريكي جو بايدن لتحركاته في مواجهة الانتهاكات بحق السكان بعد معركة تكريت. نعم، هو بعينه، عراب مشروع تقسيم العراق وحليف الشيطان في نزاعات الملائكة، يتحدث قبل بضعة أيام عن “ضرورة وحدة مكونات الشعب العراقي، سنة وشيعة وأكراد، من أجل هزيمة داعش”.

هذا الزخم في تأييد العبادي يمنحه القدرة على نزع عشرات الخناجر من خاصرته. قبل أيام قال انه لم يتسلم أسماء مرشحي الاحزاب لإشغال الهيئات المستقلة، وانه اضطر لتعيين رؤساء هيئتي الحج والعمرة، والنزاهة بالوكالة. مما يعني السير في ذات النهج القاتل الذي سار عليه المالكي وشلّ مفاصل الدولة.

معطف الأحزاب، وهذه حقيقة بسيطة وناصعة، لا يحمي إلا مصالح المتنفذين فيها، ومن يقوم برعاية مصالحهم من كوادرها. والفساد الاداري والمالي صناعة تلك الأحزاب بامتياز ودون استثناء، ولم يكن المالكي سوى وسيطا لعقد الصفقات المشبوهة بين تلك الأحزاب

والوزارات والشركات المحلية والأجنبية مقابل غض الطرف عن سوء إدارته للدولة وبقائه أطول فترة ممكنة في سدة الحكم. المالكي إنتهى، لكن مالكية تلك الأحزاب مستمرة في سيادتها وهيمنتها على القرار، وهي أكثر مالكية من المالكي ذاته. ماذا يعني تعيين خالد العطية رئيسا لهيئة الحج والعمرة؟ ألا يعني مداورة لرموز الفساد في هيئات ومؤسسات الدولة؟

ليس سرا ان معظم الأحزاب، ولاسيما الشيعية منها، ترى في العبادي مجرد ظل لمراكز النفوذ والقرار، وان اختياره كان من قبيل الفنتازيا الطائفية التي تشيع الالتباس السياسي بغية التحكم بالقرارات. هؤلاء لم ينتبهوا للعلم العراقي وهو يرفرف فوق سارية يحملها العبادي في تكريت، لكنهم دققوا النظر في بدلته التي أتلفت أناقتها حماسة الرجل وهو يرفع راية النصر. هم ذاتهم أيضا من يطالبون سرا بإشاعة ثقافة تورابورا وفقه قندهار، ليس بالضرورة على طريقة القاعدة وطالبان، فللتطرف والفكر الظلامي مدارس ومناهج متعددة.

مداورة رموز الفساد تتزامن مع إعادة الهيكلة الدستورية في اقليم كردستان التي ستفضي الى إعادة هيكلة سياسية تفضي بدورها لترسيخ خطوات الانفصال. من هنا سيجد العبادي نفسه بين كماشتين، تفاقم ظاهرة الفساد وإنفراط العقد الاتحادي الذي سيجدد الحروب الاثنية بشكل أكثر قسوة هذه المرة، نتيجة توازن قوى المركز والاقليم وتوفر الغطاء الدولي، الأمريكي – الأوربي، لفكرة الانفصال، ما لم يوظف زخم زيارته لواشنطن ضمن إطار المزاج الشعبي العام المؤيد لقرارته والملتف حول بساطة علاقته بالشارع، ويبادر إلى إجراء عملية قيصرية تضع النقاط على حروف أزمة الحكم في البلد، وتؤشر بشكل واضح إلى من يضع العصي في دواليب الحكومة والبرلمان، وإلا فان الشظايا الطائفية ستضاف الى عشرات الخناجر المنغمسة في خاصرة العبادي.. وفي ظهره أيضا.

[email protected]