23 ديسمبر، 2024 4:37 م

خمس أشياء لن تجدي نفعاً في العراق عندما تفشل في البداية، فقط أفشل وأفشل ثانيةً

خمس أشياء لن تجدي نفعاً في العراق عندما تفشل في البداية، فقط أفشل وأفشل ثانيةً

بشكل أو بأخر، تورطت الولايات المتحدة بالحرب مع العراق منذ عام 1990، وتشمل تلك الحروب الإحتلال قصير الأمد عام 1991 والإحتلال الكامل عام 2003. وخلال ربع القرن الحالي، فرضت حكومة واشنطن العديد من التغيرات على الحكومة، وأنفقت الترليونات من الدولارات، وتخلل ذلك حالات وفيات لمئات الألاف من الناس. ولم تنجح أي من تلك الجهود بأي تعريف معقول لمصطلح إن واشنطن كانت قادرة تقديم شيء.

وعلى الرغم من كل هذا، كانت تلك الوسيلة الأمريكية في أن نؤمن بكل قلوبنا إن كل مشكلة هي مشكلتنا ونحن من يقوم بحلها ولكل مشكلة حل، وهذا الحل يجب أن يتم التوصل إليه. وبالنتيجة، واجهت الأمة التي لا يتسغنى عنها جولة جديدة من النداءات فيما يتعلق بفكرة ما الذي سنفعله “نحن” في العراق كخطوة قادمة. ولو وضعنا ذلك كله في الحسبان، إليكم خمس “إستراتيجيات” محتملة والتي جميعها تصب في منبع واحد هو ضمان إنها جميعا: لا تجدي نفعاً:

1

– إرسال المدربين

في أيار، وفي صحوة سقوط الميدنة السنية “الرمادي” بيد مقاتلي الدولة الإسلامية “داعش”، أعلن الرئيس أوباما تغييراً في مسار العمل في العراق. وبعد أقل من سنة من العجز في هزيمة أو تحجيم أو تحطيم الدولة ألإسلامية، سترسل الإدارة الأمريكية الأن المئات من القوات المسلحة لغرض بناء قاعد جديدة للتدريب في معسكر “التقدم” في محافظة “الإنبار”. في العراق الأن خمس مراكز للتدريب قائمة بالفعل. ومجهزة بكوادر عسكرية أمريكية يبلغ تعدادها ما يقارب “
3100 ” جندي أرسلت إدارة الرئيس أوباما. وبكن بعد تسعة أشهر من العمل، لم ينجح أي جندي عراقي تم تدريبه بالنجاح في معركة قتالية واحدة في بلد غرق في الفوضى المسلحة حد النخاع.
قد تبدو قاعدة “التقديم” إنها مرحلة جديدة من “الهجمات”. بدأ القائد العام مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة جولة من المباحثات التي أطلق عليها تسمية “

Lily Pads
” أو “حشوات الزنبق”، وهي عبارة عن قواعد أمريكية نصبت على مقربة من الجبهات القتالية الأمامية، حيث يعمل المدربين مع القوات المسلحة العراقية الأمنية. بالطبع، تتطلب “حشوات الزنبق” تلك إلى خدمة المئات من  المستشارين العسكريين الأمريكان كأنهم الذباب التي ستلتهمهم ضفادع الدولة الإسلامية.
لو استثنينا كل ما سيبدو على إنه مزحة ثقيلة الظل – في إن ديمبسي يقترح خلق مستنقعات جانبية في صحراء أبتلت بهذا النوع من “حشوات الزنبق” – فإن تلك الفكرة تم تجربتها بالفعل. وقد فشلت في إحتلال العراق الذي دام ثمانية سنوات عندما صنعت الولايات المتحدة أرخبيلاً من “505 ” قاعدة عسكرية في البلاد. (وكذلك فشلت في إفغانستان). وفي ذورة الحرب الأمريكية العراقية (الثانية) ملأت تلك القواعد الأمريكية العسكرية زهاء “

166,000″ جندي، وقاموا بإنفاق ما يقارب “

2.5 مليار دولار أمريكي” لتدريب القوات المسلحة العراقية وعدم تحقيق النتائج صار واضحاً جداً اليوم. فالسؤال إذن هو: أنى لعدد هائل من المدربين الأمريكان أن ينجزوا في فترة قصيرة
 ما عجزروا عن النجاح فيه في فترة سنوات طويلة؟
يسود أيضاً إعتقاد أمريكي في لو إنك عرضت المساعدة، فهناك من يقبلها. إن نتائج التدريب الأمريكي لحد هذه اللحظة، كما وضحها وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتمايد مؤخراً قد فشلت عما متوقع ولو قليلاً. ولكن الأن، أستحال المدربين الأمريكان “24,000” جندي عراقي إلى أشباح. تقدر الإحصائيات الرسمية العدد بإنه لا يتجاوز “

9,000 ” جندي عراقي ولكن الوصف لمراسيم “التخرج” الحالية لا يمكن إلا أن يكون محبطاً بمعنى الكلمة. (“المتطوعين متفاوتين في الأعمار حيث يبدو بعضهم في أخر سن المراهقة وأخرين منهم يبدون في الستين. كانوا يتردون الزي العسكري المرقط وأحذية الجيش ولكن سيرهم في المسيرة الإستعراضية يمكن أن يكون كما نقول غير مبالي.”) ولو درسنا ما عرضته الولايات المتحدة من تدريب عسكري للعراق منذ 2003 ، بالكاد يمكننا أن نتصور إن الأغلبية من الشباب الذين تلقوا التدريبات لم يكن أمامهم أي خيارات التي يعتقدها البعض. ببساطة لإن حكومة واشنطن فتحت معسكرات تدريب أكثر ولا يوجد مبررلأن يلتحق بها العراقيين.
ومن الغرابة المعهودة، وقبل الإعلان عن سياسته الجديدة، بدا على الرئيس أوباما إنه وفق مسبقاً على الإنتقادات التي تقول بإن الخطة الموضوعة لا تجدي نفعاً. “لدينا مقدرة تدريبية أعلى مما لدينا من متطوعين.” قال ذلك خلال إختتام قمة السبعة الكبار في ألمانيا. ونوه أوباما أيضاً “لا يحدث ألأمر بالسرعة التي نرغب أن تحدث بها.” في حين كانت منشأة تدريب الأسد، المنشأة الوحيدة في المنطقة السنية، مثلاً، لم ترسل الحكومة العراقية جندي واحد ليتلقى تدريبه على يد المستشارين الأمريكان لفترة ستة أسابيع ماضية. وهنا إليك بعض المعلومات الإضافية القيمة: لكل جندي أمريكي في العراق، هناك مقاولين أثنين من الأمريكان. في الوقت الراهن هناك ما يقارب ” 6300 ” منهم في البلاد بالفعل. وأي أعداد من المدربين الإضافيين يعني إضافة المزيد من المقاولين ضامنة بذلك إن إستراتيجية “أثار أقدام” الولايات المتحدة في عدم تعبئة الجيش الأمريكي في المعارك في حالة نمو ليس إلا، وورطة “حشوات الزنبق” الخاصة بالقائد العام ديمبسي ستظهر على أرض الواقع بصورة أوضح.
2
– القطعات الحربية في ساحة المعركة
السيناتور جون مكين، الذي يترأس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، من المؤيدين الأقوياء للإستراتيجية الأمريكية الكلاسيكية الوطنية التي تؤيد دخول الجيش إلى ساحات المعركة: أي إرسال القطعات الحربية الأمريكية. ويعرف مكين الذي شهد نشر القوات الأمريكية في حرب فيتنام، أفضل مما هو متوقع لإن عمليات القوات الخاصة والمدربين والمستشارين والمتحكمين بالصراع الجوي مع القوة الجوية الأمريكية قادرة على قلب الموازين في أي موقف إستراتيجي. رده هو استدعاء المزيد، وهو ليس وحده في هذا الرأي. وخلال الحملة التي تسير في الوقت الراهن، أقترح على سبيل المثال حاكم ولاية ويسكونسن سكوت والكر لو إنه كان الرئيس لقام “بإعادة الإحتلال” من جديد للعراق. وعلى نحو مماثل، حث القائد العام أنطوني زيني رئيس أركان الجيش الأمريكي السابق على أرسال المزيد من الجنود قائلاً: “يمكنني أن أقول لكم إن عليكم بتعبئة القوات البرية الأن ويمكننا أن ندمر داعش.” ومن بين حشود النازلين ساحات القتال جنود سابقين ممن قاتلوا قي العراق على سنوات حكم بوش، وممن فقدوا اصدقاء هناك وممن عانوا بأنفسهم الأمرين. والغوص في الغمة التي أزحيت عن كل هذا الأمر، يفضل الأنصار أن يؤمنوا إنهم أنتصروا فعلاً في العراق، (أو كان عليهم أن ينتصروا، أو من المفترض إنهم أنتصروا، فقط لو إن إدارتي بوش وأوباما لم تبددان “النصر”) وما هم بحاجه إليه اليوم كما يزعمون إعادة المزيد من الجنود الأمريكان للقتال براً لكي يحققوا النصر في النسخة ألأخيرة من حربهم. والبعض تطوع فعلاً كمدنيين لمواصلة القتال. هل من مجادلة أكثر حزناً من قولنا: “لا يمكن لكل شيء أن يضيع”؟ خيار إرسال المزيد من القوات البرية أسهل الخيارات التي يمكن تركها، فبالكاد يمكنها أن تستحق فتح جبهة أخرى: فبعد أكثر من ثمانية سنوات من الجهد، وتعبئة 166,000 جندي واستغلال كامل الجهد العسكري الأمريكي، كلها لم تجدي نفعاً في العراق. فما الذي تتوقعه من موارد أقل أن تنجز؟
3

– التعاون مع إيران
في الوقت الذي يتخذ تردد القوات المسلحة الأمريكية في تعبئة قوات برية في العراق منحى قرع الطبول بين معركة الصقر والدجاجة في ساحة المصارعة السياسية، يتجه العمل المقرب مع إيران في أن يكون خطوة إفتراضية متزايدة الإحتمالات. فلو لم تكن القوات الأمريكية، فما رأيك بالقوات المسلحة الإيرانية؟
إن القصة التاريخية لهذا المنحى أغرب الحكايات الشرق الأوسطية التي يمكنك أن تسمعها. كانت خطة إدارة أوباما الأصلية هي أن تستغل القوات العربية وليس الإيرانية كمشاة بالنيابة عنها. ومع هذا، استغلال التحالف العربي مع ستين أمة لم يولد إلا صورة ذات إنعكاس حي لم يدم كويلاً. القليل جداً من طائراتهم كانت تحلق في الأجواء إن عدت على أصابع اليد. فالطائرات ألأمريكية شكلت ما نسبته 85% من كامل المهام ضد أهداف الدولة الإسلامية، مع التحالف الغربي الذي غطى النقص العربي بصورة جيدة. لم تظهر حتى الأن أي قوات برية عربية، والقائدة الكبار العرب صاروا يستنكرون علناً إتفاقية حكومة واشنطن النووية مع إيران.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية بالطبع في حالة حرب باردة مع إيران منذ عام 1979 عند إطيح بالشاه وأستحوذ الطلبة الراديكاليين على مقر السفارة الأمريكية في طهران. في ثمانينات القرن المنصرم، ساعدتن الولايات المتحدة صدام حسين في حربه ضد إيران، ولكن في السنوات التي تلت إحتلال2003، دعمت غيران بصورة فاعلة ميليشيات الشيعة العراقية ضد القوات الأمريكية التي أحتلت البلد.
قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني الذي يقود جهود بلاده في العراق كان في أحد الأيام في قمة القائمة السوداء الأمريكية.
في أحدى صحوات2014، أحتلت الدولة الإسلامية “الموصل” ومدن شمالية عراقية أخرى. أخذت إيران دورها، وأرسلت المدربين والمستشارين والأسلحة وقواتها العسكرية لدعم ميليشات شيعية التي رأت حكومة بغداد إنها أملها الوحيد. أغفلت الولايات المتحدة عينها في بداء الأمر عن كل هذا، حتى تجاهلها للميليشات التي تدعمها إيران، وربما صار الإيرانيين أنفسهم المستفيد الأكبر من الدعم
الأمريكي بالضربات الجوية.
ما يجري في واشنطن في هذا التوقيت تماماً نمو متزايد لم لم يكن هادئ إقرار بإن المعونة الإيرانية واحدة من القليل من الأشياء التي قد تدفع داعش إلى الخلف من غير الحاجة إلى إنزال قوات برية أمريكية. نعم إنها قليلة، ولكن الجزم بتزايدها المنتظم موجود. في معركة أسترداد المدينة الشمالية السنية “تكريت” على سبيل المثال حلقت الطائرات الأمريكية في مهمات ساندة للميليشيات الشيعية، وللتوضيح: كانت الميليشيات تعمل بإشراف من الحكومة العراقية وليست السيطرة الإيرانية.
“سنقوم بتوفير الغطاء الجوي لكافة القوات التي تقع تحت آمرة وسيطرة الحكومة العراقية.” نوه المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة الأمريكية على نحو مماثل إشارة إلى القتال القادم لإستعادة مدينة “الرمادي”. وهذا يدلل على منعطف مهم، أشار وزير الخارجية الأمريكي الأسبق: “غيرت الولايات المتحدة موقعها بصورة فاعلة مدركة إن الميليشيات الشيعية شر لا بد منه في المعركة مع داعش.” إن الوصول إلى هكذا نوع من التفكير قد يتوسع إلى تعبئة القوات المسلحة البرية الإيرانية التي تقاتل حالياً بضراوة في معركة
أستعادة “مصفاة بيجي النفطي”.
قد تسير الأمور على نحو أفضل بين الولايات المتحدة والميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران أكثر مما أعتقدنا بالسابق. نشرت “بلوبيرغ” إن الجنود الأمريكان ومجاميع الميليشيات الشيعية تستغل سوية قاعدة “التقدم” العسكرية وهو نفس المكان الذي أرسل إليه الرئيس أوباما أخر450عسكري أمريكي.
هل هذا سلبي؟ هل إن تقديم العون لإيران في الصراع الأمريكي القادم سيفهم خطأ خصوصاً بعد الهيمة الإيرانية المتزايدة في المنطقة وربما في سوريا؟
4
– تسليح الأكراد
يمثل الأكراد الأمل الأكبر بالنسبة إلى حكومة واشنطن فيما يتعلق بالقضية العراقية، وهو حلم يلعب بمثالية في السياسة الخارجية الأمريكية التي ترمي مجازاً إلى الحاجة إلى أن “يعجب” بها اي أحد. (جرب صفحات الفيسبوك). في هذه الأيام، ألقي نظرة على مواقعي المتحفظة الألكترونية أو راجع العلامات الجناح اليميني وتمتع بالحملات الدعائية عن الأكراد. فلو أعطيناهم المزيد من الأسلحة، فسيقتلون المزيد من عصابات الدولة الإسلامية من أجلنا. بالنسبة إلى حشد الجناح اليميني، فهم يمثلون في القرن الحادي والعشرين رأي وينستون تشرتشل في الحرب العالمية الثانية الذي نادى: “أعطونا الأدوات فقط وسنهزم هتلر!”
هناك بعض الصدق في هذا كله. لقد نجح الكرد فعلاً في دفع عصابات داعش خارج قطعات شمال العراق وشعروا بالسعادة لحصولهم
على مساعدة الولايات المتحدة في نقل مقاتليهم “البيشمرگة” حتى الحدود التركية عندما كان مركز القتال في مدينة “كوباني”. وخير

معونة لهم كانت مواصلة الدعم الجوي الأمريكي التي غطى قطعاتهم الأمامية والكم المحدود من الأسلحة التي أرسلتها الولايات المتحدة

بالفعل.

بالنسبة إلى واشنطن، تكمن المشكلة في إن مصالح الأكراد محدودة على نحو ضيق عندما يكون الأمر مقاتلة عصابات داعش. فعندما تتعرض حدود كردستان الفعلية الإدارية للتهديد يقومون بالقتال كالأسود الضارية. وعندما حانت الفرصة لإستيلاء على بلدة أربيل المتنازع عليه ففي الوقت الذي أرادت حكومة بغداد فيها أن تبقيها داخل سيطرتها طرد الأكراد داعش خارجها.

ولكن عندما مست الأمور السكان السنة، لم يقم الأكراد حتى باستهجان الأمر، طالما إنهم بقوا بعيدين عن حدود كردستان. هل شاهد أحد أي من مقاتلي كردستان في “الرمادي” أو في أي مكان أخر مثل محاظفة “الأنبار” السنية بالكامل؟ إن تلك المناطق الاستراتيجية والتي تستولي عليها الدولة الإسلامية اليوم تبعد مئات الأميال الفعلية وملايين الأميال السياسية عن “كردستان”. لذا قم بتسليح الكرد فعلاً. ولكن لا تتوقع أن يلعبوا دور استراتيجي في القتال ضد داعش خارج المناطق التي تحيط بإقليمهم. إن الإستراتيجية الرابحة مع الكرد التي تتضمن حكومة واشنطن لا تترجم بالضرورة إلى إستراتيجية رابحة بالنسبة إلى العلاقة بين حكومتي واشنطن والعراق.

5
-الحل السياسي
إن رجل الحكومة الأمريكية اليوم في بغداد، رئيس الوزراء حيدر العبادي، لم ينقل بلاده إلى خطوة المصالحة الفعلية بين السنة والشيعة كحال سلفه، نوري المالكي. في الحقيقة، كون العبادي لا يحضى إلا بالخيارات القليلة التي تتلخص بإعتماده على الميليشيات الشيعية والتي ستقاتل فقط عندما يتوقف جيشه المليء بالفساد وخير المؤهل فما أماخه من خيار سوى التقرب أكثر إلى إيران. وهذا ضمن إن أي أمل “أمريكي” في إدخال السنة في العملية السياسية بطريقة فاعلة وجدية كجزء من حكومة موحدة في بلد موحد سيثبت كونه حلم
من أحلام المحششين ليس إلا.
موازنة القوى شرط ضروري لعراق فدرالي شيعي – سني – كردي. والعجز عن حصول جانب قوي جداً يحظى بالظفر، ولا جانب أخر عاجز وضعيف يقع فريسة الإنهزان، لم يبقى إلا خيار واحد وهو التفاوض. ففي الوقت الذي اقترح أولاً السيناتور بوقتها – جو بايدن- فكرة عراق الدول الثلاث عام 2006 ، كانت هذه الفكرة الخيار الوحيد المطروح والممكن. ومع هذا، ما أن بنى الإيرانيون عراق شيعي في بغداد عميل ومن ثم في عام 2014 أطلقوا العنان للميليشيات كأداة للقوة الوطنية، فقدت هذه الفرصة. لم يرى الكثير من السنة حلاً أمامهم سوى دعم الدولة الإسلامية كما فعلوا بدعمهم للقاعدة في العراق في سنوات الإحتلال الأمريكي للعراق عام 2003
. فقد كانا يخشون تلك الميليشيات الشيعية وكان معهم عذرهم الوجيه. فقد تحدثت الكثير من القصص التي جاءت من المدينة السنية الكبيرة “تكريت” حيث قادت الميليشيات الشيعية القوات لهزيمة الدولة الإسلامية عن: “مدينة أشباح يحكمها مسلحون”. وفي قرية “جرف السخر” التي تقع على نهر “الفرات” وردت الإنباء عن التصفية الطائفية. وعلى نحة مماثل، إتهم سكان بلدة “النخيب” السنة في أغلبهم – البلدة التي تقع على التقاطع الإستراتيجي بين المنطقتين السنية والشيعية- الميليشيات بالإستيلاء على البلدة بحجة محاربة المتطرفين. وبقي خوف عظيم من المجازر في مدينة”الأنبار” السنية بالكامل والتصفية الطائفية لو الميليشيات الشيعية دخلتها بالقوة. وفي هذه الحالة، سيكون هناك دوماً محل للقاعدة (الدولة الإسلامية) أو أي حركات مماثلة مهما كانت قسوتها للدفاع عن الشكان السنة المحتجزين. وما يفهمه القاصي والداني في العراق، وما يبدو للكل في أمريكا غير مفهوم، هو إن الدولة الإسلامية حالة من حالات الحرب المدنية وليست تهديد بحد ذاته.
واحد من ألآمال الكامنة لدى إدارة أوباما لا تحظى بالدعم من جانب حكومة بغداد لذا بقي الأمل غير معهود: هزيمة داعش عبر العشائر السنية المسلحة مباشرة على طريقة “صحوات الأنبار” خلال سنوات الإحتلال. وبالفعل، خشت الحكومة المركزية من أن تسلح العشائر وغيبت بعض الوحدات المستولي عليها من أجل حفظ الأمريكان بحالة من الهدوء. يعرف الشيعة أكثر من غيرهم كيف إن المترمد يمكنه أن يساعد في هزيمة قوة كبرة ومسلحة بصورة أفضل.
ومع هذا على الرغم من تصاعد مخاطر ظلال الحرب الأهلية في العراق، تتقدم الولايات المتحدة الأن بصورة مباشرة نحو تسليح السنة. الخطط الحالية استيراد الأسلحة لقاعدة “حشوة الزنبق” الجديدة في “الأنبار” وتمريرها إلى العشائر المحلية هناك، سواء قبلت حكومة بغداد أو رفضت. (ونعم، الخلاف مع بغداد يستحق الملاحظة). ومن المرجح إن يتم إستخدام الأسلحة نفسها ضد الميليشيات الشيعية بنفس القدر من إحتمالية أستعمالها ضد مقاتلي الدولة الإسلامية مع الإفتراض عدم تسليمها إلى مقاتلي داعش. إن فقدان معدات أولئك الميليشيات أمر ليس بالهين. لا يجب أن يتجاهل من يتحدث عن إرسال الكثير من الأسلحة الجديدة إلى العراق، بغض النظر عمن سيتلقى تلك الأسلحة، مقدار الراحة التي سيشعر بها عصابات الدولة الإسلامية عندما يستلموا الأسلحة الثقيلة الأمريكية. لقد أجبرت حكومة واشنطن على توجيه الضربات الجوية على تلك الأسلحة التي تم الإستيلاء عليها – حتى لو أصطرت لشحن المزيد منها. في الموصل، تم ترك ما يقارب “

2300 ” سيارة همر ليستولي عليها مقاتلوا داعش في حزيرا 2014 ، وترك لهم أفراد الجيش العراقي أكثر من هذا العدد وهم يفرون من “الرمادي” في أيار. إن هذا النمط من التجهيز والإستيلاء وإعادة التجهيز سيكون غريب علة نحو باعث للسخرية، لو لم يتحول إلى نهاية مآساوية عندما استعملت داعش تلك الهمرات كمركبات مفخخة وأخرى مسلحة إنتحارية وألزمت حكومة واشنطن على أن ترسل صوارخ نوع ” AT-4 ” المضادة للدبابات للجيش العرقي لكي تدمرها.
السبب الحقيقي وراء عدم جدوى الحلول المشكلة الأساسية التي تواجه كل السياسات الأمريكية تجاه العراق هي إن “النجاح” – كما تعرفه حكومة واشنطن – يستلزم كافة اللاعبين للتصرف ضد رغباتهم والدوافع التي تحركهم والأهداف بغية إنجاح الغاية الأمريكية. فالسنة بحاجة إلى حامي لأنهم يعانون من المكانة السياسية، فلو لم يكن الحامي البقاء حياً سياسياً، في العراق من نوع جديد. وتسعى الحكومة الشيعية في بغداد إحتلال والسيطرة على المناطق السنية. في حين ترغب إيران في تأمين العراق كدولة عميلة وتستغلها للدخول السلس إلى سوريا. ويرغب الكرد في وطن مستقل. عندما نوع وزير الدفاع أش كارتر قائلاً: “إن ما يحدث بشكل واضح (في الرمادي) هو إن القوات العراقية بينت فقط عدم رغبتها في القتال،” وما كان يعنيه فعلاً هو إن نية القوات العراقية المسلحة في عدم القتال كان عدم القتال لأهداف وضعتها أمريكا. وفي العقلية ألأمريكية، العراق يتحمل المسؤولية الكاملة عن حل المعاضل التي سببتها أو ضخمتها الولايات المتحدة في المقام الأول، حتى لو كان الأمريكان قد افترضوا مرة أخرى دور أكبر في البلاد التي تواجه الموت بإزدياد أكبر.
ومن أجل إنجاح الخطة “الأمريكية”، على العشائر السنية أن تقاتل السنة المنضمين للواء الدولة الإسلامية بدعم من حكومة شيعية التي قمعت بدعم من إيران مظاهراتهم السلمية ذات النمط المماثل للربيع العربي، وكذلك التوقف عن إغتيالهم ونفيهم والإعتداء عليهم.
على الكرد أن يقاتلوا من أجل العراق الوطن الأم والذي يرغب الكرد الإنفصال عنه. هذا لا يجدي نفعاً. بالعودة إلى عام 2011 ، ولكن يكن قد تخيل أي فرد بإن نفس الشخص الذي هزم “هيلاري كلينتون” وربح البيت الأبيض إعتماداً على معارضته للحرب الأخيرة في العراق أرسل قوات أمريكية إلى ذلك البلد الفوضوي مرة أخرى. فلو كان هناك نقاد أمريكيين حقيقيين، لقال إن هذه هي الحرب العراقية الثالثة. فلو إندلعت حرباً، مهما كانت إستراتيجيتها التي ليس للولايات المتحدة أي أمل في كسبها، فهي هذه الحرب. والأن، أنت تفكر بيقين وتطرح السؤال التالي: “كيف حدث هذا؟” المؤرخون سيطرحون ذات السؤال.
بقلم: بطرس ڤان بورين
ترجمة:حازم ابو العزم