تردد كثيراً على لسان سياسيين وإعلاميين وجهات متعددة، عن وجود خلل في الدستور العراقي، وخروقات تنفيذية وتشريعية تحصل.. لكن لا أحد يتحدث لنا بالتفصيل أين خلل الدستور ومن يخرقه؟ هذا ما أعطى مسوغ لبعضهم لتجاوز الدستور من خلال سوء إستخدام الصلاحيات، وتارة آخرى تحت ذريعة الإستثناءات والتفسيرات وفق منافع ذاتية. الدستور مجموعة نصوص تنبثق منها القوانين.. أو في الأقل هي صيغة يتفق عليها معظم العراقيين أفتراضاً، سواء قبلوه أو رفضوه أو إختلفوا على بعض فقراته.
معظم الأحاديث لا جزم فيها ونهاياتها غير واضحة، ومتعددة الأوجه والتفسير والتأويل والتشويه أحياناً، ولكثرة الحديث عن خلل الدستور أو الخروقات الدستورية، لم يعد المواطن يثق بالدستور وهو يرى التشريعين والتنفيذيين يتحدثون هكذا، ويرى التجاوز مسموحا به لبضعة سياسين يعتبرون أنفسهم فوق الدستور!
يجد المواطن تناقضاً بين التنفيذ والتشريع، وينظر الدستور فيشعر بالتقصير في تطبيقه، ومع أن هناك إجماعا سياسيا عن وجود عيوب في الدستور، لكنه لا يعرف هل هي حقيقة أم خيال، من نسج خيال بعض القوى السياسية لتبرير خروقاتها، أو تفسيراتها وفق مشتهياتها؟!
أصبحت الخروقات الدستورية مسألة طبيعية، وكأن العمل بالدستور مخالفة أو تغريد خارج طبقة سياسية صارت عندها الخروقات عرفاً سياسياً.. فيما إنجرفت الأراء الشعبية وبعض الممارسات الإجتماعية الى مخالفات تتجاوز القانون، ومثالاً من يريد البصرة أقليماً وإلتحقت بهذا المطلب، والذريعية لتلك التحركات، هو وجود خروقات دستورية في توزيع الواردات.
تشكو البصرة من تصنيفها ضمن المحافظات الأكثر محرومية، بينما هي من أكثر المحافظات عطاءَ للعراق، والموصل تشكو من ضعف البنى التحتية والإجتماعية، نتيجة الحرب على داعش، وهي ثاني أكبر مدينة عراقية، وهذا لا يعني وجود فقرات دستورية تعمدت التقصير على مدن مهمة أو شريحة بذاتها، بل معظم المدن تشكو من الخدمات الأساسية.
إن مشكلة المحافظات التي تطالب بالأقلمة أو التظاهر، تكمن بتقاطع الصلاحيات بين المركز والمحافظات، وهذا يعني وجود خلل بالتطبيق، في وقت لا يعرف كثير من المسؤولين، هل أن إدارة العراق مركزية أو محلية.. وبالطبع يفسرونها بالمركزية عندما يكون عنده كتلة محلية، ويقول التقصير محلي عندما يكون التقصير من وزير كتلته، وهنا إنعطاف وتغاضي عن أصل المشكلة، وإستعطاف للجماهير بأن سبب المسؤول الفلاني كان بسبب خلل موجود في الدستور، فالبصرة والموصل وهكذا بقية المحافظات، مشكلاتها بسبب صراع الإرادات السياسية، وخلافات البرلمان والحكومة، والحكومة الإتحادية ومجالس المحافظات، وبداخل كل منها صراع سياسي، وجهات تقود النفوذ والمال.
تعزوا بعض القوى مطالباتها اللادستورية، بأنها منقذ في بلد عائم في بحر المشكلات والتجاوز على القوانين، وحشرهم في المخالفات عيد مع الناس المخالفين للدستور، ولكنها لم تحدد أو تشخص بشكل صحيح أين هو الخلل الدستوري ولماذا؟ ومن يدفعها لمخالفة الدستور، في حين هي تعترض على أن خلله سبب المشكلا، ومن الواضح أن خلل الدستور بالتطبيق لا بالنصوص.