23 ديسمبر، 2024 10:28 ص

لا لم نشأ بل شاءت الأقـــــــــــدارُ                  أن نلتقي وتؤجَّل الأسفارُ
عشرون عاماً قد مضتْ يا صاحبي                  ليلٌ يفرّقنا بها ونهـــــارُ
عشرون عاماً قد تشيخُ الــــــــــــــــــــذكرياتُ بها وقد تتآكلُ الآثــــــــــــارُ
ويُداسُ تاريـــــــــــــــــــــــــــــــخُ الغـــــرامِ وتمَّحي أسمائنا وتبدَّلُ الأدوارُ
وتحيلنا غرباءَ نجهلُ بعــــــــــضنا                وتموتُ لهفتنا وتخبو النارُ
يا صاحِ لا تنظرْ بنظرةِ منكـــــــــرٍ                كم مؤلمٌ في عينكَ الإنكارُ
إنصتْ إلى روحي لتعرفني ففيــــــــــــــــــــــــــــها عن قديمِ عهودنا إخبار
فيها أقاصيص الطفـــــــــولة كلها              والذكرياتُ البيضُ والأسرارُ
وضجيجُ شارعنا القديمِ وصوتنا الشاكـــــــــــــــــــي إذا ضاقتْ علينا الدارُ
ودعاءُ أمي إذ تباركنا ولمسةُ كفها وكلامــــــــــــــــــــــــــــــــــها المعطار
وعظيمُ نجواها إذا ناجت وصوتٌ أثقلتْه سكينةٌ و وقــــــــــــــــــــــــــــــارُ
كانت تلوِّح للسماء بدمعهـــــــــــا              فتسيرَ عكسَ طباعها الأقدارُ
كم أفهمتْنا أنَّ خلف الأفقِ ربَّاً لا تكتِّم نـــــــــــــــــــــــــــــــــورَه الأستارُ
يحنو علينا إن قستْ كلُّ الجهاتِ ويحتوينا والوجـــــــــــــــــــــــــودُ أُوارُ
هو غوثُ من لا يستغاث لصوته           ونصيرُ من غدرتْ به الأنصارُ
للآن تعبق في دمي كلمــــــــاتها           ويضـــــــــجُّ فيّ عبيرها الموَّارُ
يا صاحبي مازلتُ أحملُ كـعبةً              في الــــروح لم يعبثْ بها الكفّارُ
هي كعبة الذكرى أطوفُ بركنها              حتى تكفكفَ دمـــــعيَ الأستارُ
حِيطتْ بعين الله فهي مصونةٌ            مهما بغى المتهجِّمونَ وجاروا
لم يدخلِ الإفرنج فيها إذ غزوا جسدي ولم يتجــــــــــــــــــــــرأ التّاتارُ
عظمتْ على الأعداءِ هم يرمونها        أبـــــــــدا فلا تهوي ولا تنهارُ
لم يبقَ إلاّها وقد سرقوا تراثي  واشترى تاريــــــــــــــــــــخي التجّارُ
إنظر فكلُّ ملامحي قد أبدلوها وامَّحت من وجهيَ الآثـــــــــــــــــــــارُ
قتلوا صفاتِ الملح فيَّ ولم يعدْ في الوجه من لون الجنوب سمـــــــــارُ
لا تنكرنْ صمتي فكلُّ حروفيَ اغتُصبتْ ومُلِّكها فمٌ مهــــــــــــــــــذارُ
وقصائدي ذُبحتْ وألحاني مسمَّرةٌ وفرَّ بنفسه المزمــــــــــــــــــــــــارُ
كل العنادلِ غادرتْ أعشاشها               وتنكَّرتْ لطيورها الاشجارُ
لم يبق في أعطاف دجلة بلبلٌ               أو فوق أمواج الفرات هزارُ
يا صاحِ غُرِّبنا وعاثَ بنا الزمـــــــــــــــــــــــــــان ولفَّنا دولابهُ الدوَّارُ
عشرونَ عاماً والرّياحُ تلوكنا أشداقُها ويمجّنا الإعصــــــــــــــــــــــــارُ
ونساقُ من منفى إلى منفى ويُنتَخب العبيدُ ويسحقُ الأحـــــــــــــــــــرارُ
قيمُ الوجودِ تناقضتْ مع نفسها                  وتداخلتْ ما بينها الأدوارُ
العهرُ يغرس في الظلام فيستحيلُ فضيلةً وتُقدَّس الأثمــــــــــــــــــــــارُ
وحكايةُ الشرفِ الرفيعِ تخطُّها أقلامُ عاهرةٍ براها العـــــــــــــــــــــــــارُ
نُسيتْ فواحشها فألفُ رذيلةٍ قد خبَّئتها طِرحة وخمـــــــــــــــــــــــــــــارُ
عشرونَ عاماً يا صديقي عُطّلتْ فيها العقولُ وحارتِ الأفكـــــــــــــــــارُ
الطفلُ يولدُ ميّتا فينا فتبتهجُ القبورُ ويفرحُ الحفّـــــــــــــــــــــــــــــــــــارُ
ومن المقابر يبعَثُ الأمواتُ أحياءاً ونحنُ نسير أنى ســــــــــــــــــــاروا
أسيادنا صاروا هم الموتى فذي أجسادهم جثثٌ وتلك عروشهم أحجــــارُ
ونفوسهم رممٌ فمذ أنْ كوِّنتْ                 والدودُ أكَّــــــــــال بها نخَّارُ
دارتْ دولايبُ الزَّمانِ وهم كما هم في القبور ومرَّتِ الأعصــــــــــــارُ
كم داستِ الاجيال فوقهم فما انتبهوا وكم قد بدِّلتْ أعمــــــــــــــــــــــارُ
موتى وما للميّتينَ طبائــــعٌ                     كيما تُحَسَّ ولا لهم أطوارُ
متماثلونَ بموتهم وسكونـــهم                   لا مــــائزٌ فيهم ولا مختارُ
حكموا البلادَ ففتّحوا كلَّ القبورِ وعتَّم الأفقَ الفسيحَ غبـــــــــــــــــــــــارُ
وتجرَّدتْ كلُّ النجومِ من الضِّياء وغادرتْ أكنافَها الأقمـــــــــــــــــــــارُ
والأرضُ بُدِّلَ حسنُها فحقولها شحبتْ وشابت فوقها الأنهـــــــــــــــــــارُ
وتحجَّرتْ أجيالنا فنفوســـــنا خزفٌ, وطينةُ خلقنا فخَّارُ